في كلمة ألقاها في مايو الماضي، وأعلن فيها صيغة جديدة للحرب على الإرهاب، أقر الرئيس الاميركي أوباما أنه “لا يمكننا استخدام القوة في كل مكان به جذور للأفكار المتشددة”، والبديل الوحيد لـ”الحرب الدائمة” هو جهد مستدام لتجفيف “منابع التطرف”.
اليوم غازل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هذه النبرة في التصريحات للبحث عن منابع الارهاب من اجل تجفيفها ، ولكن السؤال اين هي منابع الارهاب في العراق خاصة وفي منطقة الشرق الاوسط عامة ؟؟
سؤال واسع جغرافيا سواء في مفهومه المكاني او الزماني، بل وحتى الفكري البنيوي في تحليل افكار الاخرين بنظرية الشك اذا ما لنا ان نستعيد افكار ديكارت ونيتشه، كمحاولة لفهم الاخرين ، لاهمية تحديد نوع الافكار التي ترى واشنطن اليوم بانها مصدر التهديد الارهابي، في وقت ترى دول الشرق الاوسط انها تعبر عن ثوابت دينية ووطنية لا يمكن العبور فوقها،سارعت ايران الى ترويج فكرة القفز على ثوابتها من اجل الحصول على الكارت الاميركي الاخضر .
المعروف ان مبادئ الحرب الخمسة في التعبئة العامة لحركة قطعات الجيوش تبقى مطلوبة، فيما يوصف بالحرب النظامية على منظومات العصابات غير النظامية، تعبيرا عن منظومات الحرب الارهابية التي لا تعتمد على مقومات الحرب النظامية اكثر من ابتكار حواضن مدني تنطلق منها لشن عمليات نوعية تحدث الارباك المطلوب في الامن الوطني ما دامت الحرب نوعا من الاجبار على اتخاذ قرارات سياسية لم يوافق المفاوض السياسي المساومة عليها الا بالدم في مضمون تعريف الجنرال البروسي كارل كلاتوفيتز؟
والانتقال بماشرة الى تعريف حواضن الارهاب في العراق ، فان التعريف الاميركي المتكرر يتعامل مع تهديدات تنظيم الاقعدة والمليشيات الشيعية في بوتقة واحدة ، وهو ما جعل واشنطن تضع كل بيضها في سلة المالكي ما بعد “صولة الفرسان” التي لم تستثن اي من الطرفين، لكن سرعان ما عاودت واشنطن حساباتها في تحليل هذه المعطيات لمعرفة ان عمليات المليشيات الشيعية اشد خطرا عندما تفترض نوعا من الانصهار الطائفي للمجتمعات داخل المناطق المتنوعة، فانتهت الى وجود اغلبية شيعية يتطلب على السنة التعامل معها كأسياد الحرب والمعاناة من التهميش بل حتى الكثير من الاغلبية الشيعية الصامتة لا تتمن من رفض ممارسات هذه المليشيات ولعل ابرزها رفع صور الامام الخميني، رحمه الله، ومرشد الثورة الإيرانية الخامنئي في مفارق الطرق، كنوع من الدلالة على التبعية لولاية الفقيه التي لا تحظى بموافقة الكثير من شيعة العراق حتى اليوم .
مشكلة الحكم في العراق الجديد انه يدفع بأزماته نحو الامام ،لان الحلول الاميركية عن تقسيم فيدرالي تبدو غير مطلوبة مع حلول الاحزاب الشيعية الاسلاموية التي تريد فيدرالية شيعية من بغداد حتى البصرة،يضاف لها ما يتبقى من المناطق المتنازع عليها مع الاكراد شمالا حتى وان ادى ذلك الى موجة انتقال بشرية كبرى” تراسفير” مثل تلك التي حدثت خلال استقلال الباكستان عن الهند، وهذا ما يتكرر في تصريحات نواب من التحالف الوطني من ابرزهم جواد البزوني ، وهو الاثم الاجتماعي التي ترفض حوزة النجف وكبير مراجعها اية الله السيستاني تحمله ، لذلك رفض حتى منح حق الفيدرالية للبصرة في عدة محاولات قام بها القاضي وائل عبد الطيف مرة واخرى من مجلس محافظة البصرة ، حتى ان الباحث الاميركي انتوني كرودسمان يرى ان الحكومة ” الشيعية ” لها علاقات قوية مع ايران وهي خاوية عسكريا ترى ان مواطنيها من السنة والاكراد كمصادر تهديد لها ، وفقا لما ذكره في دراسة نشرت في موقع مركز الدراسات الاستراتيجية لجامعة كربلاء .
كل ما تقدم يؤشر بان المرحلة المقبلة ستكون قاسية، في تطبيقات مشددة ضد حواضن الارهاب في الانبار والموصل وديالى ، وربما تصاحبها موجة من الانكسار والخلايا النائمة لا سيما خلال الاشهر الثلاثة المقبلة لترتيب استحقاقات الانتخابات المقبلة تحت ذات العنوان الذي فاز بها المالكي في انتخابات عام 2010 ، الا وهو الامن ولكن هذه المرة بمعدات اميركية مثل اجهزة الاستشعار عن بعد وطائرات البيرادتيور المسيرة دون طيار، لعلها تجبر الناخب على الاقتراع للمالكي بعد ان يراه وهو “يسحق منابع الارهاب ” فهل من متعظ ؟