قبل أيام شاهدت من على شاشة الفضائية العراقية قدوم خبراء أثار بريطانيين للتنقيب في أثار أور في محافظة ذي قار جنوب العراق .
وقبل يومين شاهد ت كذلك من على شاشة الفضائية العراقية بعنوان مقابلة خاصة كانت مع رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي الذي أجاب عن سؤال حول ما يجري في سد الموصل ؟ فأجاب الدكتور حيدر العبادي بأنه تم ألآتفاق مع شركة أيطالية لتقوم بأعمال صيانة بمبلغ يتجاوز “274 ” مليون يورو , تتضمن ضخ حشو ألآسمنت في قواعد السد السفلى والتي لوحظت فيها تحركات بنسب ضيئلة , وبسبب ذلك يخشى على السد من ألآنهيار أذا زادت نسبة التحرك .
والسؤال : لماذا يظل العراق يستعين بالخبرات ألآجنبية بما يشبه ألآستجداء ؟
لاسيما أذا علمنا أن كلا من ألآثار والسدود , هي أثارنا منذ ألآف السنين ونحن معنيون بها , من حيث العمارة , ومن حيث ألآدامة .
وفي تاريخنا العربي ألآسلامي : كان سد مأرب في اليمن من المعالم التاريخية التي تحدث عنها القرأن الكريم , قال تعالى ” لقد كان لسبأ في مسكنهم أية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم وأشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ” -15- سبأ – ” فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيئ من سدر قليل ” -16- سبأ –
وقديما قال الشاعر :
ولا تستهن كيد الضعيف فربما … تموت ألآفاعي من سموم العقارب
كما كان قبلا قد هدم الفأر سد مأرب ؟
وعرب العراق الذين يشكلون الغالبية من سكانه هم من القابل العربية التي هاجرت بعد خراب مملكة سبأ , وكان رئيس القبائل عمرو بن الحارث الذي أستشار العرافة العربية ” طريفة الخير ” فأشارت عليهم بالتوجه الى مكة المكرمة التي كانت تعرف ببيت العرب , وكان يقوم بسدنتها قبيلة جرهم العربية التي تزوج منها النبي أسماعيل أبن النبي أبراهيم عليهما السلام .
وبعد سنة من ألآقامة في مكة المكرمة خيرتهم العرافة ” طريفة الخير ” وقالت لهم : من يريد : كثرة ألآرزاق , والثياب الرقاق , والخيل العتاق , والدم المراق , فعليه بالعراق ؟ ” أخبار مكة في التاريخ –ج1 –ص157- لآبن ألآزرق المتوفي سنة 250 هجرية –
فتوجه الى العراق : ألآبرش وجماعته , الذين أصبحوا هم ألآمتداد للوجود العربي في العراق والذي التحق به دفعات جديدة بعد الفتح ألآسلامي للعراق .
والوجود العربي في العراق هو الذي أصبح وارثا لممتلكات السومريين في جنوب العراق , والبابليين في وسط العراق , وألآشوريين في شمال العراق .
وهذا ألآرث من مستحقات العقل العراقي أعمالا في التنقيب والصيانة للمحافظة على الموروث , وللعراق جامعات وكليات متخصصة في ألآثار أنجبت كثيرا من المختصين بعلم ألآثار وتاريخه فلماذا ونحن في القرن الواحد والعشرين لازلنا نستعين بخبرات بريطانية للتنقيب في أثار أور في محافظة ذي قار , ولماذا أهملنا أثارنا وتركنا ألآمريكيين يقيمون في أثارنا بعد 2003 م ولم نعلم ماذا فعلوا بها ؟
وفي البعد ألآسلامي , ومن خلال قرأننا الكريم وهو دستور السماء لآهل ألآرض, يحدثنا القرأن عن أثار الماضين من ألآمم وأغلبهم في منطقتنا العربية حيث يقول تعالى ” ألم تر كيف فعل ربك بعاد ” – 6 – الفجر – ” أرم ذات العماد ” -7- الفجر – ” التي لم يخلق مثلها في البلاد ” -8- الفجر- ثم يحدثنا عن ثمود فيقول تعالى ” وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ” -9- الفجر – ثم يحدثنا عن فرعون في مصر فيقول تعالى ” وفرعون ذي ألآوتاد ” 10- الفجر – وعن النبي نوح عليه السلام والطوفان وسفينته التي رست على جبل الجودي وظلت أية للعالمين يقول تعالى ” فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها أية للعالمين ” – 15- العنكبوت –
ولاتزال أثار بابل وأطلالها ترقد بجانب مدينة الحلة من شمالها الغربي على الضفة الشرقية لنهر الفرات , ولولا تمثال حمورابي وباب عشتار لانعرف عن بابل شيئا ولانعرف كم سرق من كنوز أثارها من قبل البعثات ألآجنبية , وبقيت مديريات ألآثار عندنا تشكيلات وظيفية أصابها ما أصاب الدوائر الوظيفية في العراق من كسل وترهل أقعدها عن ألآنتاج وألآبداع .
