اصدرت حديثا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تقريراً عن عمل الوزارة خلال السنوات 2011 – 2013، حمل عنوان “التعليم العالي والبحث العلمي:ارقام وحقائق، انجازات ثلاث سنوات”. ولاهميته مهد له الوزير الاستاذ علي الاديب معتبرا ان ما “تحقق من حلقات تطوير المنظومة التعليمية في العراق خلال هذه الاعوام، كان بوابة حقيقية لاستعادة العراق دوره الفاعل في النظام التعليمي العربي والاقليمي، كمقدمة لعودته الى مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات المعرفية”.
تضمن التقرير احصائيات وتفاصيل عن عدد من المعايير المهمة كالبعثات الدراسية خارج العراق والتوسع الافقي والعمودي للجامعات والدراسات العليا، وبرنامج البعثات البحثية والتعليم الاهلي وانشاء الجامعات والبنيات التحتية والمرافق.
بالرغم من طبيعة مثل هذه التقارير الانجازية الا ان هناك انتقائية وتركيز مفرط على الارقام والمؤشرات التي تؤكد التطور الحاصل في اعداد الطلاب والجامعات والمبتعثين. صحيح ان العراق حقق معدلا متقدما في زيادة نسبة الالتحاق بالتعليم العالي وبدأ يقترب من المعدلات العربية والعالمية، لكن حتى هذه الأرقام والمؤشرات لا تليق بسمعة وصورة التعليم العالي العراقي.
حضي قطاع التعليم العالي منذ عام 2003 باهتمام كبير من أجل زيادة عدد الطلبة المقبولين في الجامعات والمعاهد العالية بناء على فلسفة مفادها ان هناك نقص كبير في حملة الشهادات العالية مقارنة بدول المنطقة، وهي لا تسد حاجة السوق والمجتمع للاختصاصات العلمية لذا فان زيادتها ستنقل المجتمع من التخلف إلى التقدم .
ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، ووزارة التعليم العالي خاصة، والمجتمع بوجه عام. مع هذا فان ستراتيجية الوزارة وحسب ما جاء في التقرير تتركز على زيادة عدد الملتحقين بالجامعات. هل يمكن ان تكون هناك حاجة كبيرة للخريجين في الوقت الذي تتزايد فيه اعداد العاطلين عن العمل من الخريجين؟ هل يكون الدافع هو مجرد اللحاق بالنسب العالمية للملتحقين بالتعليم العالي من دون الاخذ بنظر الاعتبار اضرار هذه السياسة على النوعية.
شهدت الثلاث سنوات السابقة، خصوصاً، توسعاً ملحوظاً في عدد الجامعات حيث ارتفع هذا العدد من (19) جامعة إلى (29)، وهو رقم تخطى ما رسمته الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق للسنوات 2011 الى 2020. تم قبول 160 الف طالب وطالبة في عام 2013-2014 في الدراسة الصباحية فقط وبزيادة قدرها 22% على عدد الطلاب المقبولين في عام 2010-2011. كما تم اضافة 96 كلية و217 قسما و48 فرعا في الجامعات العراقية بالإضافة إلى عدد من المعاهد العليا في التخصصات التقنية والطبية المختلفة. وارتفع عدد الطلاب في الدراسات العليا بنسبة 56% في خلال سنتين وارتفع عدد الكليات الاهلية من 26 كلية في عام 2010 الى 39 كلية في عام 2013 تضم اكثر من 105 الاف طالب وطالبة. ويبدو ان عدد الطلبة في الدراسات الاولية من التعليم العالي ارتفع من حوالي 416 الف الى اكثر من 554 الف في غصون ثلاث سنوات (اي بزيادة نسبتها 33%) وارتفع عدد طلبة الدراسات العليا من حوالي 17 الف الى 30 الف (بزيادة نسبتها 76%)، وفي مقابل هذا الارتفاع الكبير لم يرتفع عدد التدريسين من حملة الدكتوراه الا بنسبة 23% (من حوالي 12899 الى حوالي 15915 ) وما يدعو للاسف انه لا تتوفر اية معلومات عن تحسن مستويات التدريسين وزيادة معارفهم خلال هذه الفترة، ولا عن حدوث تغيير ملحوظ في النسبة العالية جدا للتدريسين من حملة الشهادات المحلية، ولا عن معدل الزيادة في الاجهزة والمعدات والانظمة الالكترونية والتي يتوقع ان ترافق الزيادة الهائلة الحاصلة في عدد طلبة الدراسات العليا. وبالرغم من ان التقرير يؤكد على قدرة الوزارة على استيعاب الاعداد المتزايدة من الطلاب توجد ادلة تؤكد العكس وهي تأتي من العمداء ورؤساء الاقسام والذين يؤكدون ان الوزارة تفرض عليهم اضعاف الطاقة الاستيعابية لكلياتهم واقسامهم خصوصا من طلبة الدراسات العليا. ومع الاسف لم يوفر التقرير اية معلومات عن التطوير (او التراجع) الحاصل نتيجة هذه الزيادة في عدد الطلاب في مستويات التعليم والتعلم ومعايير الجودة والاداء خلال فترة الثلاث سنوات. الخطوة الايجابية التي نلمسها في التقرير هو ان الجامعات الجديدة قيد الانشاء والتوسع المستقبلي للجامعات القديمة سيمكنها من استيعاب الاعداد الكبيرة من الطلبة.
