سبق أن كتبت في مقال أن روسيا أريد لها أن تكون دولة وظيفية كمخزن لمخلفات وبقايا الاتحاد السوفيتي، واطمأن الغرب في مجمل سياسة روسيا الداخلية التي كانت تصفي آثار الحزب ومؤسسات الدولة بكل الوسائل، لكن روسيا أخذت تستعيد قدراتها ليس اعتمادا على إحياء الاتحاد السوفيتي وإنما إلى روسيا القيصرية، وهو ما يدركه الغرب الآن.
مسارات محتملة:
هنالك مسارات متعددة لهذه الحرب التي كشفت بعد هذه المدة القدرات الحقيقية أمام الطموح لكل المعنيين بها، لكن الخيارات في اتجاهات ثلاث استراتيجيا تحوي مسارات متعددة ظرفياً.
الأول: أن تتوقف روسيا عند هذا الحد وتدفع أوكرانيا إلى القبول بالأمر الواقع شرق الدنيبر مع جعلها المتبقي من أوكرانيا منطقة فاصلة بين الأطلسي وروسيا ويكون موقف روسيا مرضي ومبرر باستعادة جزء من الأرض الروسية قبل الاتحاد السوفيتي وأمنت محيطها جهة الغرب ومنفذا بحريا فاعلا جدا على البحر الأسود، لكن هذا المسار قد لا يروق لمن وجد في الحرب فرصة لتصفير مشاكله، والتقدم لإحاطة الصين، وربما يكون الامر محبط لروسيا قد يفقدها الكثير؛ منها عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وربما تجريدها من الخزين النووي، بالملخص فقرار الحرب كان قرارا روسيا لكن إيقافها ليس كذلك فقد فتحت ملفات لخطط وجرى تفعيلها؛ ما لم تلتقي مصالح الغرب ككل حول هذه النقطة، أو تدعم روسيا علنا من كوريا الشمالية والصين باي قرار.
الثاني: إن الغرب والولايات المتحدة أدركوا أن سياسة منح الميزات تعني استجابة للضغوط الاقتصادية وهذا يزيد من تكثيف روسيا لها عندما تجد الأمر ملائما لها، وسواء كان الأمر حقيقيا أم غير ذلك فان هذه الاستجابة موجودة حاليا بالإيحاء بتأثير النفط والغاز الروسي على أوربا، إضافة لفسح مجال ما يبدو تمردا من بعض الشركات كتوتال ذات المصالح والنفوذ والفاعلية، لكن هذا لن يجدي، بقي احتمال مدى تأثر الصين لإنتاج قرار بالوقوف مباشرة مع روسيا وهذا غالبا بعيد الاحتمال، أما كوريا الشمالية فخطرها بوجود رئيسها الحالي وغالبا لا يترك الطغاة بدائل لهم كفئ فتذهب بلادهم إلى التبعية بعدهم.
الثالث: الاحتواء عل مسار الحرب الباردة: وهو مسار خطر متخلف لان الظرف تغير والزمن والسلاح والحساسيات، فهي ليست سيرا على حافة الهاوية وإنما ركوب قارب بلا مجاذيف متجه بتيار شلال عميق فكرة ساذجة تقليدية يطرحها البعض رغم احتمال استجابة روسيا في البداية كحالة تقليدية.
السؤال المهم أين منطقتنا في الخارطة الجيوسياسية:
عمليا منطقنا لا تمثل حالة فاعلة لأطراف الصراع، اللهم إلا إذا اتخذت الأرض من ناحية استراتيجية، فقد اعتادت القوى أن موافقة المنطقة على ما يحتاجه الظرف العالمي هو تحصيل حاصل وان بدى أن هنالك توجه نحو تغيير في المسار المعهود عند بعض القادة الشباب بيد انه ليس واضحا للجمهور هل هو تغيير أو تأكيد على أهمية جيوسياسية أو تغيير في السياسة النفطية التي تبدو هي المحرك الأساس وعنصر مهم لأي مقترح تعديل في مكانة ورفع أهمية المنطقة الاقتصادية والجيوسياسية أيضا.
ما لمطلوب اليوم:
المطلوب من دول المنطقة أن تصفر مشاكلها وهو امر ممكن ومن ضرورات مصلحتها وتشكل نوعا، من منظومة تعاون سياسية اقتصادية دفاعية، وان تضع لها بصمة في خضم هذا الانتقال القادم بعد الرجة التي بدأت بوادرها، مبتعدة عن استقبال إرهاصات سلبية والبقاء كمنطقة تفريغ الشحنات السالبة التي تتجمع لدى القوى العظمى وهي ما نبرزه برؤوس أقلام ممكن تطويرها، وليس من قصور عند أحد إن كان هنالك عزم على توجيه القرارات نحو الصواب
الزمان: القيام أمس وليس غدا بإنهاء المشاكل البينية وتصفيرها
المكان: العمل على تشكيل منظومة دفاعية اقتصادية وتفعيل الاتفاقات العسكرية السابقة.
الأشياء: وهنا الثروة وآليات الاقتصاد؛ نبدأ بتحرير الاقتصاد من سلطة عملات الغرب التي تقيم بها العملة المحلية بإنشاء عملة نفط الموحدة والتي قوتها من الثروات الطبيعية المحلية وعليها تقيم العملات الفرعية، ويتم بها التبادل التجاري والعالم سواء بالنفط أو غيره وفي هذا كتب مقالان سابقان في الموضوع.
ضرورة تكاتف دول المنطقة للتكامل الاقتصادي زراعة، صناعة، موارد طبيعية معادن وموارد مائية وبشرية وبخطط مدروسة وليس تصدير مشاكل بعضها لبعضها بطرق عشوائية.
بيد إن الأمر يحتاج إلى فلسفة واسعة تنمو وممكن أن يسهل تنفيذها إن جرى ما ذكرنا أعلاه، لكن طرحها بلا ما ذكرنا سيعد طلاسم أو ضربا من خيال وجل ما يمكن أن تفعله دول المنطقة في وضعها الراهن إما أن تنكفئ عاجزة منتظرة النتائج أو تتخذ الدول الفاعلة دورا وظيفيا كوسيط كي يكون لها موضع في عملية إعادة التموضع بهذا الاهتزاز العالمي.