ورغم أن بابل ذكرت في القرأن الكريم في سورة البقرة ألآية “102” في معرض ألآشارة الى السحر , لكن ذلك لم يشحذ همة المشتغلين بشؤون ألآثار وعلومها الى أن يدرسوا البقايا ألآثرية دراسة تعيد لتاريخنا وظيفة صناعة الحاضر والمستقبل كما تفعل ألآمم والشعوب الحريصة على مضمار التقدم , ولم نسأل أنفسنا : لماذا عسكر ألآمريكيون أثناء دخولهم ألآحتلالي الى العراق لماذا عسكروا في أثار ” كيش ” في محافظة بابل , ولما أتخذوا من أثار بابل مقرا لهم ؟
ولماذا يأتي اليابانيون الى المناطق ألآثرية في العراق ويسكنوا في خيم صغيرة في العراء ليكونوا بجانب المواقع ألآثرية التي يريدون دراستها وأستكشافها , بينما لم نر طلبة ألآثار وأساتذتهم في الجامعات العراقية يفعلون ذلك ؟
قال تعالى ” وأتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر , وما أنزل على الملكين ببابل ” هاروت وماروت ” وما يعلمان من أحد حتى يقولا أنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء وزوجه , وماهم بضارين به من أحد ألآ بأذن الله ويتعلمون مايضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن أشتراه ماله في ألآخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ” البقرة – 102 –
أما عن السدود , وكيف أصبحنا نستجدي خبرات الشركات ألآجنبية , ومنها الشركات ألآيطالية كما صرح بذلك رئيس الحكومة العراقية في مقابلة خاصة , ورغم الضائقة المالية التي يمر بها العراق , ألآ أنه كان مضطرا للموافقة على المبلغ الذي أشترطته الشركة ألآيطالية وهو ” 274″ مليون يورو للقيام بأعمال الصيانة لسد الموصل ؟
وهذا يعني أننا لانملك الخبرات الهندسية والجيولوجية القادرة على معرفة أسباب تحرك القواعد السفلية للسد , ولا نملك المؤهلات القادرة على أعمال الصيانة كأنزال الحشوات الكونكريتية الى أسفل قواعد السد ؟
فأين ذهبت أختصاصاتنا الهندسية والجيولوجية ؟ ولماذا لم تسعى الحكومات العراقية المتعاقبة على أنشاء شركات عراقية متخصصة بأعمال السدود , والعراق لكثرة أنهاره فيه بعض السدود , ويحتاج للمزيد من السدود حتى لاتذهب مياهه هدرا الى الخليج دون ألآستفادة منها .
وفي البعد العقائدي الذي ننتمي اليه , يحدثنا القرأن الكريم على أن ” ذي القرنين ” هو أول مهندس للسدود في تاريخ البشرية , وقد سمي بالتوراة بالرجل الجوال ؟
فلماذا لم يكن ذلك حافزا لنا لنكون من المهتمين بالسدود , ومن الحريصين على تخريج المتخصصين في بناء وصيانة السدود , قال تعالى عن ذي القرنين ” ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ” الكهف -83- أنا مكنا له في ألآرض وءاتيناه من كل شيئ سببا ” – الكهف- 84- ” فأتبع سببا ” -85- ” حتى أذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين أما أن تعذب وأما أن تتخذ فيهم حسنا ” 86- ” قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا ” 87- ” وأما من أمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ” 88- ” ثم أتبع سببا ” 89- ” حتى أذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ” 90- ” كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ” 91- ” ثم أتبع سببا “-92- ” حتى أذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لايكادون يفقهون قولا ” -93- ” قالوا ياذا القرنين أن يأجوج ومأجوج مفسدون في ألآرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ” 94- ” قال مامكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ” 95- ” ءاتوني زبر الحديد حتى أذا ساوى بين الصدفين قال أنفخوا حتى أذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا ” -96- ” فما أسطاعوا أن يظهروه وما أستطاعوا له نقبا ” -97- ” قال هذا رحمة من ربي فأذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ” -98- ” .
فالعراقيون ينتمون الى ألآرومة العربية ببعدها التاريخي الممتد الى السومريين والبابلين وألآشوريين , وينتمون الى الفضاء ألآيماني صاحب الشرائع السماوية و المختوم بالرسالة ألآسلامية ذات المضمون الحضاري ألآنساني , فلماذا ننسى كل ذلك , ونتقوقع على عنصريات , وفئويات , وطائفيات جعلتنا ننسلخ من ماضينا التاريخي والعقائدي لنستجدي معونة أخرين ممن لايملكون نضجا عقائدا كما نملك ولا يملكون أرثا حضاريا كما نملك , ولكنهم أجتهدوا وعملوا , ونظموا مجتمعاتهم ودولهم , فأنتجوا علما في الصناعة والزراعة وألآقتصاد وألآمن والتربية والصحة نحن نغبطهم عليها ولا نحسدهم , لآن المؤمن الصحيح يغبط ولا يحسد كما قال رسول الله “ص” , هل عرفتم لماذا يظل العراق يستجدي الخبرات ألآجنبية من أور الى سد الموصل ؟