منْ سوء حظّ هذه الوزارة , ومن سوء حظوظ عدد من الوزراء الذين تعاقبوا عليها , فأنها تكاد تكون الوزارة الوحيدة التي تغيّر اسمها اوجرى التلاعب فيه عبر دمجها او سلخها مع وزارةٍ اخرى ومؤسساتٍ أخرياتٍ ايضاً , ففي البدء ومنذُ نحو نصف قرنٍ من الزمن جرى تسميتها بِ ” وزارة الثقافة والفنون ” ثم تغيّر إسمها الى وزارة الإعلام , ثم تبدّل ذلك الى وزارة الثقافة والإعلام , واُجري الطلاق بينهما لتمسى وزارة الثقافة , الى أن جاءت داعش وحدث التقشّف فجرى دمجها وكأنها ” ضابط دمج ” مع وزارة السياحة والآثار .
وقبلَ الشروع بالحديثِ عن هكذا ثقافةٍ بمعناها العكسي والمضاد , فأشيرُ بإشارةٍ عابرة بأنّ أسم هذه الوزارة المتشكّل من ثلاث مواضيع او تخصصات , فلا توجد سياحة في العراق اصلاً , فأيّ سائحٍ مجنونٍ يأتي الى بلدٍ يعجّ ويضجّ بالمفخخات والعصابات والعبوات .! , أمّا ما يسمى بالسياحة الدينية , فزيارة العتبات المقدسة ومراقدالأئمّة فأنها ليست بسياحة , انّما اقرب الى مراسمٍ وتقاليد وطقوس دينية يمارسوها مواطنو البلد بآلاف الأضعاف من اعداد الزائرين من خارج البلاد , أمّا < الآثار > فكأنها غدت آثاراً لآثار ! بعدما دمّروا منها الأمريكان , وافتقاد الرعاية والعناية الكاملة بتلكم الآثار , وبجانب ما دمرته داعش وكأنّه انتقاماً من التأريخ , ولا توجد دولة في العالم لديها احقاد ونقمة من التأريخ سوى اسرائيل , ومعروفةٌ قصة ” السبي البابلي ” وهي < الحقبة التي تمّ فيها أسر يهود مملكة يهودا القديمة على يد الملك العراقي نبوخذنصّر > .
وزارة الثقافةِ هذه , فكلّما تسددت نحوها نبال النقد في الأوساط الأدبية والثقافية والإعلامية , فأنّها تتمادى بالسير بعكس اتجاه عقارب الساعة , وكانت آخر فعلةٍ لها في سلوكها الثقافي المشين ! هو تغيّبها شبه المطلق في معرض الكتاب الدولي في القاهرة مؤخراً , حيث لم يحتوِ الجناح العراقي اكثر من 15 كتاباً وبعدم وجود موظفين في الجناح العراقي ” المقصوص ” وكان من الأنسب عدم مشاركة العراق ” عبر هذه الوزارة ” بدلاً من الصورة المخزية التي ظهر بها العراق هناك .. وبجانب ذلك وقبله فأنّ الرأي العام طالما استمع الى النقد المكرر بأنعدام التنسيق مع الأتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين وإهمال عموم النشاطات الأدبية والثقافية التي تمارسها المنظمات والأتحادات والبيوتات الثقافية غير الرسمية , كما اظنّه لم يعد لائقاً إعادة الحديث عن وزير هذه الوزارة معالي السيد فرياد رواندزي الذي قطعَ ومنعَ المنحة السنوية الضئيلة للصحفيين والأدباء والفنانين منذ سنواتٍ قليلة , ولم يغير الوزير موقفه من ذلك بعد تحسّن الوضع الأقتصادي وارتفاع اسعار النفط وزيادة كمية تصديره , فضلاً عن الأنتهاء من المعارك مع داعش ومتطلباتها .
منَ المثير للسخرية , وبتعليماتٍ مشددة من مكتب الوزير فأنّ افراد الشرطة في مدخل الوزارة وأثناء قيامهم بالتفتيش الروتيني للموظفين والزوار , فأنهم يفتّشون عن علب السيجائر التي محظورٌ على الموظف إدخالها الى مبنى الوزارة , وهذا غير معمولٌ به في وزارات الدولة الأخرى ! وكان بالأمكان السماح بممارسة التدخين خارج مكاتب الموظفين اوتخصيص غرفٍ او مكانٍ محدد لذلك كما في مطار بغداد ومطارات دول العالم الأخرى او حتى في الهواء الطلق او في باحات الوزارة , إنّ المسألة لا تتعلق بالتدخين ومضارّه الصحية فحسب , بل انها اهانة لكافة موظفي وزارة الثقافة والزوار القادمين من دوائرٍ اخرى , فكان يكفي الإكتفاء بتوزيع عبارة ” ممنوع التدخين في المكاتب ” لكنّه عدم احترام الموظف وانسانيته بالتفتيش عن سجائره من قبل الشرطة ومصادرتها الى نهاية الدوام الرسمي , وماذا يفعل المدخنون المدمنون هناك طوال 7 ساعاتٍ ! هل هو صيام قسري .!. وتبدو سياسة هذه الوزارة في التعامل مع موظفيها وكأنها نظام بوليسي ! ففي بعض الدوائر التابعة لوزارة الثقافة , فقد جرى نصب كاميرات المراقبة في جميع الأقسام وغرف الموظفين والممرات والأروقة , فماذا يميّزها عن السجون والزنازين .! فهل التعامل مع ملاكات الوزارة كما المجرمين .! , هذا ولم تشهد أيّ وزارةٍ في الدولة كما تشهده وزارة الثقافة هذه من فوضى ادارية وتخبّط , فبعض الدوائر التابعة لها تستخدم نظام البصمة في بدء وانتهاء الدوام , والبعض الآخر لم يشهد ذلك , ودوائر اخرى تكون ساعة نهاية الدوام قبل غيرها من الدوائر , بل أنّ ديوان الوزارة ذاته لم يطبّق نظام البصمة .
وزارة الثقافة لها اهميةً خاصة اكثر من سواها في بقية الوزارات , فتضم الصحفيين والأدباء والفنانين بمختلف التخصصات , كما أنّ نسبة حملة الشهادات العليا فيها تفوق النسب الأخرى في وزارات ومؤسسات الدولة , بل أنّ غالبية موظفي وموظفات هذه الوزارة يتمتّعون بسجايا ومزايا الأتيكيت الأجتماعي والثقافة العامة بدرجةٍ اعلى من موظفي الوزارات الأخريات من خلال طبيعة تخصصاتهم وخبراتهم في ميادينٍ شتى , لكنه من المؤسف أنهم لا يتمتعون بالأحترام الكافي من ادارة وزارتهم وادارات الدوائر التابعة لها , وهنالك ازدواجية غير منظمة تعمّ دوائر الوزارة , ولايراد وضع فراملٍ لهذه الفوضى الإدارية . !
وإذ يحزُّ في النفس أن يضحى حال هذه الوزارة بهذه الحال , وإذ ايضاً يبدو وكأنها سيّئة الحظ ولا نستخدم مفردةً غيرها , فقد كان بمقدور هذه الوزارة وبأعلى مستوياتها ودرجاتها , أنْ تمارس دوراً في ” إعلام العراق ” على الصعيد الخارجي , وأنْ تصادر هذا الدور المفقود كليّاً والمنوط بشبكة الإعلام العراقي , لكنّ ذلك لم يحدث , وسوف لا يحدث في المدى المنظور ولربما في المدى المتوسط ايضاً .!
انقر هنا من أجل الرد أو إعادة التوجيه