من أجل السلام المستدام أتحاد العرب ضرورة أو أختيار

من أجل السلام المستدام أتحاد العرب ضرورة أو أختيار

الأمة العربية اليوم تواجه مشاهد مأساوية متلازمة: منها العدوان المستمر على غزة، والانقسام العربي في الدول العربية ومنها العراق امام قضايا مصيرية مثل العلاقة مع إيران وسورية الجديدة بقيادة الجولاني ولبنان واليمن وليبيا. وهذه المشاهد تؤكد أن غياب الوحدة، وتشتت القرار، وابتعاد المخلصين عن القيادة، كلها عوامل تغذي استمرار المآسي وتؤجل تحقيق السلام والاستقرار.

في ظل الواقع العربي المتصدع، تبدو صورة “قطيع من الأغنام يقوده حكيم شجاع ينتصر على قطيع من الذئاب يقوده منافق جبان” أكثر من مجرد تشبيه رمزي، بل هي تجسيد دقيق لما يمكن أن تفعله القيادة الصادقة والإرادة الموحدة.

غزة ليست مجرد رقعة جغرافية تُقصف، بل هي رمز لكرامة أمة تُستباح، واختبار مستمر لمدى صدق المواقف العربية. لأكثر من عقدين، وجدت غزة نفسها وحيدة في وجه آلة عسكرية لا ترحم، فيما تقف أنظمة عربية إما على الحياد أو في موقع المتفرج. ومع كل موجة عدوان، تتكرر ذات الأسئلة: أين العرب؟ لماذا هذا الصمت؟ والإجابة الواضحة هي أن غياب الاتحاد العربي على كلمة واحدة هو السبب الأول في استمرار هذا النزيف.

إن غزة لا تطلب جيوشًا عربية، بل تطلب وحدة صوت، وموقفًا سياسيًا موحدًا، وضغطًا دبلوماسيًا حقيقيًا يعكس وزن الأمة العربية. ومع ذلك، فإن تشتت القرار العربي، وتضارب الأولويات، وتغليب المصالح الضيقة، جعل من الشعب الفلسطيني ساحة لتصفية الحسابات، لا لقضية مركزية توحد العرب.

الوحدة ليست حلمًا رومانسيًا، بل حاجة واقعية أمام عدو يتربص بالجميع، ويمضي في عدوانه مطمئنًا إلى أن الشعوب العربية لن تتفق على كلمة سواء. وما لم يتم تجاوز الخلافات المفتعلة، والعودة إلى أصل القضية، فإن الأجيال القادمة ستلعن هذا التخاذل، وسيرث الأطفال العرب وطنًا ممزقًا فاقدًا لكرامته.

 

عراقنا الحبيب يمثل نموذج الجرح الداخلي للامة التي تنزف بصمت منذ سنوات. بلد الحضارات والتنوع، تمزقه الصراعات الطائفية السياسية، والتجاذبات الحزبية، والولاءات الخارجية. لقد تحوّل العراق من مركز قوة في المنطقة إلى ساحة صراع إقليمي ومذهبي، تُستغل فيها الاختلافات لتفكيك وحدة الشعب، وتهميش طاقاته الحقيقية.

لقد آن الأوان لتجاوز الطائفية السياسية في العراق، وفتح الباب أمام المخلصين من أبناء هذا البلد، الذين يؤمنون بوحدة العراق. فلا سلام في الداخل، ولا مساهمة فعالة في القضايا العربية الكبرى، دون عراق موحد، قوي، ومتوازن.

الوضع في العراق اليوم يتطلب أن يتقدم العقلاء والوطنيون في الانتخابات القادمة إلى الصفوف الأولى، ويبتعد الانتهازيون الذين مزقوا النسيج المجتمعي لصالح أجنداتهم. الشعب العراقي أثبت عبر تاريخه أنه قادر على النهوض، شرط أن يجد قيادة صادقة تؤمن به، وتتجاوز المحاصصة والمزايدات.

 

ما بين غزة والعراق خيط مشترك من الألم والتحدي. فكلاهما ضحية لعدو واحد وبالخصوص مع وصول دكتاتور العالم الجديد الى قيادة البيت الأبيض حسب رؤيا اللوبي الصهيوني والمالي العالمي. من العرب من يتعاون مع هذا العدو ومنهم من يعادي وكلاهما يحتاج إلى نفس الدواء: قيادة موحدة، إرادة شعبية، وتحرر من الطائفية والانقسام. إن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم من دون وحدة وطنية في الدول العربية، وعلى رأسها العراق. فالوحدة الداخلية هي الركيزة لأي موقف خارجي قوي. إذا تعافى العراق من الداخل، فسيعود ليلعب دورًا مركزيًا في قيادة المشروع العربي، وسيدعم القضية الفلسطينية من موقع القوة، لا من موقع العجز. والعكس صحيح، فاستمرار الانقسام في العراق هو ثغرة ينفذ منها كل أعداء العرب لتفتيت الموقف المشترك، وإضعاف القضية الفلسطينية.

 

لم يعد اتحاد العرب خيارًا يمكن تأجيله، بل أصبح ضرورة وجودية لإنقاذ مستقبل الأجيال من الضياع والحروب والانهيار. السلام المستدام لا يأتي عبر اتفاقات شكلية، بل من داخل الشعوب التي تتوحد على المبادئ الكبرى: العدالة، الكرامة، وحرية الأوطان والعالم من حولنا يتغير بسرعة، إما أن نلحق به موحدين، أو نتركه يسير فوق أنقاضها.

 

خاتمة:

العدو لا يفرّق بين عراقي وفلسطيني، ولا بين سني وشيعي، ولا بين عربي وكردي، بل يرى في كل اهل بلادنا خصمًا يستحق التدمير. فهل نبقى أسرى خلافاتنا، أم نرتقي إلى مستوى المرحلة؟ إن وحدة العرب ليست حلمًا، بل ضرورة. ليست رفاهية سياسية، بل واجب تاريخي. فلتتقدم الشعوب، و تستيقظ الضمائر، ولنعِ جميعًا أن التاريخ لا ينتظر المتأخرين.