بالرغم من معرفتنا الوثيقة بجهود الوزارة الجادة والمهمة في مجال الجودة والاعتماد الدولي لا نفهم عدم اهتمام التقرير بهذا الموضوع الحيوي، فالتقرير لا يتضمن الا معلومات مقتضبة في صفحتين عن ضمان الجودة وتقويم الاداء وهي لا توفر ارقام ومؤشرات كافية تتعلق بالنوعية، مع ذلك نستطيع الاستنتاج اعتمادا على فرضية “كلما زاد الكم نقص الكيف”، ان هذه الزيادة السريعة في عدد الطلاب ومن دون مرافقة زيادة ملائمة في عدد التدريسين المتدربين في جامعات الدول المتقدمة ستؤدي الى انخفاض مستوى المعرفة والتدريب عند الطلاب والخريجين يرافقها زيادة في التركيز على انماط التعليم التقليدية كالتلقين واهمال وظائف التعليم والتعلم الاخرى، وبدورها يمكن ان تؤدي الى التوسع في التعليم النظري على حساب التعليم التطبيقي والتقني.
تؤكد سياسة التعليم العالي على زيادة عدد المقبولين في الجامعات استنادا على مقارنة مع عدد طلبة الجامعات في بلدان عربية واقليمية. هناك مشكلة في هذه الارقام لان طريقة حسابها مبهمة وتعتمد طرق مختلفة فهي من الممكن ان تكون نسبة الطلبة الحاصلين على الشهادة الاعدادية والذين تم قبولهم في التعليم العالي الجامعي والتقني والمهني في سنة محددة او بحساب نسبة المقبولين في هذه المؤسسات والخريجين باجمعهم من مجموع النفوس او لكل مائة الف من السكان، او بحساب نسبة الالتحاق الاجمالية من مجموع السكان في سنة معينة، او كما هي عليه في تقرير الوزارة الذي اعتمد على حساب نسبة الالتحاق بالتعليم العالي الى السكان في الفئة العمرية 18-23. وفي بعض البلدان تحسب النسبة باعتبار الفئة العمرية 17-30 عاما.
تثير احصائيات التقرير التباسا كبيرا حول الجامعات العراقية لانه لا يأخذ بنظر الاعتبار عدد الطلاب وعدد الجامعات في منطقة الحكم الذاتي لاقليم كردستان بينما يعتبر نفوس الشعب العراقي 33 مليون متضمننا بذلك عدد نفوس القاطنين في اقليم كردستان. وضم التقرير خطأ اخر الا وهو الجدول الذي وضع تحت عنوان “الجامعات الحكومية منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية نهاية 2010 ” والذي ضم اسماء 19 جامعة لا يوجد بينها جامعات صلاح الدين والسليمانية ودهوك. لقد كان من الاجدر الاشارة الى عدد الطلبة والتدريسين في منطقة كردستان العراق وعدد المبتعثين وعدد الجامعات وغيرها من المعلومات المشتركة مع ذكر مصدرها لانها ستساعد على اعطاء صورة عن التعليم العالي في العراق ككل وتظهر العراق موحدا على حقيقته بالرغم من وجود وزارتين للتعليم العالي والبحث العلمي. ولو كنت انا كاتب هذا التقرير لاضفت مقارنات باستخدام عدد من المعايير والارقام المشتركة في المركز والاقليم.
