23 ديسمبر، 2024 8:15 م

مناقشة قـانون التـقـاعد الجديد : ملاحظات .. مفارقات .. مقترحات – 1

مناقشة قـانون التـقـاعد الجديد : ملاحظات .. مفارقات .. مقترحات – 1

بعد صبر طويل و معاناة أليـمة .. خرج قانون التقاعد الموحد الى النور ، وكان يفترض أن اكثر من يفرح و يستبشر بالقانون  الجديد هم شريحة المتقاعدين قبل 1 / 1 / 2008 .. هذه الشريحة هي المظلومــة من بين المتقاعدين الآخرين  .. لماذا ..؟ لأن قانون التقاعد الساري و المرقم ( 27 ) في 2006 قد صنـّف المتقاعدين الى نوعين : نوع تقاعدَ قبل 1/1/2008 ونوع تقاعد بعد هذا التاريخ … طوال المدة الماضية و لحد الآن يستلم متقاعدي النوع الأول رواتب مقطوعة ( دفعات ) ، لا على أساس معادلة تقاعدية أو سنوات خدمة أو شهادة أوما شابه .. بينما يستلم النوع الثاني تقاعد أصولي وفق معادلة ألـ 80% و وفق جدول الرواتب الجديد …!! لماذا هذا التصنيف بين المتقاعدين .. سألنا مراراً و سئلَ غيرنا .. لكن لا أحد أجاب ..!

دعونا نناقش القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان العراقـي مساء يوم 3 / 2 / 2014 .. والذي لم يـُرقـّم لحد الآن ألاً بعد أن يأخذ الموافقات النهائية .
ولابد من القول ومن باب الحق أن الكثير من مواد القانون أيجابية وفيها فوائد مالية واجتماعية للمتقاعدين و خـَلـفهم و لشرائح أخرى شملها القانون .. كما لابد من الأشارة الى شمول القانون العاملين في القطاع الخاص مما يعني تنشيط و تشجيع العمل فيه … ولكننا لسنا بصدد الحديث عن الأيجابيات لأنها واجـبة على الحكومة و البرلمان وهي من حقوق المواطن على دولته … كما أن وجود الأيجابيات لا يمنع من تأشير نقاط الخلل و التحايل التي أحتواها القانون .

    ملاحظات عامــّـة :

1-    نص القانون الذي سنناقشه مُـستل من الموقع الرسمي لمجلس النواب .. وهذا رابطه :
http://www.parliament.iq/details.aspx?LawN=%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88) )
2-    من المفارقات المضحكة المُـبكية  أن الضجيج الأعلامـي الحاصل بعد أقرار القانون على فقرة الأمتيازات لكبار المسؤولين و النواب .. لحد الآن يتحدّث عن الفقرة ( 38 ) ..! بينما الفقرة المقصودة هي ( 37 ) .. و هذا أن دل على شئ فأنه يدل على أن من يتحدّث عن الفقرة ( 38 ) لم يقرأ القانون .. وأن النواب الذين تحدّثـوا عنها و كأنها هي فقرة الأمتيازات هم أمـّا لم يقرأوا القانون أو يضحكون على الناس و الأعلام ..!
3-    سـُمـّي القانون الجديد بــ ( قانون التقاعد الموّحد الجديد ) .. و مفردة الموّحد تحتمل معنييَن .. الأول هو لم شمل كل شؤون المتقاعدين في العراق في قانون واحد لكي لا تتبعثر الحقوق و تتضارب في عدة قوانين .. وهذا شئ حسِـن .
و المعنى الثاني هو توحيد الحقوق التقاعدية لجميع المتقاعدين وفق معادلة منصفة تأخذ بعين الأعتبار سنوات الخدمة و الشهادة و الدرجة الوظيفية بغض النظر عن الموقع الوظيفي أو المنصب ..! وهذا يصب في خانة العدالة الأجتماعية .. فأي الأحتمالين ينطبق على القانون الجديد ..؟؟
 في الفصل الثاني من القانون  – الاهداف والوسائل والسريان –  تقول المادة ـ 2ـ ما نصـّه :
(( اولاًـ يهدف هذاالقانون الى ما يأتي :
أـ تحقيق العيش الكريم للمشمولين بأحكامه .
ب – المساهمة في تعزيز قيم التكافل الاجتماعي والوصول إلى معادلة منصفة تضمن العدالة في توزيع الدخل بين افراد الجيل الواحد والأجيال المتعاقبة(( .
وفي الخاتمة تحت عنوان الأسباب الموجبة .. يقول القانون نصاً : (( لغرض تحسين الظروف المعاشية للمتقاعدين ، ولغرض تشجيع العمل في القطاع الخاص من خلال تسهيل انتقال المنافع بين القطاعين العام والخاص ، وبغية توسيع قاعدة شمول القانون لفئات اكثر، ومن اجل انصاف شهداء العمليات الارهابية وذويهم من منتسبي الجيش والشرطة ، ولتقليل الفوارق بين المتقاعدين… شٌرع هذا القانون. ))
فهل حقق القانون هذه الأهداف …؟؟ الجواب بالطبع كلا .. بل حصل ألتفاف على الهدف و الأسباب الموجبة ، كما سنرى لاحقاً .
4-    بعد أفتضاح أمر الأمتيازات الغير شرعية و الغير قانونية لكبار المسؤولين والنواب .. و تحت ضغط الأعلام و الناس .. تابعنا و لحد الآن تسابق البرلمانيين و الكتل السياسية الى التبرؤ من التصويت على مادة الأمتيازات في القانون و كأن كائنات فضائية صوتت على الفقرة …! و بشكل مثير للأشمئزاز و مثير للأنتباه أيضاً ..! أذ يـُشكـّل هذا الرفض  دلالة واضحة على عدم مشروعية هذه الأمتيازات ..! وهذا يعني أن بالأمكان ألغائها الآن من قبل خمسين نائباً ( رافضاً لها ) يقدمون طلباً بذلك وحسب ما يسمح به النظام الداخلي للبرلمان .. الآن و ليس بعد الأنتخابات القادمة .. وهو أمتحان حقيقي لصدق تبرّؤهم من فقرة الأمتيازات ..! لأن تأجيلها الى ما بعد الأنتخابات يعني أن الناس ستنسى الموضوع لتـنشغل  بموضوع جـديد هو ( مـوّال ) الحكومة الجديدة و رئيس الوزراء الجديد و رئيس الجمهورية الجديد ..! كما نسينا الآن في خـضم رفض المادة 37 و الخدمة الجهادية .. نسـينا كل المآسي الأخرى و قصص الفساد و البسكويت المتعفن و مصفى ميسان و قصف الفلوجة و حرب الأنبار و فشل الحكومة في الخدمات و الأمن وما الى ذلك … يبدوا أن سياسة تدويخ المواطن في أزمات متتالية سياسة ( مـُـسلـّية ) تنهجها الحكومة و البرلمان لتمرير ما يشاؤون …!!!

    ملاحـظات مباشرة :

1-    في الفصل الأول – المادة الأولى – تعريفات – الفقرة سابعاً .. يـُعرّف القانون الموظف بالنص التالي : (( الموظف : كل شخص عـُهدت إليه وظيفة مدنية او عسكرية او ضمن  قوى الامن أو مكلف بخدمة عامة والذي يتقاضى راتبا أو اجرا أو مكافأة من الدولة وتستقطع منه التوقيفات التقاعدية .))

وهذا أبتداءاً لا ينطبق على اعضاء مجلس النواب جميعاً .. لثلاث أسباب :
–    عضو مجلس النواب هو شخص متطوّع لخدمة الناس من خلال مجلس النواب .. ولم يـُجبره أحد و لم يطلب منه أحد التطوع و الترشيح لعضوية المجلس.. و المتطوَع لا يرتجي مكاسب جرّاء تطوّعــهِ .. كما هو المـُجاهد …!
–    هو ليس موظفاً في الدولة أثناء وجوده في البرلمان ..!
–    لا تــُـستقطـع من راتبه أو أجره أي توقيفات تقاعدية ..!
أذن بهذا النص وحده لا يجوز منح عضو مجلس النواب راتباً تقاعدياً و تحت أي مبرر ..! و يـُـعزز هذا الرأي نص الفقرة الثامن عشر- في نفس المادة الأولى عندما تـُعرّف الوظيفة التقاعدية بالنص التالي: (( الوظيفة التقاعدية :  الوظيفة المؤداة في الدولة ومستوفى عنها التوقيفات التقاعدية.))

