3 نوفمبر، 2024 12:22 ص
Search
Close this search box.

منطق الالتفاف

منطق الالتفاف

اجاب (كانت) عن سؤال (ما الانوار؟) بمقالة طويلة هذا مقطع منه..
“انها خروج الانسان عن حالة قصوره ،ذلك القصور الذي يكون الانسان ذاته مسؤولا عنه،ونا اعني بالقصور عجز الانسان عن استخدام فهمه دون توجيه الاخرين ،كما اقول بأن الانسان ذاته هو المسؤول عن ذلك القصور لان السبب فيه لايعود الى عيب في الفهم ،ونما يرجع الى غياب القدرة على اتخاذ الموقف والشجاعة في استخدام الفهم دون قيادة الاخرين..ان شعار الانوار يتلخص في هذه العبارة : اجرؤ على استخدام فهمك الخاص.”

سالتني ذات يوم ابنة اخي ،اين االله؟
اخذني الشك والحيرة داهمتني ساعتها،لا اعرف كيف اجيب تلك الطفلة المتسائلة عن شيء راودها انذاك..وبدا امرا غاية في الاهمية ؟
الامر الذي دفعني ان اتهرب وبلباقه قلقة،اجبت انه خالق كل شيء،انه مثا ابيك يا عم!..استخدمت منطق قياس الغائب على الشاهد .لانه يسهل لي ولها الية الحوار والفهم السريع.
من هنا تسائلت حينها،عن بؤرة او اصل الصراع بين قطبي العقل ،جانب يريد مني ان اكون حرا واستخدم معه امكانياتي الذاتية في التفكير وبكل طلاقة،واخر يقيدني بمنطق الالتفاف اسميه هكذا؟..
وراحت تساؤلاتي تؤرقني ،ما الذي يميزني عن الكائن الخرافي او من يردد حكايات العفاريت والجن والطلاسم التي تركها لنا العقل الجمعي على مر التاريخ البشري.. وما العقل الخرافي وكيف يواجه مشكلاته اليومية ؟ما طبيعة هذا المنطق وما الذي يميزنا (نحن) عنه ،هل ارتبط به ولكني العقلاني لا الخرافي لا الوذ به او وراءمخياله الرائع في انتاج القصص والسير ..وما العقل والوهم والخرافات، وهل بالامكان ان نخلص العقل من وهمه؟؟ هل العقل اضحى وهما؟..
بدأت الاسئلة تنهار علي كمطر العراق المتقطع ،وكانها محبوسة في ذات متحجرة تنشد الاستمرار، علها تجد من يطلقها من سباتها الخرافي، وتسائلت عن جدوى كل تلك الحيرة والعراق؟؟.
كيف نصف المنطق السائد في المجتمع والاسرة والاعلام والخطاب السياسي ،وثقافتنا ووزارتها، واعرافنا واليات سلوكنا البيروقراطي لعملنا الوظيفي ..
من يتحكم بالشارع،الاحزاب..،منطق حكومتنا السياسي ،خطابنا اليومي وازماتنا،العقد الدينية وامراضها التي نخرت حتى الطفولة البريئة..ما الذي نجده في المدرسة والجامعة وانظمة التربية وتعليمها.. من يتحكم بنا ..؟ما العلاقة بين الخرافة والعراق ثقافة وسلوكا ودينا،لاسيما في طبعته الجديدة؟!.
العقل الخرافي يواجه مشكلاته، بالتوسل باليات، يعتقد انها موصلة الى موانئ اليقين والطمانينة..ومن هنا برزت ثقافة الابراج وهيبة الاسحار المريعة.والشعوذات والتعويذات وطلاسم الحروف ومخابئ اللغة المرعبة.
اضف الى ذلك انها تفكر بربط النتيجة بلا سبب اوالمعلولات بلا عللها..لذا في هذه المجتمعات يموت الجمال وتندرس قوة الخيال الرائع ويسود الرعب المخرف/ المخرب..
وتحضر سلسلة اللاترابط بين الاحداث ،وتغيب فيه ومعه التفسيرات المعقولة نسبيا.ولذلك يظهر علينا وحش منطق الالتفاف الذي تحرسه الخرافة وتباركه.العقل المخرف ينتج لنا منطق ملتف حول ذاته؟
وجدير بالاشارة ان هذا الالتفاف ومنطقه،قد يشكلان بنية اساسية نفسية اجتماعية،للمجتمعات المدنية ايضا،والتي بدت تتماهى بالمجتمعات اللامدنية.