عموما لا توجد احصائيات في التقريرعن تكافؤ الفرص بين الذكور والاناث، ولا يوجد دليل على النسبة الجندرية بين اعضاء الهيئة التدريسية، ولا عن نسبة المبتعثين الى الخارج حسب الجندر والعمر، ولا يتضمن التقرير مؤشرات الكفاءة كنسبة التأطير الحقيقية (طالب تدريسي من حملة الدكتوراه، وطالب تدريسي من حملة الدكتوراه الغربية) حيث انه يشير فقط الى ان نسبة عدد التدريسين الى عدد الطلاب هي 10:1 وهي نسبة محترمة، الا انها تاخذ مجموع التدريسين من حملة الماجستير والدكتوراه معا ولو اننا حذفنا عدد التدريسين من حملة الماجستير لاصبح الرقم مقاربا الى 25:1. ولم يتضمن التقرير نسب الطلبة المختلفة في الكليات والاقسام الطبية والعلمية والتكنولوجية والهندسية والانسانيات واللغات وهي احصائيات مهمة لمعرفة اتجاهات التطور المعرفي والمهني لسد حاجات السوق. ولم يتطرق التقرير الى الدراسات المسائية واعداد الطلبة فيها ولم يتم درج اعدادهم ضمن اعداد الطلبة في الجامعات بالرغم من ان شهاداتهم معادلة لشهادات الدراسات الصباحية ولا تختلف عنها (على عهدة الوزارة) جوهريا في المضمون والمحتوى. واخيرا، حبذا لو توفرت معلومات وامثلة رائدة على دور المعلومات الالكترونية في نظام التعليم العالي العراقي.
وبالرغم من تأكيد التقرير على معدلات الانتاج البحثي الا ان معدلاته لم تكن حسب تصنيف اي اس اي وسكوبس، ولا يحتوي التقريرعلى اي من مؤشرات الانفاق على التعليم العالي. كما ان الاحصاءيات لم تتبع التصنيف الدولي المقنن للتعليم (اسكد) والمطبق في اليونسكو والذي يعتبر اداة مناسبة لجمع وتبويب البيانات الخاصة بالتعليم وتصنف البرامج التعليمية ضمن محورين هما مستويات التعليم ومجالاته. ويفتقر التقرير الى معدلات الانفاق الحكومي على التعليم العالي: كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي، وكنسبة من مجموع الانفاق الحكومي على التعليم.
ومما يلفت النظر هو اهمال التقرير كليات ومعاهد هيئة التعليم التقني فيما عدا مقارنة اعداد خريجيها باعداد خريجي الجامعات الحكومية والكليات الاهلية في جدول يضم اعداد الخريجين من الدراسات الاولية بالرغم من ان هذا النوع من التعليم يعتبر جزء لا يتجزأ من التعليم العالي حسب احصائيات اليونسكو والمنظمات العالمية. يبلغ مجموعها الكلي خارج اقليم كردستان 44 كلية ومعهد تضم بما يقرب من نسبة 30% من اعداد الطلبة المقبولين في التعليم العالي، وفيها تم قبول ما يقرب من 50 الف طالب في عام 2013. انه من الغريب ان يتضمن التقرير الكليات الاهلية بينما يهمل الكليات والمعاهد التقنية الحكومية والتي تعتبر بكافة المعايير افضل واهم من الكليات الاهلية. ومن دراسة الجدول المشار اليه اعلاه يتضح لنا الاهمال الكبير لهذا النوع من التعليم العالي حيث يمثل اعلى معدل لخريجي الكليات التقنية حوالي 3% من مجموع الخريجين. من هذا يبدو ان هناك حاجة إلى تحقيق زيادة كبيرة في عدد الطلبة في الكليات التقنية كتلبية لاحتياجات سوق العمل، وضرورة لتحسين التعليم التقني لتعزيز قدرات ومهارات القوى العاملة بالتركيز الشامل على تطبيق معايير الجودة والتميز واعادة الاعتبار لهذا النوع من التعليم، وتحسين صورته وتثمين الثقافة التكنولوجية.
