15 نوفمبر، 2024 5:54 ص
Search
Close this search box.

منازل العطراني – قراءة في رواية جمال العتابي

منازل العطراني – قراءة في رواية جمال العتابي

الوطن ليس قطعة من الأرض و لا مجموعة من البشر ٠
الوطن هو المكان الذي تحفظ في كرامة الإنسان ٠
                                                    ليف تولستوي
عندما يكتب مثقف عراقي من بلد الرافدين مثل الروائي جمال العتابي، يذكرنا بملحمة جلجامش التاريخية لما فيها من سرد جميل، كما ورد في ترجمة طة باقر ، لقد بدأت بقراءة رواية العتابي  ، منازل العطراني، استعدت مع نفسي فطاحل الرواية الروسية الذين لهم منزلة في الأدب العالمي و منهم تولستوي في روايته الحرب و السلام، وكذلك أنطوان  تشيخوف و مكسيم غوركي في روية ( الأم) و استروفسكي في  رواية و (“الفولاذ سقيناه ) و ميخائيل شولوخوف ( الأرض البكر حرثناها)  ، أضافة إلى روائيين  عالمين مثل فكتور هيجو الفرنسي في روايته ( البؤساء ) و الكاتب الكولومبي غابريل غارسياماركيز في  روايته الم  (شهورة (مئة عام من العزلة ) ، وهناك كتاب عراقيين سطروا بأقلامهم قصص في الواقعية الإجتماعية ، جسدت رواياتهم لتاريخ ، من أمثال ذنون  أيوب و غائب طعمة فرمان و فائز الزبيدي و محمود  البياتي و غيرهم  ، سقت هذه الأمثلة لأقول أن الرواية تجسد لنا التاريخ بصفحاته من خلال شخصيات لعبت أدوارا كبيرة هنا وهناك ، و اليوم و من خلال قراءتي لرواية الصديق جمال العتابي ، يمكنني أن أضعه في خانة الروائيين  العراقيين ، أضافة إلى  مساهماته النقدية العديدة  ٠
رواية (منازل العطراني ) تبني أحداث شخصيات التي لعبت أدوار مهمة  ، بلا أسماء صريحة ، ولكنها تشير لتاريخهم ومعاناتهم ، و نجد أنها واقعية في احداثها التاريخية ، حيث تسلسل احداثها منذ ايام حكم  عبد الكريم قاسم  أي بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام  1958 ، وتتعرض لحياة مناضلين دخلوا السجون و ذاقوا صفوف الاضطهاد، خصوصا بعد  انقلاب الثامن من شباط 1963 الدموي ، وبطل هذه  الرواية  هو شخصية محمد الخلف ، البطل الذي هرب من السجن عند وقوع الانقلاب ، و انتقل إلى ريف الكوت ليختفي في بيوت متعددة ٠
 وعلى الرغم من تكتم الروائي عن ذكر بعض الأسماء الحقيقية ، لكن المتابع لتاريخ العراق الحديث لهذه الفترة  ، يمكنه أن  يستدل على تلك الشخصيات و أسمائها الواقعية الصريحة ٠ وكان هاجس الخوف لدى عائلة بطل رواية محمد الخلف قائما  في تنقلاته من مكان لآخر بسبب من أن الانقلابين أقاموا نقاط تفتيش في خارج المدن و لديهم اسماء المطلوبين للسلطة ، فكتبت العتابي يقول [ أحذر يا محمد أن  تصدر عنك اية كلمة تكشف عن هويتك و انت بلا هوية تعريف إياك الكلام، في الصمت النجاة  ، أنه لغة التفاهم  ، ومملكة الإنسان السرية الداخلية  ، في بلدنا يقتل الصمت  ، ينتزعوه منك بالتعذيب  ،بقلع العيون و الأظافر و بالاغتصاب  ] ، و كان ذلك بمثابة مونولوج  داخلي ٠ وهنا نقرأ أن السجين الهارب إلى الحرية ، عليه الالتزام بعدم كشف هويته من خلال كلمة يقولها  ، أضافة أن  التحذير يأخذ صورة بالتعذيب القاسي والذي فعلا تم في التحقيق و يبشع الكاتب التعذيب الذي كان يتم في غياهب السجون التي  فتحت أمام معتقلي الرأي  ٠