فالحداثة ومعاولها اتحدت مع الخرافة واليات التفافها..الحداثة بكل نسخها الادبية التفت على عقلها النقدي، عندما صرحت بان الانسان مركز الكون،مركز للوهم المنتج !والمحقق للتصالح بين الاثنين العقل الحديث والعقل المخرف..
يا له من امر كارثي عندما تتحد المتضادات ويتحالفان معا للقضاء علينا..نحن عشاق الانسان المحتضر وليس المنتظر!..ولهذا المنطق ،وسائله..والتي تتجلى عبر طرق شتى، منها العجز والخمول وضعف الارادة وفقدان القدرة وهناك التشويش والادلجة المقصودة للوعي ،اي منطق الالتفاف يتمظهر سلوكا ووعيا. بل انه بفضل اعوانه يكون ايديولوجيا مفروضة بلطف لا بعنف..والاخطر عندما يقنع اتباعه بأنه ميتافزيقا حقة.. انه منطق يسود حياتنا ووعينا..
والامثلة كثيرة على هذا المنطق واتباعه ،لاسيما ونحن نعيش ثورة (الاصلاح ) وابواق الاعلام التي صدعت ادمغتنا بالقضاء على الفساد..من اجل ذلك ومن قبل الثورة اللاثورية كونا لجنة (النزاهة) والاخيرة ولدت فسادا وحلولها مرتبطة بلجان (نزيهة)ملتفة على الفساد! لا لكي تحاصره بل لكي تطلقه من عقاله..وهو امر يدركه الاعمى،فكل ما نتوافر عليه من مؤسسات ينخرها فساد باطش تحرسه كلاب مدربة على حفظ المال المسروق!.
منطقنا الالتفافي ساد كل شيء.. الجامعات التفت على التعليم والمدارس التفت على التربية والجوامع التفت على الايمان والساسة ليسوا الا انبياء الالتفاف… ولكي لا اتهم باني من اتباع (هيجل) هناك من لا يقبل الالتفاف وهم فعلا المغتربون.. في عصر الالتفاف الجميل.
ويلاحظ مدى الاختلاط بين التشويش الايديولوجي وضعف الادارة في مؤسساتنا (الحكيمة) ويتحالف الكل مع الكل، في محاربة التجديد ومنطق المواجهة والتنوير.الامر الذي يشمل اغلب ما نعرفه من هذه المؤسسات وما لانعرفه،سواء ثقافية او دينية او اقتصادية او شعبية او حزبية ..
لقد اصبح الالتفاف شموليا لا يغادر صغيرة او كبيرة الا والتف حولها او التفت حوله.والانظمة ترحب بالالتفاف لانه امر مريح لا يولد الازعاج لذوي الياقات اي كان لونها! لان ما اسهل الحال عندما تلتف حول نفسك وتحصنها من كل شياطين الاسئلة المحرجة الذين يعيشون على الغياب الذي يسببه حضور الالتفاف!.
انه يتحكم بكل شيء ،جزئيات السلوك اليومي ،وعلى مدار الساعة في عقولنا وسياق تفكيرنا والتي تجعل كل واحد منا لا يرغب بالمواجهة والانكفاء والاستسلام للواقع الملتف ،الذي لا يتيح لنفسه الاسترخاء ومواجهة عوائقه ومشكلاته المتولدة من عنفه الممارس على الافراد.وتبقى ابعاد الكبت منتظرة من يحررها من التغييب الممنهج .ان ثقافتنا ثقافة تعشق الالتفاف نحو تابوهاتها المركزية وهي ما لايمكن الخروج منها او عليها.ان عقلية الالتفاف السياسي المؤدلج تنشئ منطقا كسيحا لا ينأى بنفسه بعيدا عن ايديولوجيا العقل المخرف المدجج بأحاديث العجز والخمول والتفسير السلفي للاحداث تاريخا وفكرا وواقعا..والمحافظة بدلا من ذلك على دكاكين تبرير الشرعية والابواق الاعلامية المساندة لفك الادلجة الالتفافية .
وقديما قال نيتشه: من بين كل ما هو مكتوب لا احب غير ذلك الذي يكتبه امرؤ بدمه،اكتب بالدم وستكتشف ان الدم عقل.

أحدث المقالات