البوعلي سليمان عائلة عريقة في مدينة الرمادي ، وكانوا منذ عشرات السنين من مشايخ الانبار ومن وجوهها المعروفة، عالميا، ولها مآثر خالدة في رعاية أهل الانبار وفقرائها ومحتاجيها، إذ كانت هذه العائلة الكريمة تمتلك ما يقارب من ثلث مساحة مدينة الرمادي وسوقها الكبير وعماراتها وبيوتها وشققها السكنية.
مئات البيوت والشقق والمحلات التجارية في مدينة الرمادي تعود ملكيتها لهم، ولكنهم قاموا بتأجيرها الى المحتاجين بأجور رمزية منذ عشرات السنين، كانت تسكنها العوائل الفقيرة، في الخمسينات والستينات والسبعينات، ولم يخل مضيف عائلة والدهم المرحوم علي السليمان من كبار مشايخ العراق والعرب في ديوانه العامر الكائن في منطقة الحوز وسط الرمادي.
وشاءت الاقدار أن أسكن بجوار بيتهم لبضعة سنين، منتصف السبعينات ، وتجد بيتهم وقد تحول الى مضيف عامر ، لايتوقف عن استقبال العشرات من قاصدينه من مشايخ ووجهاء وموظفين كبار في الدولة والمجتمع، وفقراء الناس الذين يبحثون عن ملاذ آمن في بيتهم العامر، الذي كانت تتقاطر عليه العشرات ليل نهار، وبلا كلل أو ملل، لأنهم أهل ضيافة كريمة ، يؤمهم من يريد ان يظهر تقديره لهم، أو من يقصدهم لحاجة في نفسه،وبسبب إنشغالنا بالبعد عنهم لم تكن لدينا صلة مباشرة بهم، ولكن ذكراهم الطيبة بقيت تعطر أطيابنا لعشرات السنين.
وفي أحد المرات ، زار الرئيس السابق صدام حسين مدينة الرمادي منتصف السبعينات يوم كان نائبا للرئيس على ما أذكر ، واستقبله كل شيوخ الانبار في مركز مدينة الرمادي، الذين جاءوا من كل بقاع المحافظة لاستقباله، عدا الشيخ علي السليمان، وكان عدم حضوره انذاك ، محل عدم رضا الرئيس، الذي وجد في هذا الغياب موقفا غير ودي من قبل الشيخ علي السليمان ، وقد سئل في وقتها عن أسباب غيابه عن الحضور ، فأجابه الشيخ علي السليمان من خلال مقربين ، ان صدام حسين هو من يأتي الى مضيف علي السليمان ، وليس العكس، فتكونت صورة سلبية في العلاقة بين الرجلين، دامت سنين طويلة، رغم ان أولاده حاولوا إصلاح ذات البين، بين الطرفين.
ويعتقد والدهم الشيخ علي السليمان، ومن بعده أبنائه وأحفاده ، ان المشيخة تعني أن يكون للرجل استقلالية وكرامة وإباء ، يحاول قدر امكانه ان لاينزل بها الى مستوى السياسة، ومن يركب موجتها، ولم تدخل عائلة الشيخ علي السليمان، معترك السياسة، لانهم يرون انفسهم أكبر من السياسيين من حيث المكانة والمنزلة، أما وجودهم الإعلامي حاليا فينطلق من خوفهم على محافظتهم من أن تمتهن كرامتها، وتواجه مخاطر ان تنحدر مكانتها، بعد ان واجهت اهمالا ولامبالاة من رجال السياسة الجدد الذين لم يقدروا مكانة الشيوخ الأصيلين ، حق قدرها، ولم يضعوا لاعتباراتهم المكانة التي يستحقونها، ما حدا بهم الى الظهور، لا لإظهار انهم موجودون، لانهم موجودون وهم أعلاما ترفرف ، ومكانتهم ما زالت تشرق ويتفيء بفيئها أهالي الانبار وشيوخها ووجهائها، ولكن لإفهام من لم يفهم معنى وقفة الرجال، أن اهل الانبار حاضرون دوما ، حيثما يتطلب حضورهم، ولن يقبلوا لكائن من كان ان يسرق الاضواء منهم، وهم علية القوم، وحمى حماها، يوم تتعرض الاوطان الى الامتهان.
واولاد الشيخ علي سليمان هم الشيخ عامر والشيخ رعد والشيخ حاتم وعبد الرزاق والشيخ ماجد ، وكانو وما زالوا من أحد أكبر مشايخ الانباروأكثرهم قوة ونفوذا، وهم معروفون على صعيد مشايخ الخليج، ومعروفون عالميا ، وبخاصة في بريطانيا، التي منحتهم في بداية احتلالها للعراق بعد الحرب العالمية الأولى، مكانة رفيعة، ووضعتهم في مقدمة المشايخ التي تذكرهم بالاعتزاز، لما كانت تمتلك هذه العائلة من قوة تأثير في ذلك الوقت يعرفها القاصي والداني.
ولا زال الألاف من أبناء الرمادي وعموم محافظة الانبار وكثيرون من بغداد، يظهرون المودة للشيخ علي الحاتم السليمان ، الشاب العربي العراقي، الذين ينهل من عبائة أهله وجده ، مايرفع رأس كل عراقي ويشعر بالزهو والكبرياء، لأن في العراق رجالا بهذا المستوى من الخلق العربي الرفيع والقيم التي هي محل فخرنا وتقديرنا، ولولاها لما بقي شأن لأهل الانبار، ولعمه الشيخ رعد العلي السليمان الذي له مواقف مشرفة، نحمد الله لأن حفظ لنا بعض شيوخنا الأصلاء، فهم تاج رؤوسنا ومحل اعتزازنا وبهم نفخر ونفاخر الدنيا، بأن في الانبار رجالا ذهبا ومن معادن ثمينة كالجواهر، تتلألا إصالة ولمعانا وبريقا، وهم من نستلهم من ذكراهم الطيبة ما يرفع رؤوسنا الى السماء.
طوبى لكل شيوخ الانبار الذين عرفوا أقدارهم، وبقوا كبارا في أعين الجميع، ، وهم كثيرون بعون الله ومضايفهم عامرة، ومواقفهم مشرفة .. لكن أسفنا الشديد وعتبنا الكبير على ( البعض ) ممن انحدر منهم الى هاوية رخيصة لايتمناها لهم أهل الانبار، يوم اداروا ظهورهم لأهلها الطيبين وتركوا بني جلدتهم، يأنون تحت محنة النزوح الاخيرة التي تحولت المحافظة بسبب مآسي الحرب التي شنتها الحكومة عليهم ، ما ادت الى خراب البيوت وتهجير عشرات الالاف الى محافظات أخرى وهم الان في أزمة خانقة ألمت بهم وحولت حياتهم وعيشهم الى جحيم لايطاق، ولكن أهل الانبار لايرتضون لبعض رجالها، ان ينحرفوا عن قيمهم ويلبسوا ثيابا ليس من ثياب أهاليهم، وتبقى مواقف الاخيار هي التي تذكرها الاجيال، أما مواقف الآخرون التي لاتنسجم ومواقف كبار القوم، فلن يذكرها أحد، الا بما لايسر الحال، ويكدر الخواطر، وهو ما لايريده اهالي الانبار لمن خرج عن جادة الصواب، ارضاء لمصلحة شخصية أوز مغنم دنيوي، سوف لن يكون لصاحبهما ما يمكن أن يفخر بها أحفاده،أمام مريديه وأصحابه، وبين علية القوم، لأن صفحات ( البعض ) هذا لم تعد بيضاء بكل تأكيد .