19 ديسمبر، 2024 3:06 ص

منهجية التخطيط الاستراتيجي التنموي لمحافظة البصرة – مشروع بحث / 3

منهجية التخطيط الاستراتيجي التنموي لمحافظة البصرة – مشروع بحث / 3

البصرة بعد انتخابات  مجالس المحافظات2009  …
حققت القوات المسلحة العراقية نجاحا نسبيا في كبح جماح المليشيات التي سيطرت على الشارع البصري خلال الأعوام السابقة  ، بعد ان كانت مطلقة اليد الى الحد الذي منحت هذه المليشيات لنفسها سلطات قضائية … بل وقامت بجبي الأموال لحسابها  من خلال سيطرتها على بعض المؤسسات الحكومية … لاقى هذا العمل ارتياح كبير جدا لدى البصريين …وساهم بصورة فعالة في ازدياد شعبية الجهة السياسية التي قادت هذه العملية … تم استثماره فيما بعد في الانتخابات المحلية وكانت نتيجته ان تلك الجهة السياسية حصدت 20 مقعدا من 35 وهذا مكنها من السيطرة المطلقة على مجلس المحافظة …فاحتكرت المناصب  الرئيسية ومنها ، المحافظ ونائبه ، رئيس مجلس المحافظة … واتجاه الهيمنة هذا أدى الى تهميش الجهات الفائزة الأخرى … بحجة امتلاك الأغلبية دون اعتبار لمبدأ الشراكة… مما جعل مجلس المحافظة غير مستقر وفي صراع دائم …انعكس ذلك بصورة حادة على انجازات هذا المجلس …
المحافظ الأول بعد 2009 ” محافظ عاهرات باريس “…
سعت الجهة الفائزة بالمطلق في انتخابات 2009 المحلية … الى توزيع المناصب الإدارية العليا المحافظة …وفق مبدأ الأولوية الحزبية دون الاعتبار للقدرة الإدارية والفنية والخبرة الشخصية … وأوصل هذا الى سدة المحافظة …محافظا غير مؤهل إطلاقا …ومحدود في إمكانياته… مؤهلاته فقط مركزه الحزبي وحصوله على الدكتوراه في اللغة العربية وورعه وتقواه الديني “كما يظهر “… وعلى المستوى الشخصي كان يفتقد القدرة على القيادة تماما …كانت الفرصة لتلك الجهة السياسية ان تستغل ارتباطها السياسي برئاسة الوزراء وبعدد من الوزراء منهم وزير التربية والصحة … فتنجز مشروعات ريادية ذات بعد اجتماعي ينتظرها البصريين فتكون بذلك مثالا للمحافظات الأخرى وتكسب شعبية مضاعفة …غير ان مكاسب المناصب أغشتها عن ذلك …وضمن هذا الاتجاه استغل هذا المحافظ صلاحياته الإدارية فعين عدد من المستشارين والموظفين في مواقع حساسة تمت التوصية عليهم من قبل إحدى الشخصيات الدينية والتي كان صوتها نافذ تماما تجاه المحافظ … وهؤلاء المعينين لم تكن كفاءتهم سوى تاريخهم الحزبي او تحت ذريعة علاقتهم او قرابتهم من الشهداء ضحية النظام المقبور …من الطرائف نذكر ” وبمعرفة شخصية ” … ان احدى الشخصيات المعينة … يعمل في إحدى الدول الأجنبية التي كان لاجئا فيها كسائق تكسي … ومن خلال الشخصية الدينية التي ذكرتها …تم تعينه معاونا للمحافظ … الجدير بالذكر ان هذا الأخير بنفس مواصفات المحافظ من الناحية الشخصية وبما يمتلكه من قدرات ففشل فشلا ذريعا في مهمته انعكست على أداء المحافظ حتما …
وبهذا ترهلت المحافظة إداريا بعناصر غير ذات فعالية ولازالت سلبيات هذا الترهل تثقل وتعرقل إي اتجاه للإصلاح الإداري مستقبلا …  وعملية إصلاح هذا الوضع الإداري في المحافظة ستكون حجر الزاوية لنجاح اي إدارة قادمة للمحافظة …فلا يمكن ان تدار المحافظة بكادر إداري ينتمي لجهة سياسية معينة بغالبيته …
