مقابر قريش إسم قد يوحي بالغضب، لأنه يذكرنا بشيوخها الجهلاء والمنافقين، الذين آذوا الرسول الكريم وآل بيته (عليهم السلام أجمعين)، وأعدوا العدة والعدد، لمحاربة ذرية فاطمة وعلي (عليهما السلام)، منذ أوائل أيام الدعوة الإسلامية، وحتى يومنا الحاضر، (أولئك الذين إشتروا الحياة الدنيا بالأخرة، فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون).
منطقة مثل بغداد، إختارها الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، ليشتري قطعة أرض، وليدفن فيها لأنه على علم بمجيئه اليها، حيث ظلم وطغيان الخليفة اللا رشيد، الذي ضيق على الإمام، وأودعه في سجون كثيرة، والتي ما كانت إلا لتقربه من الخالق عز وجل، فجعلته بحق راهب آل محمد، وصاحب السجدة الطويلة.
القلوب المؤمنة، هفت نحو الإمام المعصوم، في حضوره وحضرته، حيث تزهو الأنوار المحمدية، العلوية، الفاطمية، الحسنية، الحسينية، والتي كظمت غيظها، حتى عن أعدائها محتسبة عند العلي الأعلى، فصارت عنواناً وعنفواناً للشهادة، وبين صاحب الدمعة الساكبة، ووجع المعذب في قعر السجون، يكتب تأريخ الكاظمية المقدسة، ليكون صوت من لا صوت له.
مطامير بني العباس، التي إحتضنت جسد الإمام الكاظم (عليه السلام)، توقعت أن تخفي تحت ثناياها نوره الثاقب، وليتضح مدى خوف السلطة العباسية الحاكمة من خروجه (عليه السلام)، ليحكم الامة التي تدرك جيداً، أن الكاظم أمير المؤمنين العادل، وحجة البارئ على خلقه، وإنهم مجرد أدوات للمطامع الشخصية في الحكم لا أكثر.
قضية عادلة أراد بنو العباس إنهائها، بسم غدرهم عبر وضع جثمان الإمام المسموم، على جسر الرصافة بإستخفاف، ولم يدركوا أن الله سيمنح مرقده العظمة والهيبة، بلا حدود أو قيود، فتهوي أفئدة الناس اليه، من كل حدب وصوب، فيدخلون حضرته أفواجاً، ويشيعون إمامهم الطيب الصالح الطاهر، أبن الأطهار الكاظم (عليه السلام).
منبر علوي جعفري مهيب، تصدر منابر الإسلام، ضد ظلم بني العباس، رغم قرابتهم من البيت المحمدي الشريف، فأصبحت الأرض ومن عليها، تشكو أمرها لإمامها المعصوم، لأنها شعرت بدستورها وحقها، في فكر هذا الإمام الزاهد العابد، الذي إنتظره الشيعة طويلاً، لتتشرف أرض بغداد بعدها، بإحتضان مرقده الى يوم يبعثون، والعاقبة للمتقين.