تجتاح العالم العربي والإسلامي توجهات عنوانها أسلمة الحياة بما فيها من نشاطات وتفاعلات وتحديات , فلا بد من أسلمة كل شيئ , ولا يُعرف لماذا ولأي غاية وتطلع ظاهر ودفين.
فكل ما ينتجه العالم العربي والإسلامي عليه أن يكون مُأسْلما , السياسة والأحزاب والنشاطات اليومية والمآثم والخطايا والجرائم , كلها مُأسلمة!!
ألا تساءلنا لماذا هذا التوجه الذي تستثمر فيه وسائل الإعلام , والقوى المفترسة الساعية للنيل من الوجود العربي والإسلامي؟!
إن أسلمة الحياة بما يتصل بها وينجم عنها , منزلق وقع فيه المسلمون في كل مكان , وهم يحسبون ذلك إيجابيا لدينهم , بينما هو من أخطر ما يقومون به ضد دينهم.
فأسلمة الأحزاب السياسية أدت إلى تداعيات أليمة ومتواليات نواكب ومصائب مروعة , فتكت بالبلاد والعباد وشردت الملايين من المسلمين في أرجاء الدنيا , هائمين على وجوههم لا يعرفون إلى أين المصير , وأدخلت المجتمع الإسلامي في صراعات تدميرية غير مسبوقة , فتحولت البلدان إلى ميادين حروب إتلافية إنقراضية تستوجب إستدعاء أعتى القوى الأرضية , لتدمير ما فوق الأرض من موجودات بدعاوى ومخترعات مُصنعة في مختبرات الأسلمة.
وكذلك أسلمة الجرائم أخذت المسلمين إلى منحدرات إقصائية ذات نتائج إقتلاعية وإلغائية , وحوّلتهم إلى أهداف يتم تسويغ إصابتها ومعاداتها , والإنقضاض عليها وتأليب الرأي العالمي ضدها , في زمن تتوفر فيه وسائل التدمير والفتك السهل بالآخر.
وهناك توجه لدى المختصين حول أسلمة إختصاصاتهم وهذا نهج لا يتفق ومبادئ أي دين , فلا يمكن أدينة أي علم وإختصاص , وما حصل هذا التوجه إلا في العصور المظلمة المتخلفة التي مرّت بها أوربا , عندما قبضت الكنيسة على أنفاس الناس وعقولهم , ومنعتهم من الكلام إلا وفقا لمناهجها ومنطلقاتها , وهذا يعني أن الهدف الحقيقي من مناهج الأسلمة هو دفع العالم العربي والإسلامي إلى قواسي العصور المظلمة , التي تجاوزتها الشعوب بدخولها في عصور التنوير والإشراق المعرفي والفكري والعلمي والفلسفي , الذي نقل الحياة إلى آفاق العصر الوهاج الذي تتنعم به البشرية , إلا المجتمعات العربية والإسلامية وفقا لمنطلقات وتوجهات الأسلمة.
ولهذا فعلى المسلمين الإنتباه إلى هذا السلوك الذي يُدفعون إليه , وفقا لأساليب ممنهجة ومُصنعة ومدروسة , تتناغم مع ما فيهم من تصورات ورؤى حرمانية إنكباتية مخنوقة , ومتحيرة متحينة في مكانها الذي يزداد شدة وإنقباضا وتعويقا , وضغطا قاسيا على وجودهم ومصيرهم.
فالإسلام دين آفاق مطلقة , ولا يمكنه أن يكون دين الزوايا الحادة والمنحشرات الضيقة , إنه دين الحياة بدنياها وآخرتها , وهذا يعني أنه يمتلك مطاوعة ورحابة لا حدود لها وتتسع كما الكون يتسع , وإذا أجزمنا
بأن الدين الإسلامي كوني المناهج والتطلعات , فأن علينا أن ندرك بأن توجهات الأسلمة عدوان على جوهر الدين وأصوله ومبادئه , وقيمه وأخلاقه الإنسانية السامية الخصال والطباع.
فهل من يقظة وإنتباه , فالإسلام جاء هدى ورحمة للعالمين أجمعين , ولم يكن دين قوم وحزب وملة وإتجاه , وما تصاغر وتضايق , وإنما يتسع لمواكب الأجيال الآدمية والكونية , ويمتلك إرادة البقاء المطلق الخلاق المجيد.
وعلينا أن نتذكر دائما أن الإسلام لا يُحشر وإنما يُنشر , ويُعبق كالأريج الذي لا يمكن للزهور أن تعتقله في أقبية ذاتها وتدّعيه لنفسها ولا تفوح به على محيطها.
الأسلمة: حشر الإسلام في كل شيئ
الأثلمة: من التثليم أي التكسير والتحويل إلى قطع صغيرة متناثرة