2-    في المادة – 12 – الفقرة ثالثاً .. يقول النص : ((ثالثاً – للوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة إحالة موظفي الشركات والدوائر الممولة ذاتياً الخاسرة لمدة ( 3 ) ثلاث سنوات متتالية الى التقاعد اذا كانت لديه خدمة لاتقل عن (15) خمسة عشر سنة استثناءا من شرط العمر .
هذه المادة تشمل بالأساس موظفي شركات و مؤوسسات وزارة الصناعـة و المعادن .. والتي هي في معظمها شركات و منشأات التصنيع العسكري سابقاً .. في ظاهر المادة تبدوا أنها لتشجيع هذه الشركات على المثابرة و العمل لتطوير نشاطاتها بما يـُحقق لها التمويل الذاتي فعلاً  لكي يتجنـّب موظفيها الأحالة القسرية على التقاعـد .. و لكن واقعياً هي لتصفية ما تبقـّى من صناعتنا الوطنية ، خصوصاً أذا ما علمنا أن وزارة الصناعة و المعادن و الدولة عموماً لـم تـُقدّم الدعم و الأهتمام المناسب و الكافي لتطوير اداء و أنتاجية هذه الشركات طوال السنين السابقة حسب ما أعرف شخصياً من خلال تعاملي المباشر معهم .. و حسب ما نلمسه من غياب الصناعات الوطنية ..! فما ذنب منتسبي هذه الشركات وما ذنب عوائلهم لكي يـُجبروا على التقاعد في سن مبكـّرة ..! و يعلم الجميع أن هذه الشركات تضم عدد كبير من المهندسين و الأختصاصيين و الأداريين و الفنيين ذوو الخبرة و الكفاءة في ميادين تخصصهم .. و بناءاً على تطبيق هذه المادة ستخسر الدولة خبرات مهمة و بأعمـار ليست كبيرة بالأمكان الأستفادة منها في نفس شركاتهم بعد توفير الدعم الكافي لتطوير أداء هذه الشركات و بالتالي نـُنشـّط صناعتنا الوطنية لتكون رافداً آخـر للدخل القومي بدلاً من أستمرار الأعتماد على الرافد النفطي فقط .. و بدلاً من أن نستورد كل شئ حتى الشخاطة كما هو حاصل الآن … او أستثمار خبراتهم في وزارات و شركات حكومية أخرى ..!

3-    تقول المادة ـ 14 ـ فقرة أولاً .. ما نصـّه : (( اولا – يحال إلى التقاعد الموظف المعين بمرسوم جمهوري أو بأمر من مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء أو هيأة رئاسة مجلس النواب بالكيفية التي تم تعيينه فيها.
و هذه الفقرة تــُـشرعن  كل التعيينات الخاصة للحبايب و ( الرفاق ) و المقربين و التي تمـّت بأمر من رئيس الوزراء و رئيس الجمهورية أو رئاسة البرلمان ..! وهي بمثابة التفاف على مبدأ العدالة و على قانونية تعيين هؤلاء … كما أن عبارة ( بالكيفية التي تم تعيينه فيها ) و كما فهمتها تعني أن المستشار يبقى مستشار متقاعد و الوزير وزير متقاعد و وكيل الوزير وكيل متقاعد … ألخ و بالتالي سيكونون مشمولين بالفقرة 37 ، لأن هذه الفقرة لم تشترط الحد الأدنى لسنوات الخدمة التقاعدية وهو 15 سنة …!!
 
عــُـذراً لكم … وجدت أن الموضوع يحتاج الى مساحة كبيرة .. و خشية تسلـّل الملل للقارئ الكريم .. سنكمل غداً

[email protected]