و يذكر  العتابي كيف كانت معاناة شخصية بطل الرواية محمد الخلف ، فضلا عن اماله في الانتقال إلى برلمان وإنهاء الحكم العسكري  ، و لكن العكس ما حدث حيث زجت الحكومة بالسجون عدد غير قليل من المناضلين رفاق محمد الخلف  ، الذي  كان  يستمع إلى الراديو الشغال على البطارية في نشرة اخبارية محلية  ، الحكم  عليه غيابيا ، فقد فقد قرأ المذيع مجموعة قرارات في الفقرة الثالثة من النشرة جاء فيها: 1- حكم المجلس العرفي الأول غيابيا على  ( المجرم) محمد الخلف بالحبس الشديد لمدة 5 سنوات لهروبه من السجن 2-قرر المجلس غيابيا الحكم  على ( المجرم) محمد الخلف  بالحبس لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ لتحريضه المتظاهرين على مهاجمة مركز شرطة الغازية  ( النصر )  ، يوم 14 تموز  1959  , مع غرامة نقدية قدرها الف دينار  ، ثم  سفره ليلة وقوع الحادث إلى  العاصمة لإبعاد الشبه عنه ٠ 3- حكم المجلس على ( المجرم) الهارب محمد الخلف غيابيا بثلاث سنوات سجن  ، لمشاركته التظاهرات المطالبة بوقف القتال في شمال العراق عام 1962، على الأجهزة  الأمنية كافة تنفيذ الأحكام حال إلقاء القبض عليه  ، و تسليمه لأقرب مركز للشرطة  ] ٠
وجدت أن الراوي يجسد في عائلة محمد الخلف معاناة الكثير من العوائل العراقية في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق  ،  أي ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز وحكم  عبد الكريم قاسم مرورا بأنقلاب شباط الدموي  وما بعد انقلاب الثامن عشر من تشرين بقيادة عبد السلام محمد عارف  و من استلام أخيه عبد الرحمن محمد عارف  لرئاسة  الجمهورية و حتى انقلاب 17 تموز  1968 واستلام البكر وصدام للسلطة  وما رافقه  من العفو عن السجناء السياسيين و إعادتهم إلى وضأئفهم بإستثناء العسكرين ، وما بعدها قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمي1973-1978 و انهيارها و ما رافق الانهيار من قتل وتعذيب للشيوعيين الذين بقوا في الوطن، و المقابر الجماعية ، و الحرب الإيرانية العراقية و جثث الشهداء، وغيرها من الحروب ٠
وعن الاضطهاد الداخلي و ما رافقه في زمن الجبهة و بعد فرطها من قبل الحليف، نجد أن  ام خالد كأي ام عراقية عانت من الاضطهاد وزيارات زوار الفجر إلى منازلهم ، و اخذ فلذات اكبدهن إلى المصير المجهول و  تغيبهم و استشادهم  ٠
يكتب الراوي في  سرديته النص التالي عن دور ام خالد [يشعر خالد بالوحدة في وقت الغروب لدرجة لا يمكن احتمالها، خطفوا عامر، اختفت أخبار ضياء ، إذ ذاك تلتقي عيناه بعينين متسائلتين من النافذة المقابلة يثب مذعورا  : كنت أسهو مثل طائر لأيام عديدة لا انام ، كانت أمي أقوى الآمال التي تشدني إلى الثبات  ، لم أكن أريد أن أرى أحدا أو اسمع صوتا  ، هاتفي ابي اتفقنا على اللقاء في المقهى  ، كنت أرى في وجهه بعد غياب علامات من الارتياح  ، كان ينظر إلى الأمام  ، ثمة شيء كالنور ينبثق من داخله ، فيضطره إلى الابتسام  ، يفك أساريره؛ اخيرا  أصبح معلوما لدي مكان ضياء  ] ٠
وفي الرواية يسرد الراوي حول موقف بعض القوى اليسارية و الانقسامات الدائرة  ، بما فيها في الحزب الواحد  ، تأثيرها على موقف اليسار من تنفيذ برنامجه النضالي و الحفاظ على كوادره ٠
و أقول  أن الشخصيات المناضلة في رواية جمال العتابي  ، تذكرني  بما انشده الشاعر مهندل مهدي الصقور  قائلا  :
أتظن انك قد طمست هويتي/ ومحوت تاريخي و معتقداتي
عبثا تحاول/ لافناء لثائر  / أنا كالقيامة ذات يوم ات  ٠
واناشد المثقفين المهتمين قراءة الرواية  ، لما فيها من سرد فني  جميل  لتاريخ العراق منذ  الستينات في القرن  الماضي على الاقل  ، علما بأنها من  منشورات  الاتحاد العام للأدباء و الكتاب في العراق 2023  ٠
  طبيب وكاتب

أحدث المقالات

أحدث المقالات