يتحدث التقرير عن ضرورة منح الجامعات “اعلى درجات الاستقلالية وتحريرها من قيود المركزية الصارمة” ولكنة لا يقدم ادلة كافية على طريق تحقيق هذا الهدف. وفيما عدا توفر النيات الصادقة بهذا الشأن وتسهيل بعض الاجراءات الجامعية من دون الحاجة الى انتظار موافقة الوزارة لا يتوفر لدينا اي دليل على وجود فهم واستيعاب لمتطلبات تحقيق هذا الشرط الذي تعتبره الوزارة اساسيا لكي يأخذ التعليم العالي طريقه الى “التقدم والنماء”. اريد توضيح اهداف الاستقلالية بالمفهوم المتعارف عليه دوليا ويمكن مراجعة كتاباتي السابقة حول الموضوع لمزيد من التوضيح. تهدف الاستقلالية الى حماية الجامعة من تدخل المسؤولين الحكوميين في ادارة المؤسسة، خاصة بشأن القضايا المتعلقة باختيار الطلاب، وتعيين وعزل أعضاء هيئة التدريس ورئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات، وتحديد محتوى التعليم الجامعي ومراقبة معايير التدريس والبحث، وتحديد حجم ومعدل النمو، وتحديد التوازن بين التدريس والبحث والدراسات العليا، واختيار المشاريع البحثية وحرية النشر، وتخصيص الاموال للصرف على مختلف مشاريع الإنفاق. اين هي الاستقلالية التي يتحدث عنها التقرير من هذه الاهداف؟ المشكلة الاخرى التي تواجه تخويل بعض الصلاحيات للجامعات هو حسب ما ذكره التقرير بان “المهمة الاصعب، اقناع الجامعات نفسها بضرورة عدم التردد في استخدام هذه الصلاحيات”، لكن التقرير لم يبين السبب في تردد الجامعات استخدام الصلاحيات الجديدة . برأي انه يكمن في ابقاء العقوبات في يد الوزارة، وهذا ما يمنع الجامعات من ممارسة صلاحيات جديدة بينما يسلط سيف ديمقليس على رقبة كل مسؤول وتدريسي في الجامعة فحينئذ لا يمكن تصور ان الجامعة تمتلك استقلالية حقيقية.
والغرابة في التقرير تكمن في تضمنه جدولا يضم اعداد التدريسين الحاصلين على عضوية مجلات “عالمية” والتي يعنى بها عضوية تحرير المجلات التي يزعم بانها عالمية حيث انها في الغالب مجلات زائفة. مع هذا فان التقرير اهتم بالبحث العلمي فتضمن مجموعة من المعلومات حول المكتبة الافتراضية والمحرك البحثي للمجلات المحكمة وموقع المجلات العلمية الاكاديمية العراقية المتضمن على اكثر من 69 الف بحث، واشار الى عدد البحوث المنشورة في المجلات غير العراقية “العالمية” ذات معامل التأثيروالتي شهدت زيادة كبيرة ففي خلال سنتين ازداد العدد من 46 في عام 2010 الى 178 في عام 2012 ، وهي بالرغم من تواضع العدد قياسا الى عدد التدريسين الهائل ومراكز البحوث في الجامعات العراقية تعتبر زيادة مذهلة، ولو استمرت الزيادة بنفس هذا المعدل فاننا نتوقع ان يقارب عدد البحوث المنشورة في المجلات المحكمة الالف بحث في عام 2014. ومع الاسف لا يوفر التقرير معيارا مهما وهو المعدل الاجمالي لعدد البحوث المنشورة للتدريسي والباحث، لكن اي منا يستطيع اشتقاقه وسامتنع عن ذكره لكي لا يكون صدمة كبيرة لمحبي البحث العلمي والمؤمنين بقدرة الباحث العراقي.
التقرير يفتقر الى جدول يبين فيه نسبة البحوث المنشورة عالميا ومحليا الى عدد اطاريح الماجستير والدكتوراه ولو توفرت مثل هذه المعلومات لكانت معيارا واقعيا للمستوى العلمي للدراسات العليا ولاطاريحها. والغريب ان التقرير يشير في جدول خاص الى اعداد المقبولين في الدراسات العليا ضمن قنوات خاصة منها قناة ابطال الرياضيين وقناة السجناء السياسين وقناة ذوي الشهداء وقناة النفقة الخاصة. لا عجب من هذا الاسلوب في القبول لان الحالة السياسية والاجتماعية العراقية تفرض نفسها على سياسات التعليم العالي فتحد من تطويره.
