يبدو أن مجمل تداعيات وتفاعلات الاحداث الساخنة والمتسارعة التي امتلأ بها المشهد السياسي العراقي ورغبة بعض الاطراف في لملمة المشكلات واحتواء الازمات بأي صورة كانت والبحث عن قواعد شكلية مشتركة للخروج بتفاهمات ولو مؤقتة يبدو ان كل هذه العوامل قد تركت تأثيرها على طبيعة العلاقة بين حكومة المركز في بغداد وحكومة “الشمال” في اربيل ودفعت البعض للعمل على رفع العقبات رغم عمق الهوة وسمك الجدار بين الطرفين ورغم الاساليب الانتهازية والطرق اللصوصية التي ينتهجها البارزاني دوما والتي تمثلت اخيرا بالاستيلاء على محافظة كركوك ونفطها ورغم الخطابات النارية الانفصالية التي يطلقها وبعض اتباعه بين الفينة والفينة ورغم كل التطورات الدراماتيكية في العراق وشماله الذي تحول بقدرة اميركا وحلفائها الى قاعدة اميركية وغربية رسمية عسكريا ومخابراتيا وبفضل الدواعش الذين شكلوا غطاء للحركة الكردستانية التوسعية لنيل الدعم الدولي والتسليح والتمويل فضلا عن التمدد الى ما يطالبون به مناطق بعد ان انسحبوا من بعضها وتركوها للدواعش ليلعبوا بعد ذلك دور الابطال المنقذين والمخلصين من شرور المجرمين والمعتدين في لعبة مكشوفة سعى من خلالها حلفاؤهم الاميركان للنفخ في بالون الاكراد الذين يُراد لأبنائهم وثرواتهم ان يكونوا وقودا لحروب بالنيابة وشبكة لاصطياد المنطقة الملتهبة عبر الدعم الظاهري للأوهام الكردية وتوفير المقومات اللازمة لإعلان الدولة المزعومة وفق استراتيجية القيادة من الخلف المفضلة عند الرئيس اوباما الذي اطلق “ذئب” داعش في المنطقة وشكل تحالفا لمطاردته على قاعدة “لا تقتل الذئب ولا تتركه يقضي على كل الغنم”.
لا يمكن لبغداد واربيل ان يصلوا الى حلول وسطية ومنافذ واقعية لمشكلاتهم الحالية في ظل ظروف سياسية داخلية غير مستقرة واجواء اقليمية ملبدة بالغيوم تسعى فيها بعض القوى الدولية لخوض حروبها السياسية الباردة في ساحات المنطقة الساخنة بأدوات محلية متأزمة ناهيك عن طبيعة هذه المشكلات المركبة وعقدها المتشابكة وازماتها المتعددة فهي كبيرة ومتداخلة ولا تقف عند حدود الخلافات النفطية وازمة عدم اقرار قانون النفط والغاز وما يتعلق به من اشكالات متنامية من الاختلاف حول آليات ادارة الثروات في الشمال العراقي وتأويل نصوصها الدستورية العائمة وعباراتها الغائمة والاختلاف على صيغ وآليات العقود النفطية مع الشركات الاجنبية وحقوق الشركات العاملة في الاستخراج والتكرير الى مشكلة تصدير النفط دون موافقة الحكومة المركزية وازمة عوائد “الاقليم” المالية من الرسوم والضرائب الكمركية التي تعد من واردات الحكومة المركزية وغيرها بل تمتد الى مطالبة الكرد بدفع ميزانية البيشمركة من موازنة وزارة الدفاع الاتحادية وازمة تطبيق المادة 140 العائدة للمادة 58 من قانون ادارة الدولة العراقية لسنة 2005 والتي أكد البارزاني انها “اصبحت وراء ظهورنا” فضلا عن عدم الالتزام بالاتفاقات مع حكومة المركز طوال هذه السنوات والاختلاف على حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية وعدم الاتفاق على التصويت على العشرات من القوانين المعطلة وأخيرا وليس آخرا الاستيلاء على محافظة كركوك بأكملها ومجموعة من المناطق المختلف عليها وغيرها من الازمات والمشاكل المتراكمة!!
لن تحل هذه المشاكل المعقدة بمجرد اتفاق بين ساسة تربطهم علاقات حزبية ومصلحية فالمسألة اكبر من الاحزاب واهم من الوزارات والبحث عن مفاتيح واقعية لحلول نهائية لا يتم بخطوات تكتيكية واجراءات احتوائية تغظ الطرف عن اسباب الازمات الحقيقية.
الامر الذي يدعونا لنتسأل هل ما جرى اخيرا من اتفاق مؤقت بين بغداد واربيل هو مناورة نفطية في سياق “الانقلاب النفطي” الذي تقوده الشركات الاميركية في العراق التي تشكل جزءا اساسيا من المنظومة الصناعية الاميركية والغربية المتحكمة في قرارات الدول الكبرى وفي مقدمتها اميركا والتي تعمل النخب السياسية والنخب العسكرية على خدمتها وتلتزم بتعليماتها وتنفيذ رغباتها عبر ممارسة الاعيب السياسية وتكتيكات الحروب كضرورة لاستمرار حياتها وادامة وجودها.
في المنظور الاميركي والصهيوني لا يُراد لشمال العراق ان يتحول الى دولة ولا ان يكون جزءا من الدولة العراقية بل يُراد له البقاء في حالة “شبه الدولة” لاستخدامه واستنزافه واستنزاف دول المنطقة الى ان تنجلي غبرة عاصفة الفوضى الفتاكة التي تضرب الساحة الاقليمية وترسو سفينة العراق والمنطقة على شاطئ احدى الضفتين المتقابلتين اذا نجت من الغرق في بحره المتلاطم وهي التي تمتلك مقومات النجاة.
*facebook.com/saoodalsaady