بما أن المنظمات والهيئات العربية والإسلامية، كمنظمة التعاون الإسلامي (تأسست 1969)، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (1972)، وجامعة الدول العربية (1945).. وغيرها، قد أنشئت وتشكلت من أجل الشعوب والدول الإسلامية والعربية وتحقيق مصالحها وأهدافها الحيوية، فإن من حقنا أن نتساءل ماذا قدمت هذه المنظمات والجمعيات لتلك الشعوب والدول بعد سنوات طويلة من تأسيسها، وما هي إنجازاتها العظيمة على الصعيد السياسي والثقافي والاقتصادي، وهل كانت على مستوى المسؤولية التاريخية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والأحداث المتلاحقة التي عصفت وتعصف بالمنطقة؟! أم فشلت في أداء مهامها وعجزت عن مواكبة التطورات..
الواقع المزري الذي يعيشه العالم الإسلامي والعربي اليوم، وحاله الذي لا يبشر بأي خير، يقولان إن هذه المنظمات والهيئات الإسلامية والعربية، التي تصرف عليها ملايين الدولارات سنويا، لم تفعل شيئا يذكر، ولم تحقق الآمال والغايات التي أنشئت من أجلها، وهي خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
ماذا قدمت هيئة سياسية كـ«الجامعة العربية» للأمة العربية مثلا؟! سوى القيام ببعض المهام التربوية والثقافية المحدودة، ومحاولة جمع ملوك وأمراء ورؤساء العرب في مكان واحد كل سنة كعادة بروتوكولية دارجة، ولكنها لم تستطع أبدا أن توحدهم على كلمة واحدة موحدة في قضية مهمة من قضايا الأمة، ولم تنجح أبدا في نزع فتيل الحروب والصراعات التي نشبت بالمنطقة منذ تأسيسها، وعلى سبيل المثال لا الحصر (غزو مصر عبدالناصر لليمن عام 1962، وغزو صدام للكويت 1990 وغزو إسرائيل للبنان 1982).. هذا عن دور الجامعة العربية، أما بالنسبة لمنظمة «التعاون الإسلامي» التي تجمع في طياتها أكثر من 57 دولة إسلامية، فإن مصيبتها أدهى وأمر، أولا؛ لأنها منظمة عالمية ذات عضوية دائمة في الأمم المتحدة، ثانيا؛ لأنها تمثل أكثر من مليار ونصف مليار مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، المفروض أنها تعمل لصالحهم وتدافع عن قضاياهم وتستغل ثقلها الدولي من أجل المحافظة على مصالح المسلمين في أنحاء المعمورة، ولكنها عجزت عن فعل ذلك وأخفقت في عملها، حالها كحال الجامعة العربية وجدت لكي تملأ مكانا ما في الصورة «يعني ديكور!».
وعلى الرغم من كل هذه اللجان والمؤسسات ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية الكثيرة التي انبثقت منها، فإنها ظلت عاجزة عن فعل شيء ملموس على أرض الواقع، دائما تحاول أن تنأى بنفسها عن مشاكل المسلمين، وتتغيب في أوقات الشدة، ولم نجد لها أي دور سياسي أو إنساني أو إسلامي مشرف في النزاعات والمشاكل التي يخوضها المسلمون فيما بينهم، أو تلك التي يتعرضون لها من قبل غير المسلمين، كالتطهير العرقي الذي تعرض له شعب «روهينجا» المسلم على يد البوذيين في «ميانمار»، والقصف الكيمياوي الذي تعرض له الكرد في مدينة «حلبجة» على يد القوات العراقية (1988)، والقتل المنظم الذي يواجهه الشعب السوري على يد أشرس حاكم عرفه التاريخ، لا شيء غير إسداء بعض النصائح الفارغة «للطرفين المتحاربين!!» بضرورة نبذ العنف والجلوس إلى طاولة الحوار!!،
وما زالت تقف موقفا متفرجا على ما يجري في العراق من حروب طائفية وقتل وحرق وغزو إرهابي لمدنه على يد تنظيم «داعش»، وكذلك ما يجري في اليمن من انقلاب واحتلال من قبل ميليشيا «الحوثي».. هذه الفواجع والتصدعات التي أصابت المجتمعات العربية لم تعن لها شيئا ولم تحرك فيها ساكنا، وبعد أن عجزت عن تقديم شيء لجأت إلى الصمت والانزواء كعادتها ريثما تنتهي المشكلة.. بخلاف الجمعيات والمنظمات الغربية وفي مقدمتها «الاتحاد الأوروبي» (1957)، الذي قدم إنجازات كبيرة وكثيرة للدول الأوروبية، بدءا بإنشاء سوق داخلية مشتركة وصياغة دستور موحد، ومرورا بتوحيد العملة بين دوله الأعضاء، وإلغاء الحدود وإقرار موازنة موحدة، والتعاون الأمني لمحاربة الجريمة، وانتهاء بإقامة مشاريع استثمارية عملاقة في العالم درت على الدول الأوروبية أموالا طائلة..
على الدول العربية بشكل خاص أن تأخذ موقفا مسؤولا إزاء هذه المنظمات والهيئات وتمتنع عن تمويلها إلى أن تجري إصلاحات شاملة وجذرية في هياكلها الأساسية وترتفع إلى مستوى المسؤولية..