22 ديسمبر، 2024 2:13 م

مناقشات موازنة 2017 والتعجيل بإقامة إقليم البصرة أو الانفصال

مناقشات موازنة 2017 والتعجيل بإقامة إقليم البصرة أو الانفصال

ليست جذوري من أرضها الخالدة , ولم أزورها سوى عددا قليلا من المرات , ولكني أكن لها حبا كبيرا ويشدني إليها شوقا اعجز عن وصفه بكلمات ، إنها البصرة الفيحاء التي علمتنا الكثير من الأشياء , فالبصرة التي يعيش من خيراتها اغلب العراقيين ، لم تنعم يوما بحصتها العادلة من ثرواتها ولم يهدأ لها بال فكانت ولا تزال من اكبر المانحين والمضحين ، فقد شهدت أرضها معارك وحروب وأمراض ومرت من بوابتها القوافل التي جلبت الشر والخير من كل الاتجاهات , ومن كثرة خيرها فقد احتضنت أرضها نخيلا بأنواع نفيسة من النمور لكي يستظل العراقيون بفيء سعفها ليكتبوا أجمل القصائد كما فعل السياب ، ومن البصرة تستخرج وتصدر أكثر نفوط العراق وتنتج معظم إيرادات العراق , ولكنها تعيش أسوة بمدن العراق فقرا وتخلفا وقصورا في الخدمات وتفتقر لأبسط المستلزمات من الخدمات والماء الصالح للشرب ، وفي البصرة تتواجد كوادر وملاكات غاية في الذكاء والتفوق بمختلف الاختصاصات ، ففيها جامعة البصرة العريقة والجامعات المستحدثة وعشرات المراكز التخصصية التي كانت ولا تزال منهلا للعلم والمعرفة والتطبيق ، والحركة الأدبية والرياضية والفنية في البصرة غنية عن الوصف لأنها حققت انجازات عديدة داخل وخارج العراق وما المربد إلا شاخصا وشاهدا على التفوق العالي للبصريين ، وفي البصرة أيضا المنفذ البحري الوحيد الذي يطل على العالم من خلال الخليج العربي ، الذي يمكن من خلاله ربط مشرق العالم بمغربه وبالعكس فالبصرة هي بوابة الدوران حول العالم بأقل التكاليف ، وقد تساءل الكثير خلال التاريخ عن أسباب بقاء البصرة متمسكة في البقاء مع العراق رغم إن جميع عوامل الانفصال قائمة ، والسر يكمن في محبة أهلها للعراق والعراقيين والعيش معا في السراء والضراء ، وبعد تشريع قانون الأقاليم سنة 2008 بدأت بعض المحاولات لتحويل البصرة إلى إقليم ، ورغم القناعة الكبيرة بالحاجة الملحة إلى تشكيل إقليم يبقى تحت خيمة العراق بأقل درجات الحرمان ، كرد فعل على الظلم الذي تتعرض له البصرة من حيث حصتها من الموازنة والتعامل معها بأقل من كونها اكبر منتج للدخل وافتقارها لأبسط الخدمات مثل الكهرباء كونها من أكثر المحافظات ارتفاعا في درجات الحرارة في فصل الصيف ، ناهيك عن الظلم الذي تتعرض له من التمثيل في المواقع والمناصب في الحكومة الاتحادية ، رغم أنها تشكل نسبة مهمة من مجموع السكان ويمتلك سكانها المهارات والخبرات والقدرات التي تؤهلهم لإشغال أعلى المناصب ، فقد تريث البصراويون عن الإلحاح في طلب إقامة إقليم البصرة لسبب أساس ، وهو أن الظرف السياسي للبلد ليس مناسبا وإنهم لم يريدوا أن يكونوا سببا في جلب المزيد من الألم للعراق .
وبدلا من تفهم هذا الموقف الوطني المشرف , فقد راح البعض يزيد من الضغط على آلام البصريين من خلال تقليل حصتهم من الموازنة والبترو دولار وعدم تلبية الاحتياجات الضرورية من الماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها من الخدمات ، بل إن الأمر امتد لمحاولة نشر الفرقة بين المكونات وافتعال الأحداث والخلافات لكي يقال عنهم إنهم غير مهيئين لتشكيل إقليم ، وقد ترفع عنها العقلاء وراحوا يحلون مشاكلهم ويحاولون درأ الفتنة وتجفيف منابعها ، وفي ظل الأحداث التي شهدها العراق في الدفاع عن المقدسات ومحاربة الإرهاب ، ارتفعت الأصوات مرة أخرى لإقامة إقليم البصرة كاستحقاق قانوني ووطني ، وهو مطلب لا يختلف عنه الكثير ولكن حياء وأدب وخلق أهل البصرة هو الذي يدعوهم للتريث في هذا الموضوع ، لكي لا يسمحوا لأحد أن يقول يوما بان الإقليم قد تمت إقامته في ظرف والعراق فيه في حالة نزف وكأن الأمر استغلال للموقف ، والجميع يعلم أن البصرة بإمكانها أن تحصل على الإقليم لان جميع المتطلبات متوفرة سواء ما يتعلق بالجانب البشري أو المادي ولكن المسالة من وجهة نظرهم تتعلق بأكثر من القانون والمتطلبات ، ومما اثار قريحتي لكتابة هذا السطور ما شهدناه أمس عند التصويت على قانون موازنة 2017 فقد انسحب بعض نواب البصرة ليعبروا عن استيائهم في عدم الاستجابة لما طرحوه من مطالب بصراوية تحوي قدرا من الاعتدال وتخص حصتهم من إنتاج النفط ، كما استحضرت حديثي مع عدد من شباب البصرة ( من غير السياسيين ) في استراحة تناول الشاي عند انعقاد إحدى الملتقيات العلمية في بغداد ، إذ سألتهم لماذا تتساهلون في حقكم بإنشاء الاقليم وانتم مصدر ثروات العراق التي تمد الموازنة بأغلب الإيرادات ، فأجابوني بان هذه الثروات ليست لأهل البصرة بل إنها هبة الله للعراقيين وقد شاءت إرادته أن يكون مكانها في البصرة ولا يمكن أن نقدم أنفسنا على أهلنا بل نتشارك معهم رغيف الخبز بكل حب واحترام ، فالعراقيون جميعا دافعوا عن البصرة عبر التاريخ وقدموا التضحيات ليس طمعا بنفطها وإنما حبا بأهلها الكرام .
وفي الطرف المقابل جغرافيا من جنوب العراق ، تطلق يوميا العديد من التصريحات التي تدعوا إلى حق تقرير المصير والرغبة في الانفصال ، رغم الفارق الشاسع والكبير بين محافظات إقليم كردستان ومحافظة البصرة من حيث الأمن والاستقرار والرفاهية والخدمات والشعور بالمظلومية أو غيرها من العوامل التي يمكن استخدامها للمقارنة ، فلو تمت المقارنة بين البصرة وكردستان ، ربما لا تحصل فيها البصرة على عشرة من مئة درجة في أحسن الأحوال ، وفي تصريحات لمسئولين بعد زيارة السيد ألعبادي للإقليم ، قالوا إن المشكلات والخلافات لا يمكن حلها جميعا في زيارة واحدة وان مطلب الانفصال يبقى حقا للإقليم رغم تلك الزيارات ، ولعل أجمل ما في تصريحات المسئولين في الإقليم أنهم يعلنونها في الملأ دون أي حرج ولكنهم لا يحددون الوقت الذي سيتم اختياره للانفصال ، والفارق بين البصرة وكردستان إن الراغبين في إقامة إقليم البصرة يتكلمون عن الموضوع بتأني وبمسمى العراق ، والكثير يعرف السبب وهو طبيعة تكوين أهل البصرة الذي يجعلهم لا يطلبون طلبا إلا وهو في وقته السليم وسياقه الصحيح وعدم ترسخ مطاليب تاريخية بشان الموضوع ، ولا نعلم هل يمكن أن تكون تلك حسنة في السياسة كما هي في العلاقات الاجتماعية والحياة ، ولا يعني ذلك قط إن السياسيين في البصرة تغلبهم العاطفة في التفكير والقرار فهم يمتلكون قدرات هائلة أهلتهم ليكونوا ورثة لثورات عديدة شهدتها البصرة عبر السنين ، وفي كردستان أيضا لم يتخذوا فكرة الانفصال من فراغ لأنها ليست وليدة اليوم ولم يطلقوها للتطبيق بعد لأنهم بانتظار التوقيت المناسب لأنها فكرة تقبل التأجيل دون الإلغاء ، ولكن الحديث عن هذا التوقيت له العديد من التفسيرات والتساؤلات والاستنتاجات ، التي لا تزال في مرحلة التحضيرات وربما سيكشف عنها في القادم من الأيام سواء بعد تحرير الموصل أو لما بعد ذلك ، فالمسالة مهمة ولها حسابات أخرى وبعض مفاتيحها ليست في الداخل لكونها ترتبط بحسابات إقليمية ودولية لا تخلو من تعقيدات جمة لا يمكن اتخاذ القرار بشأنها بشكل منفرد أو على وفق حسابات منفردة بمعزل عن متغيرات أخرى اغلبها معروفة للمعنيين بالموضوع .