يظهر التقرير ضعفا واضحا في تطبيق برنامج الاستاذ الزائر بالرغم من التوسع الكبير من الانفتاح على بلدان ومؤسسات تعليمية كثيرة حول العالم حيث يشير الى استضافة الجامعات العالمية لتسعة عشر تدريسيا وباحثا فقط. الا ان التقرير يحتوى على علامة مضيئة بالنسبة للبحوث المشتركة مع المراكز والمؤسسات البحثية العالمية حيث يتميز مركز بحوث علوم المياه في جامعة البصرة باحد عشر مشروع بحث مشترك مع مراكز بحثية في الولايات المتحدة والسويد والنمسا وبولندا وايطاليا وايران، مما يثير السؤال عن اسباب ندرة التعاون المشترك بين المراكز البحثية العراقية الاخرى والمؤسسات العلمية الاجنبية.
التأليف والترجمة مع اهميتها خصوصا في مجتمع اكاديمي ضعيف الانتاج البحثي انخفظ من 847 كتابا في عام 2009-2010 الى 494 كتابا في عام 2011- 2012 من بينها 23 كتابا مترجما فقط. من الغريب ان لا تهتم وزارة التعليم العالي في هذا النوع من انتاج ونقل المعرفة. لقد سبق وان اشرنا الى عدد من الاحصائيات التي تصدم العقل عن العرب وكمثال على هذا التخلف اعتمدنا الاحصائيات التي تذكر “ان نسبة قراءتهم تعادل 6 دقائق سنويا في مقابل 200 ساعة للفرد الاوربي، وبأنه لا يطبع اكثر من ثلاثة كتب لكل مليون عربي في مقابل 600 كتاب لكل مليون اوربي، علما ان عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب لا تزيد عن 3000 نسخة في العالم العربي، بينما تزيد عدد النسخ المطبوعة على عشرات الالوف في أوربا، وحاليا لا تزيد عدد الكتب المترجمة منذ عهد المأمون عن عدد ما تترجمه اسبانيا خلال سنة واحدة”.
ولقد سبق لي ايضا ان قدمت الاقتراح التالي للوزارة: “يوجد في الجامعات العراقية عدد هائل من الاساتذة جلهم على معرفة عميقة باللغات العالمية خصوصا الانكليزية والفرنسية والألمانية، وكثير منهم أساتذة للغات العالمية، ولديهم اطلاع واسع على الفكر العالمي وقرؤوا من الثقافة والعلوم الغربية بشكل جيد. هؤلاء التدريسيون يشكون من فقر امكانات البحث العلمي ويشكون من عدم قدرتهم على انتاج المعرفة عن طريق البحث الاكاديمي لعدم توفر الاموال والأجهزة والمعدات والمكتبات، وبات همهم هو الاطلاع على ما هو مستجد من المعارف العالمية من منابعها الأصلية. هؤلاء الاساتذة لو استثمرت جهودهم وإمكانياتهم بصورة مثمرة في الترجمة لامكن لكل واحد منهم اصدار كتاب واحد مترجم في السنة على الاقل. ونعني هنا اننا سنستطيع من انتاج آلاف الكتب في السنة الواحدة، ولربما اكثر ما انتج لقرون من الزمان”. كنت اتمنى لو اخذت الوزارة بهذا الاقتراح وقامت بتشجيع الاساتذة على الترجمة والتأليف.
