بسمه تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ…)الأحزاب6.
روى في المناقب”لأبن المغازلي”عن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:(كنية فاطمة بنت محمد رسول الل…-صلواته تعالى عليه وآله- أُمُّ أَبِيها)،وقد روي هذا الحديث في جملة من مصادر الفريقين.
بعض العلماء فهم من هذا الحديث و قال:كنّيت بذلك لعظيم حنّوها وشفقتها على أبيها رسول الل…”صلواته تعالى عليه وآله”، وفي الحقيقة هذا الفهم سطحي وظاهري للنص الوحياني.
إن الأُمّ والأُمومة، يُستعمل بمعنى الأصل، فأمّ الشيء أصله، فقد سميّت الأم إماً لأنها أصل الأولاد فيكون معنى”أم أبيها”أنّها هي الأصل لوالدها رسول الل…صلواته تعالى عليه وآله.
لتوضيح المعنى أكثر، ذكر بعض الأعلام من المحققين، أن المراد من كون”فاطمة”عليها السلام، ليلة القدر هو أنّها النفس الكلّية، أيّ بمعنى ارتباط النفس الجزئية والنفوس الجزئية في الأنبياء بتلك النفس الكلية، وأستمدادها الفيض من الل…تبارك وتعالى عَبْرَها، فمن ثمة يكون للنفس الكلّية أمومة للنفس الجزئية.
أيّ بمعنى عرفاني فلسفي أوضح، يذكره لنا الشيخ”محمد السند”هو:أشتقاق وتنّزل وجود رسول الل…”صلواته تعالى عليه وآله” من وجودها عليها السلام، وهذا لا يعني التدافع من أشتقاق نور وجودها من نور وجود النّّبي، كما ورد في الروايات، إذ هو اشتقاق طبقتها النورية من طبقته النورية، أمّا في هذا الحديث، إشارة إلى اشتقاق وخلق النبيّ-صلواته تعالى عليه وآله- بطبقته البدنية من طبقتها النورية.
بعبارة أخرى:أن الذات النوري لفاطمة عليها السلام، أصل وأمّ لذات النبوة البدنية، فذات المعصوم لها مراتب ودرجات وطبقات، تبدأ من البدن، والقوى النفسانية، ثم تتصاعد إلى الأنوار، والأحكام تختلف في كل مرتبة.
مثلاً:ذكرت الروايات في فضل فاطمة عليها السلام، ان الل.. تبارك وتعالى فتق نورها فخلق منه السموات والأرض، ولهذا سميّت بفاطمة اشتقاقا من إسمه عز وجل”الفاطر”،أي مبتدئ ومبدع وخالق الخلق، لذلك تكون عليها السلام، أصل والأمّ للخلق، حسب طبقتها النورية.
كذلك ورد في الروايات، إن الشمس والقمر، خلقا من الإمام الحسن عليه السلام، والجنة والنار والحور العين، خلقن من نور الإمام الحسين عليه السلام، والحسن والحسين خلقا من نور فاطمة عليهم السلام، وعلى ضوء ذلك يكون نور فاطمة عليها السلام أصلاً لهذه الأشياء!
على ضوء هذه القاعدة المعرفية الفلسفية، نفهم من الرواية المستفيضة:
(لولا أن أمير المؤمنين عليه السلام، تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه)، إن علي وفاطمة عليهما السلام، يتشاطران شؤون الولاية الإلهية في العوالم العلوية بعد مرتبة النبيّ”صلواته تعالى عليه وآله”،وأنهما أيضاً يتشاطران المقامات النبوية اصطفاءا وراثيا، يا جابر أول ما خلق الل… نور نبيك، ثم اشتق منه نور علي، ثم اشتق منه نور فاطمة!
إن الل… عز وجل، قد جعل لزواجات النبيّ منزلة، وأعطاهنّ الأمومة على المؤمنين، وحرّم عليهم زواجهنّ، بالرغم من هذا المنزلة ليس بتلك المنزلة التشريفية العالية، فقد شرط الخالق عليهنّ التقوى والإقرار في البيوت، وعدم التبرج، فإذا فقد الشرط فقدت تلك المنزلة، لقوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ…).
أقول: أين منزلة أمهات المؤمنين، من منزلة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام؟! فتلك المنزلة أمّ للمؤمنين، وهذه أمّ لسيد الأنبياء عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام!