“لسنا على الأعقاب تدمى.. كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدمى”.
البعثيون جبلوا على غير هذا المنطق؛ فهم ذوو أعقاب ترضى الهزيمة المكلومة، يهربون جرحى، ويعودون بعد تعافٍ بتنازلات للقوي وإستئساد على الضعيف ، وحيل مخزية لا يخجلون منها.
أثبت تاريخ تجربة العراقيين، مع البعثية، أنهم نزغ شيطاني، يتمظهر بأشكل يأباها المحترمون؛ لذا أجدني أقف متأملا التحفظ الذي أبداه نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي.. أمين عام حزب “الدعوة” خلال كلمته في مؤتمر قبيلة “إعنزة” بشأن عدم السماح بعودة البعثية الى الحكم.
فهؤلاء مثل جلد الأفعى تنزعه وتتقمص بديلا، يتماشى مع متطلبات المحيط، كلما تغيرت من حولها معالم المكان، إذ قال فيهم.. او بأشباههم.. الشاعر د. محمد مهدي البصير:
“يا شعب هاك من الرجال نماذجا..
يتلونون تلون الحرباء”.
والرجل المتلون لا كلمة له، وسوى الكلمة، لا يوجد رسن يلجم الرجال؛ فيسوقهم للحق.. يفيئون من خطأ ويصحون من حلم يقظة أخذهم الى مهاوي الزلل.. لكن البعثية يقوم وجودهم على الزلل ويتغذى بدن حزبهم من نسغ الغلط!
إنهم نهازو فرص لا يتورعون عن كسب الود ريثما يتمكنون فيجهزون على من أحسن اليهم، ولنا موعظة في ما جروه على عموم العراقيين، من عهد نكثوه مع الزعيم عبد الكريم قاسم وتصرفات هوجاء أساؤوا خلالها لعبد السلام عارف وعقدوا وثيقة 11 آذار 1970 مع الملا مصطفى البرزاني، وواصلوا قتل الكرد بدم بارد، كما لو أن الوثيقة وقعت بماء جف من دون أثر! وتوالت “دونياتهم” الى الجبهة الوطنية العام 1978 التي شخّصوا من خلالها اعضاء الحزب الشيوعي، وملأوا بهم المعتقلات.. يحزون الرقاب ويعلقون الرؤوس على المشانق!
فماذا عدا مما بدا؟ هل إستقامت أخلاقهم، بعد كل ما جروه علينا طوال الثمانينيات والتسعينيات؟ وهم يبغون العودة الآن كالذئب الجريح!
“فإنظر أي منقلب ينقلبون”.
مخاوف المالكي، ليست بعيدة عن الواقع، بل هي واقعية، ربما يكمن وراء التحذير من عدو دائم يتربص بنا، شيء من تخويف إستهلاكي؛ يبعد الناس عما يجري في عراق الدولة الفاقدة لأبسط مقوماتها حاليا، لكنه حقيقة، حتى لو وظفت للمناورة السياسية، تظل هي حقيقة مرعبة، كأن بركانا هامدا تحت مقعدنا، يمور منصهره في أعماق الأرض ريثما ينشط فيدمر الفضاء من حوله، وأولى الموجودات التي يشظيها.. شلوا شلوا.. هي عجيزتنا التي تفترش فوهته.
دولة لا فعالية فيها الا الفساد، فقدت مقوماتها من النواحي كافة.. انا شخصيا أؤيد طرح المالكي، الذي إختلفت معه كثيرا عندما كان يتسلط حاكما فرديا، ومثله أتحسب لدواهٍ سيجرها البعثيون، إن إستعادوا موطئ قدم في العراق، سيتوسعون به على صفحة الخارطة، التي سيتمطون عليها.. “سجان يمسك سجانا” والحدود قضبان معسكر أسر نازي! ولا رادع لهم، في الوجود، إن إنفلتوا من قمقم سليمان.
فتحسبوا لهم، ولا تأخذكم رحمة غفل، بقوم يتربصون سماحا كي نقضوا على المتسامحين.
“يعريس السلف لا تامن إضيوفك
حرامية وجذب ركصوا على إدفوفك
رادوك إشوكت تغفة وتسلهم عين ناطورك
رادوك إشوكت تغفة وتذب بالكاع شاجورك”
فلا تنسوا دم الصدرين.. الأول والثاني.. قدس سراهما العظيمان، ولا تنسوا دماء الشهداء، بدءا 8 شباط 1963، بإنقلابهم الأسود على الزعيم قاسم، وقدرتهم على العودة، للسلطة بعد ردة تشرين ١٩٦٣، عندما نكل بهم عبد السلام عارف، الذي جاء بهم الى الحكم وإحتار كيف يتخلص منهم.
أما الآن، فالبعثيون موجودون في مرافق الدولة، والمالكي المبدي خوفا من على منصة “إعنزة” يتوجس خيفة من كرتهم بعد فرار الأربعاء 9 نيسان 2003، هو نفسه جاء بالكثير منهم للاستفادة من خبرتهم وانقلبوا عليه.
إنهم إنقلابيو النزعة، كلما واتتهم الظروف سانحة “دكوا الناقصة” بالمقابل رئيس الوزراء د. حيدر العبادي.. المضطهد عائليا؛ له شهيدان من اخوته مع سجناء من عائلته، لم يختلف كثيرا عن المالكي، فهو أمام مفترق طرق، اما العراق واما الفشل الذي سيعود بالبعثيين ومن على شاكلتهم للحكم.
فاذا عجز العبادي فانصحه بتقديم استقالته؛ كي لايتحمل تبعات الفشل كله لأن طويته سليمة، والنوايا الحسنة لا تحسم موقفا، ولا تصنع حضارة ولا تؤسس دولة، تلك شؤون من تدبير الدهاة، آملا ألا يلتاص بخلع قميص الدولة، الذي إن لم ينزعه طائعا تمزقه من على كتفيه مخالب الفتنة التي نشبت نصالها في ضلع الدولة، ولن تستلها إلا بعد ان تأكل القلب والكبد والمريء والطحال، وتلك حقيقة بلغناها، حين لم يعنَ السياسيون بتأمين إحتياجات الشعب خلال أزمة هبوط أسعار النفط؛ إنما راحوا يقترضون من المحافل الدولية المعنيةبشؤون المال؛ ليسددوا رواتبهم كاملة غير منقوصة، كما لو أننا نصدر عشرة ملايين برميل يوميا بواقع 100$ للبرميل الواحد.
أليست تلك ظروف ملائمة لأخلاق البعث؟ إذا عادوا الى مناخاتها يتفتحون، مثل وردة شيطانية تتفجر! وسط فساد وتظاهرات و”داعش” وجيش ضعيف وحكومة تتشاطر، إلتفافا على مصلحة شعبها؛ لأجل مغانم فردية.
فأي منقلب سننقلب إذا قفز البعثيون على تلك الظروف التي أطرها الحديث النبوي الشريف بالقول: “خيركم من سكت” في ظل أحداث متداخلة، لا جدوى من أي إجراء خلالها، عملا بقول أهلنا: “شيفيدك عقلك إذا تسودنت الناس”.
أبقوا البعث بعيدا، ريثما تنجلي الغمة، حينها هو لا يفكر بالعودة، لأنه لا يعيش إلا في الدمن، التي حذر منها الرسول: “أياكم وخضراء الدمن” فإياكم والبعث الذي لا ينموا الا على الدمن!