وفي محور الاطار العام لتطوير وتحديث مناهج التعليم العالي تجد الكثير من الحديث عن مشاريع الوزارة منها وضع اطار عام لمناهج التعليم الجامعي وهو وثيقة جامعة لجميع المناهج وتضم معظم الاسس التي يقوم عليها التعليم من التوجه والمبادئ الاساسية الى خصائص عملية التطوير واهداف واليات تنفيذ الاطار العام للمناهج. كان بودي لو ان الوزارة تريثت باصدار تقريرها الى حين البدء في تنفيذ هذا المشروع الذي هو برأي يجب ان يكون في قمة مشاريع الوزارة ويجب ان تتوفر له كافة مستلزمات نجاحه خصوصا التخصيصات المالية للتدريب وعقد الورش والاستعانة بالخبرات الاجنبية، فنجاح تنفيذه يمكن ان يؤدي الى احداث التوازن بين الاستجابة الكمية للضغوط السياسية والاجتماعية والذي تتمركز عليه السياسة الحالية للوزارة وبين متطلبات سوق العمل التي تركز على النوعية المرتكزة على مبدأ المهارة والكيف. انه مشروع هائل ومعقد لتجويد المخرجات ويحتاج تنفيذه الى خبرات كبيرة قد لا تتوفر الوزارة لها لذا يتوجب عليها البدء بتنفيذه على شكل تجربة في جامعة او جامعتين تشمل عدد محدود من الدراسات العلمية والانسانية في اقسام خطت خطوات متميزة في تقييم الاداء وضمان الجودة وكتابة تقرير التقييم الذاتي وخطة تحسين وذلك لضمان وجود الوعي والخبرة اللازمتين بين اعضاء الهيئة التدريسية قبل بداية المشروع، كما يجب ان تتفهم الوزارة ان تطوير وتحديث المناهج يجب ان يتضمن الغاء ودمج عدد من البرامج والشهادات وانشاء اخرى جديدة، وان تبنى المناهج الجديدة على اساس مخرجات التعلم للبرنامج الاكاديمي والمساقات، وان ترتبط هذه بدورها بتقييم الطلاب والامتحانات بحيث يستند التقييم الى الاداء اكثر مما يستند الى قياس التحصيل. التقرير يؤكد على ضرورة ان تكون العمليات التي تقع ضمن هذا المشروع مخططة ومنهجية ومستدامة، وهنا لابد من التذكير بان من اهم اسباب فشل المشاريع هو اما ان يكون هناك خطأ في التخطيط او خطأ في التنفيذ.
كخلاصة للموضوع، اننا وبالرغم من هذه الارقام التي تدل وبدون شك على نمو كبير في عدد الطلاب وعدد الجامعات، الا انه وباعتراف جيل كامل من الاكاديمين والتدريسين توجد أزمة في الجامعات. تنبع هذه الازمة من مشاكل حقيقية في هيكلية وادارة التعليم العالي وفي مركزية الادارة وفي عدم وجود هيئة تدريسية مدربة تدريبا جيدا وعدم تتبع التطورات العالمية وكذلك تعود هذه الازمة الى انعدام البيئة الاكاديمية المفضية للتعلم والتعليم. لا يقدم التقرير اية معلومات او احصائيات عن تلبية حاجة السوق والمجتمع الفعلية من مختلف الاختصاصات الاكاديمية والشهادات خصوصا ان الشواهد كثيرة على ان الابتعاد عن قاعدة “السوق يحدد عدد طلبة الاختصاصات” يؤدي الى “انشاء جامعات ضعيفة وتوسيع دراسات ليس لها اهمية واغراق مؤسسات الدولة بموظفين لا حاجة ولا دور لهم في تسيير هذه المؤسسات، مما يؤدي بدوره الى تضخم جهاز الدولة فيصبح تغيير النظام الادراي البيروقراطي اكثر صعوبة. كما ان الابتعاد عن هذه القاعدة يؤدي الى خفض مستوى الجودة في الجامعات نتيجة قبول اعداد كبيرة من ذوي المعدلات الواطئة فيها، وابتعاث طلاب للدول الاجنبية من غير افضل المتفوقين والنوابغ”.
الجامعات تتوسع الا انها في ازمة! يبدو في هذا القول تناقض؟ السبب في ان التوسع (اي الكم) تحكمه في عراق اليوم عوامل هي غير تلك العوامل التي تحكم مستويات التعلم والتعليم (اي النوع).
التوسع الكمي لا يأخذ بنظر الاعتبار بدرجة كبيرة ضرورة وجود عدد ملائم من علماء واساتذة متمرسين وثقافة مجتمعية للجامعة وبيئة اكاديمية بل ما يهمه هو مجرد وجود قاعات ومدرسين وكفى الله المؤمنين القتال! في فلسفة الكم الجامعة هي شهادة البكلوريوس. اخيرا، اسأل الوزارة عن امكانياتها الفنية التي لم تستطع ان توحد الاشكال البيانية بحيث كثرت الاخطاء فيها واختلف الواحد عن الاخر في عرض النتائج فمنها ما يظهر تتابع السنين نحو اليمين ومنها الاخر نحو اليسار، فأين هي الحرفية المهنية يا وزارة المعرفة؟