لو تجولت الآن في بغداد كلها فلن تجد صورة واحدة للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي أو للرئيس جلال الطالباني، وهذا أمر مستحسن يدل على تفهمهم للمردودات السلبية لمثل هذه الصور التي كانت مما يؤخذ بشدة على النظام السابق وانتهت مرجومة بالحجارة والأحذية.. ولكن الشئ الملفت للنظر هو أن غزت بغداد في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة تمثلت في انتشار مئات الصور لرجال من الطائفة الشيعية تحديداً، بعضهم رؤساء أحزاب وبعضهم رجال دين من المعممين وقد بدأت صورهم تزحف شيئاً فشيئاً على أغلب مناطق بغداد وبطريقة تجعلنا نتساءل، ومع كل احترامنا لهم، أليس هذا مخالفاً للجهود التي تحاول منع ما يثير أي نوع من أنواع الفتن الطائفية والتي ذقنا مرارتها في أيام خلت لا أعادها الله علينا؟؟ وهل يجوز للسنة بالمقابل مثلاُ أن يرفعوا صوراً لشخصيات جماهيرية وتاريخية بحيث يضعنوها في كل مكان.. هذا لا يجوز طبعاً إذا كان مثيراً للفتنة لإن هذا النوع من الصور سيكون جزءً من مخطط استفزازي يريد الدوس في البطون واشعال الفتنة من جديد… أنت الآن لو ذهبت الى الراشدية أو إلى محافظة ديالى لوجدت الأعلام والصور الطائفية ممتدة على طول الطريق.. ولا يذهب الظن إن هذه الصور قد ظهرت فجأة بمناسبة عاشوراء لأنها موجودة منذ سنوات وتتخذ لها وسائل ماكرة من أجل الظهور بقصد الاستفزاز الواضح والمسيس، كأن ترفع في واجهة مؤسسة تابعة لحزب معين من أحزاب السلطة أو منظمة دينية ذات مسمى معين. وبدلاً من أن تخف هذه المظاهر بمرور الزمن نجد إنه كلما يمر الوقت كلما ازداد غزو هذه الصور لشوارع بغداد كلها طرقها الداخلية والخارجية وحتى تقاطعاتها المرورية، ويمكن حساب مئات الصور للسيد مقتدى الصدر بمختلف الأشكال والأزياء العسكرية والدينية وهي معلقة في أغلب شوارع بغداد وبالتأكيد وبعد موسم الشتاء سيعلوها الطين والوحل وماء المطر، فما الداعي الى تلويث صورهم بهذه الشاكلة وهم يعلمون إنهم يستفزون بهذه المظاهر الطوائف والقوميات الأخرى كما نسألهم بهدوء شديد هل يجوز أن نفرض على أهالي منطقة شيعية مثلاً تعليق أقوال الخليفة أبو بكر الصديق أو الخليفة عمر بن الخطاب في مدينتهم؟ وهل هناك في بغداد كلها صورة واحدة لرجل دين سني أو مقولة لقائد سني أو مسيحي أو صابئي أم أن الصور كلها هي لرجال دين شيعة وبشكل مقصود بدأ يغزو شوارع بغداد كلها؟؟ علماً بأن كل هذه المظاهر الطائفية مرفوضة مهما كانت طائفة الشخص المعلقة صورته .
إن التوقع بإثارة هذه الصور لاستياء الطوائف الأخرى هو من باب تحصيل حاصل وصمتهم على هذه المظاهر المستفزة هو من الأمور المستحسنة لأنهم يعلمون ماآلت إليه صور الطغاة من قبل ويشاهدون يومياً على التلفاز كيف لم تسلم صور أعتى الطغاة من غضبة الجماهير.. أما إذا كان صمتهم هو من باب الخوف من الإرهاب الفكري الذي تمارسه السلطة فهذا سيقود آجلاً أم عاجلاً إلى تقسيم العراق.. نأمل أن تقود أمانة بغداد التي تستعد الآن لتجميل بغداد عاصمة الثقافة العربية حملة لرفع هذه المظاهر الطائفية من العاصمة لئلا تظن الوفود العربية التي ستزور بغداد إن هذه المدينة التي تحررت من طاغية لم تعد إلا الوجه الآخر له. كما إن بعض اعلانات بغداد عاصمة الثقافة العربية نفسها قد لطشت فوقها صور السيد مقتدى الصدر كما حدث مقابل مستشفى طوارئ الكرخ.. فيالها من مفارقة.