أولا: منزلتها النّورية
إنطلاقاً من النص المعرفي الذي يتداوله علماء الفلسفة والكلام كثيراً، وهو قولهم:(المعرفة بذر المشاهدة).
نكتب سلسلة مقالات معرفية موجزة،في فاطمة الزهراء، ومن ثم نعرج على ظلامتها وأستشهادها “صلواته تعالى عليها”، راجين بذلك رضا الله ورسوله وأهل بيته”صلواته تعالى عليهم أجمعين”، ونسأله أن يجعله في ميزان حسناتنا!.
يقول العلامة الكبير، جامع علم المنقول والمعقول، آية الله الشيخ محمد السند ـ أيده الله ـ في كتابه”أمّ مقامات فاطمة الزهراء” ص21:(لأصول الدين وعقائده موقعية وجودية عالية كما أنّ لفروع الدين موقعية نازلة. فأمّا موقعية الفروع محصورة في النشأة الدنيوية بقسميها الأولى من الدنيا والآخرة منها، وأمّا العقائد الدينية والمعارف الأعتقادية والأصول المعرفية فنشأتها الوجودية تعم وتستوعب عوالم سابقة وعوالم لاحقة.
ولاشك أنّ عظمة وخطورة العقائد متقدمة على فروع الدينّ لاختلاف الموقعية؛ ولذا فكلما كبر الموقع الوجودي للشيء في ما يتعرّض له القرآن يصبح الشيء أشد إحكاماً… وعلى ضوء ما تأسس فإن الأعتقاد والمعرفة بمقامات الزهراء”عليها السلام”، حيث إنه من أصول الدين وليس من الفروع فهو مقام أعتقادي لا تنحصر تداعياته وآثاره وتأثيره على الحياة الدنيا فقط، بل يسع ويتسع إلى جميع العوالم بل إلى ما فوق الجنة الابدية من عوالم النور. وبالتالي يكون نورا ومنهاجا وضياء وصراطاً يعرج به فيها).
يقول الشيخ في نفس المصدر المذكور أعلاه في ص85:(المتتبع لروايات الفريقين يقف على مفاد متفق عليه فيما يخص الوجود النّوري لأهل البيت”عليهم السلام”، ومن تلك الروايات روايات اشتقاق نور فاطمة عليها السلام من نور النبي”صلى الله عليه وعلى آله” ونور علي عليه السلام، وأنّ الأنوار الثلاثة خلقت متعاقبة باشتقاق المتأخر من المتقدم بنحو متسلسل).
في رواية بحار الانوار، للعلامة المجلسي 25/6، عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله”صلى الله عليه وآله”… قال: يا سلمان خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعته وخلق من نوري علياً فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونوري علي عليه السلام، فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن والحسين…).
قال تعالى:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ *وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
يعقب الشيخ محمد السند، على هذه الآيات بقوله: إن الضمير الراجع إلى الأسماء أو المسميات قد عُبّر عنه بضمير الحيّ الشاعر العاقل، لا الجامد غير العاقل، في ثلاث مرات في هذه الأيات، وكذلك أسم الإشارة حيث اُشير إليها ب”هؤلاء”وهو للجمع الحي الشاعر العاقل، فبيّن تعالى أهليّة آدم واستحقاقه للخلافة، بفضل وشرف علمه بهذه الأسماء والموجودات الحية الشاعرة، التي في غيب السماوات والأرض.
ثم ينقل الشيخ رواية عن الحاكم الحسكاني في”شواهد التنزيل” عن أبن عباس قال:(سألت وسول الله”صلى الله عليه وآله”عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.
قال: سأل بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبتّ عليّ، فتاب عليه).
أقول: نور فاطمة عليها الصلاة والسلام، كان سبباً في أستحقاق آدم عليه السلام للخلافة والتوبة.