وقفة :
في السادس من ابريل عام 1994 ، سقطت طائرة الرئيس الراوندي واشتعلت معها حرب الابادة الجماعية بين قبيلة “هوتو” التي تشكل الاغلبية في البلاد ضد قبيلة ” توتسي ” الاقلية ، خلال مئة يوم ، راح ضحية الابادة اكثر من مليون انسان برئ ، قتلوا بالسكاكين والمناجل .
*******
تفيد الانباء الواردة من بغداد ان السيد المالكي دعى الى عقد مؤتمر للمصالحة في الانبار على وجه السرعة ، حتى هذه اللحظة هذا الكلام عقلاني وحكيم بشكل عام . ثم تتواصل الانباء عن اصدار عفو عام عن المسلحين ، وهناك وفود في طريقها الى شخصيات عراقية معارضة في دول الجوار للمشاركة في هذا المؤتمر.
يقول المالكي ” ان الانبار هي مفتاح الحل ومنها يمكن ان نتحرك لتوطيد الوحدة الوطنية وتعزيز الاخوة بين العراقيين جميعا . ” ثم يضيف ” ان ضم الاخرين الى الصف الوطني اولى من بقائهم في صفوف الارهابيين المتطرفين “.
كلام في غاية الاهمية والعقلانية لكن علينا ان نطرح بعض الاسئلة لتكون مفتاحا للنقاش الهادئ ؛ هل يملك السيد المالكي المشروع والية التطبيق ؟؟ هل يعرف المالكي ماهية الخصومة ؟ هل هو قادر على تحقيق مطالب اهل الانبار ؟ ثم لماذا اختار المالكي الانبار حصرا ؟؟
منذ سنوات والشعب العراقي يتنظر مؤتمرا عاما للمصالحة الوطنية خصوصا بعد الحرب الطائفية البغيضة التي راح ضحيتها عدد مجهول من الابرياء بعد تفجير المراقد المقدسة في سامراء . ربما يقول البعض ؛ لقد تم عقد العديد من المؤتمرات الحكومية من اجل المصالحة الوطنية !! هذا صحيح لكنها مؤتمرات ليس للمصالحة بمعنى المصالحة الوطنية الحقيقية ، بقدر ما هية للدعاية الداخلية والخارجية لخدمة اهداف الحكومة العراقية مثلما فعلت الحكومة السعودية عندما جمعت اطرافا عراقية في مكة للمصالحة بين العراقيين من اجل ابعاد الشبهات عنها خصوصا انها مفتي الحرب الطائفية في العراق .
لايمكن الحديث عن المصالحة دون معرفة الخصومة وتحديد اطرافها وقدرة الاطراف على تقديم تنازلات هنا وهناك من اجل مصلحة اكبر ,ولا يمكن ان تتحقق المصالحة بدون وجود طرف محايد يقدم مقترحاته الى اطراف الخصومة ويقرب وجهات النظر بينهما وقبل ذلك يستمع لها بكل انصاف وحيادية .
ماهية الخصومة من حيث الشكل والمضمون التي يريد السيد المالكي مؤتمرا للمصالحة فيها ؟؟ هل هي سياسية ام دينية ام ادارية ام كل هذا معا ؟؟ ماهية موضوعة الخصومة لدى الطرف الاخر ؟؟
لا شك ان السيد المالكي يتحدث هنا عن الخصومة السياسية وانه حدد اطرافها باعتباره رأس الحكومة على الرغم انه ترك الباب مفتوحا لمشاركة الجميع في هذه المصالحة ، باستثناء المتطرفين الارهابيين التكفيريين .
وغاية مؤتمر المصالحة لديه هو توطيد الوحدة الوطنية وضم الاخرين الى الصف الوطني بدلا من ذهابهم الى صف الارهابيين المتطرفين .
لم يحدد لنا بيان المالكي المقتضب ماهية الخصومة سوى اشارة الى الوحدة الوطنية ، عليه يجب تسليط الضوء على الخصومة بشكل عام وعلى اطرافها الداخلية حصرا مع الاشارة في سياق الحديث الى اطرافها الخارجية :
اولا :ماهية الخصومة عند السنة : هي شعورهم بالتهميش منذ سقوط صدام الى هذه اللحظة ؛ وهم ينقسمون حسب نوع التهميش الى ثلاثة اطراف ؛ جماعة يعتقدون انهم مهمشون سياسيا؛ جماعة اخرى تعتقد انها مهمشة دينيا ( طائفيا ) والثالثة تعتقد انها مهمشة سياسيا وطائفيا . ويعتقدون ان هذا التهميش مقصود من الحكومة العراقية ” الشيعية ” ومدعوم من ايران التي تسيطر على الحكومة العراقية حسب اعتقادهم .
ثانيا : ماهية الخصومة عند الحكومة ” الشيعية” : هي شعورهم بالمظلومية ؛ وهم ينقسمون الى : المظلومية السياسية منذ تأسيس العراق الحديث الى الان ؛ المظلومية الدينية منذ 14 قرن ولحد الان ؛ المظلومية السياسية والطائفية معا . ويعتقدون ان ما يتعرضون له من تفجيرات يومية منذ سقوط صدام ولحد الان هو بسبب تحالف بين التطرف السني ( النواصب ) مع بقايا حزب البعث المحظور في العراق وبدعم مالي ومعنوي من الوهابية في السعودية من اجل افشال الشيعة في حكم العراق .
ماذا بعد ؟
يبدو ان النقطة المهمة التي يمكن ان تكون ارضية صالحة للمصالحة هي ( التهميش السياسي ) و ( المظلومية السياسية ) لان الكلام السياسي فيه مرونة قابل للحركة والتجديد والتنازل هنا او هناك من اجل مصالح عامة ، على العكس من الخصومة الدينية الطائفية التي تتعلق بالعقائد والروايات المقدسة والتاريح البعيد والتي من الصعوبة ايجاد حل لها في مؤتمر للمصالحة يعقد لمدة ايام وترعاه الحكومة التي هي جهة سياسية وطرف في الخصومة .
ماهية اطراف الخصومة السياسية اذن ؟؟
حزب الدعوة الاسلامية الحاكم بقيادة المالكي مع حزب البعث المنحل حسب الدستور العراقي النافذ. ثم اطراف ثانوية تابعة لهما في صراع سياسي واضح للعيان بحاجة الى تسليط الضوء عليه من اجل انطلاق المصالحة الحقيقة في العراق .
في الحلقة القادمة سيكون موضوعنا عن ماهية اطراف الخصومة السياسية .