جاء المحافظ المذكور بعقلية “تبشريه”…أي ان انتمائه الديني والسياسي صور له بان القدر اختاره  ليكون مبشرا ونذيرا لأهالي البصرة …دون اعتبار لتاريخ البصرة الثقافي والمدني …فاتخذ قرارات منها على سبيل المثال ” منع الغناء وإقامة الحفلات ومنع تبرج النساء في الدوائر الحكومية ومنع تداول المشروبات الروحية ” … لاقى ذلك استهجانا من قبل البصريين الذين كانوا في انتظار انجازات ترتبط بحاجاتهم الحياتية ” الكهرباء…الماء..البطالة …الفقر..”… نذكر أيضا بان إدارات عامة، كالصحة ، والتربية… وغيرهما …أوصلت مدراء عامين من ذات جهة المحافظ السياسية والذين كانوا بنفس مستواه الفكري والإداري …أدى هذا وحتما … الى مايمكن وصفه ” بالتسيب الإداري في المحافظة “… وأطلقت يد كل صاحب موقع إداري … وان كان فاسدا ماليا واداريا … فالحماية موجودة على المستويين الافقي من مجلس المحافظة التي تسيطر عليه جهته السياسية … وعلى المستوى العمودي من الوزارات والحكومة المركزية والتي يحكمها حزبه … شهادة شخصية …إن إحدى الإدارات العامة في البصرة كانت ولازالت مرتعا للفساد وان تقارير الفساد التي وصلت عنها للوزارة تزكم الأنوف … لكن لان مديرها العام يرتبط سياسيا بالمفتش العام لتلك الوزارة” افتضح أخيرا بفساده المالي والإداري ” … فأسبغ الأخير حماية مطلقة للتغطية على فساد المدير العام …هذا نموذج واحد فقط.
لابد من الإشارة بأن التكتل السياسي الذي هيمن على مجلس المحافظة ، وبسبب صراع المصالح  والتكالب على المكاسب ، شهد استقطاب وشللية من داخل  الكتلة نفسها … مما فاقم من تردي الوضع العام في المحافظة من جهة اتخاذ القرارات .
بدد هذا التراخي والتسيب الإداري واللهاث على المنصب وما يتبعها من مكاسب آمال البصريين  بعد ان كانوا يمنون أنفسهم بانجازات تتحقق نتيجة الاستقرار الأمني  النسبي … وبتحريك من القوى السياسية التي همشت داخل مجلس المحافظة …اندلعت تظاهرات حاشدة من انضم إليها الموتورين من العاطلين عن العمل ومن الذين لم يتحقق لهم اي مكاسب حياتية بدء من السقوط …وأيضا ممن يعانون من تدني وضعهم المعاشي ومن الفقر … بل  ونذكر أيضا إن تلك الجهة السياسية وضمن دعايتها الانتخابية كانت قد نشرت خبرا بانها حال وصولها لمجلس المحافظة ستقوم بتمليك الأراضي للمتجاوزين عليها ممن  يطلق عليهم “الحواسم” وهو ما لم يتحقق … فانضم هؤلاء للتظاهرات بيسر … اتخذ انقطاع التيار الكهربائي كحجة لانطلاق هذه التظاهرات …وأدى الإرباك الذي ساد المحافظ ومجلس المحافظة الى استخدام الرصاص الحي في تخويف المتظاهرين …ووقوع شهداء … فسادت الفوضى وعدم الاستقرار في المحافظة … اندفع حينها المحافظ … بخطاب اثأر دهشة واستهجان كل من استمع اليه بقوله ” ان عاهرات باريس  اشرف من المتظاهرين “…حيث تلقى المحافظ من فوره ردود فعل ساخطة هددته شخصيا من قبل من كان حاضرا، بتزعم عددا من رجال الدين … وعندها لم يبقى سبيلا لتهدئة الامور وامتصاص غضب المتظاهرين …غير حل واحد وهو تقديم المحافظ استقالته لحفظ ماء وجهه … بدلا من أن يقال من رفاقه أعضاء مجلس المحافظة …جاء هذا بعد سنتين من استلامه للمنصب … والسؤال الذي يجب الإجابة عليه ان من متطلبات المتظاهرين … استقالة مجلس المحافظة أيضا لالتزامه الصمت سنتين على سوء الادارة التي وصلت إليها المحافظة باعتبار المسئولية تضامنية … لكن تلك الجهة اختارت التضحية بالمحافظ فقط …
للطرافة فقط … لازالت أتسائل ما العلاقة بين عاهرات باريس … وهن في باريس  وبين تظاهرات البصرة … من يدري لابد ان يكون للمحافظ المقال سببا لم نسمعه منه لغاية يومنا هذا …

أحدث المقالات

أحدث المقالات