23 ديسمبر، 2024 6:48 ص

منصة رديئة للأخبار

منصة رديئة للأخبار

فيسبوك الأكثر أهمية بالنسبة للملايين من المستخدمين يقدم بكل بساطة أخبارا لإرضاء أهواء المستخدمين أنفسهم، لاغيا القاعدة الصحافية التي تقول ‘الأخبار السيئة هي أخبار جيدة’.

لماذا فيسبوك منصة رديئة للأخبار؟ لأن ببساطة خبر التقاء آية الله علي خامنئي بالشيخ يوسف القرضاوي من أجل إشاعة السلام في المنطقة، هو الأكثر نجاحا عندما ينشره أحدهم!

سيكون هذا الخبر أكثر تداولا من أي أخبار حقيقية أخرى عن الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الطائفية وأحزاب الإسلام السياسي التي تمثل خطاب رجلي الدين المجتمعين من أجل إشاعة السلام!

خبر ملفق كهذا ينجح أكثر من أي خبر آخر حقيقي عند نشره على المنصة الاجتماعية ويتم تداوله باهتمام فائق، لأن هدف مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ، الذي أعلن قبل ثلاثة أعوام، عن “بناء الصحيفة الشخصية المثالية لكل شخص في العالم” نتج عنه ما يسمى اليوم “ما بعد الحقيقة”. في الواقع هو اسم منمق للأخبار الزائفة بوصفها حقائق.

الأمر المثير للقلق هو أن فيسبوك الأكثر أهمية بالنسبة للملايين من المستخدمين يقدم بكل بساطة أخبارا لإرضاء أهواء المستخدمين أنفسهم، لاغيا القاعدة الصحافية التي تقول “الأخبار السيئة هي أخبار جيدة”.

ثمة سؤال عن مجهر التحرّي! هل يمتلك المستخدمون برمتهم مثل هذا المجهر الشخصي المرتبط بالحاسة والوعي والمعرفة والتحليل والافتراض والتدقيق؟

ليس بمقدورنا التشكيك في وعي القراء، لكن عندما نرى أخبارا مفبركة وساذجة تمر على هيئات تحرير صحف كبرى وتنشر على أنها حقائق، يبدو الأمر بحاجة إلى تمهل عندما يتعلق بمستخدمين على مواقع التواصل.

بعض الصحافيين يجازف بنشر كل ما يصله، من دون تحر وفحص عميق، فكيف بمئات الملايين من المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي الشغوفين، وكيف لمثلهم من يريدون نشر ما يحقق رغبتهم من أخبار تُنكل بالآخرين أو تفترض انتصارات وهمية من أجل الإثارة واستقطاب الناس.

الخبر الذي افترضتهُ بلقاء خامنئي والقرضاوي، سيجد له معادلا زائفا آخر مثيرا للاهتمام، مثل خبر البابا فرنسيس يؤيد دونالد ترامب، الذي كان الخبر الوحيد الأكثر نجاحا في أخبار فيسبوك خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الانتخابات الأميركية.

“الأخبار المزيفة” هي عبارة تعرضت للتقليل من قيمتها، وفق تعريف نشرته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، التعريف المفيد هو أن الأخبار المزيفة هي تقرير مفبرك يقدم نفسه على أنه موضوع إخباري. هذا يستثني الإبلاغ المتحيز، والسخرية، والأكاذيب التي يدلي بها السياسيون ورجال الدين.

للوهلة الأولى، تبدو مثل هذه الأخبار منتشرة في كل مكان على فيسبوك.

لن يكون بعدها ثمة أفق تحليلي أو توقعي بغير أن تكون لكل مستخدم حاجة ضرورية إلى مجهر حسي افتراضي لفحص الأخبار، لا يمكن أن يوفر فيسبوك مثل هذا المجهر للمستخدمين في كل الأحوال، بل المعرفة من توفر هذا المجهر للجمهور.

ولن يكون بعدها أيضا بوسع زوكربيرغ أن يُعبّر عن المزيد من الاعتقاد عن الفكرة التي مفادها أن الأخبار المزيفة على موقع فيسبوك تشكل جزءا صغيرا جدا من المحتوى.

يتجاهل الكاتب تيم هارفورد فكرة فحص الأخبار من قبل المستخدمين ويعبر عن “احتقاره لفيسبوك”! معترفا بأن أسباب تحيزه ضد هذا الموقع هي نفس الأسباب التي عادة ما يحتقر الناس بسببها فيسبوك: الخصوصية، وقوة السوق، والتشويش، والتفاعلات بالابتسامات الوهمية، وبقية الأمور الأخرى.

فالأخبار المزيفة يمكن أن تشعل حوادث منفصلة من العنف والكراهية وفق هارفورد، لكن لا الأخبار المزيفة ولا “فقاعة التصفية” المدفوعة لوغاريتميا تعد قوة رئيسية في المشهد الإعلامي الكلي.

سبق أن افترض الكاتب جون ثورنهيل أننا نعيش “فقاعات الفلترة” لأن التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي دمّرتا الحقيقة، وكتب في صحيفة فايننشيال تايمز “نحن نعيش في عالم ما بعد الحقيقة، حيث بإمكاننا تجاهل الحقائق التي لا تُعجبنا والاستفادة من أي سرد شخصي نرغب فيه”.

تويتر وفيسبوك تعريف لما يحدث الآن في العالم، لكنه ليس مثاليا، لأنهما متاحان كي تختلط فيهما الأصوات والآراء، كل واحد منا يقول كلمته ويمضي، إنهما خطوة إلى الأمام لا يمكن التراجع عنها وفق الكاتبة كايتلين موران.

سبق أن قال زوكربيرغ الذي يدير أكبر جمهورية افتراضية على مدار التاريخ يعيش في أروقتها الرقمية أكثر من مليار شخص، أسوة بكل السياسيين المغرورين بالعظمة “لا بد من تدمير قرطاج”، استعان زوكربيرغ بمعارك التاريخ بوصفها الأكثر تعبيرية وهو يتحدث عن غوغل المحرك العملاق الذي أثار حفيظته، على الرغم من أنه كمحرك بحث لم يشكل خطرا على فيسبوك كموقع للتواصل الاجتماعي.

إذا ارتقت المثالية إلى سلوك البشر “من لا يطمح إلى ذلك؟” فالتاريخ الذي يكتبه مستخدمو فيسبوك اليوم، يحرض على تدمير نفسه بنفسه وليس تدمير العدو قرطاج، ولن يكون بعدها الاحتقار الذي عبر عنه كاتب على درجة من الأهمية مثل تيم هارفورد لفيسبوك، مجرد تعبير فظ من صحافي، بل رغبة جماعية للرفض لمنع خطر يمس الجميع، وليس الصحافة وحدها.

مدونة القيم الإنسانية بحاجة إلى تجديد صارم لتأخذ بنظر الاعتبار ما يدونه الناس على منصاتهم الرقمية التي أراد لها مؤسس فيسبوك أن تكون الصحيفة الشخصية المثالية لكل شخص في العالم، لكنها في حقيقة الأمر لم تكن كذلك، بل عبرت أكثر عن الضغائن التي تسكن البشر، كانت في مجملها صحيفة شخصية مثالية للكراهية.

نقلا عن العرب