تشكلت منظمات وجمعيات مدنية باعداد غفيرة بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي كان يحرم انشاء مثل هذه التجمعات التي باتت جزءا من الانظمة الديمقراطية وملازمة لها ، الا ما كان يدور في فلك الحزب الحاكم وبموافقة الاجهزة الامنية القمعية وتحت رقابتها في اغلب الاحيان تفرض بعض المنتسبين ان يكونوا اعضاء نافذين في هيئاتها الادارية .
بعد الاطاحة فتح الباب على مصراعيه لمن يريد ان يعمل في هذه المنظمات وفورة التأسيس تجاوزت اعدادها الالاف قبل ان يشرع قانون المنظمات المدنية ، وشهد المجال الجماهيري حراكا لم يكن مسبوقا من العمل الطوعي المثمر والبناء وصار يحسب حسابها في صناعة القرار وتطبيقه ، بل واصبحت عين للرقابة وتبصير صناع القرار بمواضع الخلل الذي يلازم اداء الحكومة والدولة ، طبعا لم يخلو الامر من استغلال بعض الطارئين لهذا المجال ، لاسيما ان كانت المنظمات الدولية في البداية تغدق المساعدات مع تنفيذ المشاريع ، او انها تتعامل مع هذه المنظمات لتكون الاداة المحلية لنشاطها ، ومن هنا اساء البعض الى هذا العمل النبيل وهو واقع موجود حتى في الدول المتقدمة والتي حققت شوطا مهما في هذا المجال وباتت لديها خبرة واسعة وتجربة مهمة لتمكين الشعوب من تنمية قدراتها وطاقاتها في مختلف الصعد.
هذه المنظمات الان تراجع دور بعضها وتقوقعت على نفسها خصوصا التي فشلت في ان تكون شفافة ونزيهة وانحسرت عضويتها وكاد نشاطها يتوقف تماما او ان ذلك حدث فعلا.
ولكن ما تزال اعداد من هذه المنظمات التي استطاعت ان تعتمد على نفسها وعلى الموارد المحلية ان تؤدي وظائفها وتسعى جاهدة لتحقيق اهدافها وتتقدم باضطرار ، فضلا عن ان الحكومة والقوى والاحزاب تستنجد ببعضها للمشاركة في تنفيذ البرامج لمرونتها وارتفاع مستوى نسبة الانجاز لديها ، وهي الاسرع في المبادرة والتقاط القضايا والتحرك عليها لانها متحررة من القيود والروتين الذي يكبل التنظيمات الاخرى .
نلحظ ان هذه المنظمات تتواجد اين يتواجد الناس ، وان تكون الحاجة اليها ، ولا تخشى المضايقات ولا تلتفت الى محاولات ثنيها عن خدمة الفئات الاجتماعية التي تمثل ، وانما بالعكس تحررها من الايديولوجيات والمواقف المسبقة يجعلها تستجيب لأي مقترح بناء وفيه مصلحة عامة وتحاول التعامل معه واقناع المسؤولين بجدواه.
والمتابع الى اماكن التجمعات يلمس ان الحراك الاجتماعي متنوع ويشمل فئات مختلفة ويلج قضايا مهنية تهم المواطنين وفي صلب مطالبهم ، ولا يقتصر النشاط على القضايا الفئوية المحدودة ، وانما يتخطاها الى المسائل العامة الوطنية في تحسس واستشعار قد تفقده الكثير من الاحزاب السياسية ذات الخبرة والتجربة والنفوذ الواسع.
ومن المفارقات بينها وبين القوى ذات التنظيم الحديدي او الاشكال الجامدة منه انها تستقطب الى فعالياتها ناس من كلا الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية ، بل ان الشباب يجد نفسه ويشبع تطلعاته في العمل العام من خلالها .. واذا ما نظرنا من حيث الكم والحجم نراها اكثر حيوية من التنظيمات الحزبية والاحصاءات تؤشر ذلك ، وتدلل على قراءة صحيحة لما يشغل الناس ، واصبحت لا تستثنى من الدعوات في الفعاليات المشتركة وينسق معها .
ويتوقع المختصون ان حركة ودور هذه المنظمات سيتسع في المستقبل وينتظم عملها بشكل اكبر وتكون ضمن معادلات صنع القرار وتطويره ودراسته والتأثير في الرأي العام وانحيازه الى هذه الوجهة او تلك .