18 ديسمبر، 2024 7:45 م

حدثني عن البيئة التي نشأ فيها رئيسك أنبئك بما ستكون عليه سياسات حكمه.من النادر جدا أن يتصرف حاكما ما حتى في أشهر وأقدم الديموقراطيات بعيدا عن السلوكيات التي أكتسبها في حياته الخاصة من عائلته وثقافته والبيئة المحيطة به,فما بالك إذن برؤساء الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية حتى وأن أتشحت بأغلفة الديموقراطية أو الأشتراكية والشعبوية,فالرئيس الذي نشأ في بيئة دينية سيحكم بأسم الدين, والذي نشا في بيئة عشائرية قروية أو بدوية سيتصرف كشيخ عشيرة ولو كان زعيما لحزبا يساريا أشتراكيا وكذلك الذي نشا في بيئة عسكرية سيحكم البلد بسياسة عسكرية ومن نشأ في بيئة تجارية فسيحكم البلاد بطريقة التاجر, والذي تربى في بيئة تتسم بالثقافة الوطنية والقيم المثالية سيحكم بهذا النفس المثالي…إلخ .قد يجمع الرئيس مضمونين أو اكثر كأن يكون عشائريا وتقدميا أو عسكريا وتاجرا…. ولاداعي لتسطير أسماء وضرب أمثلة فالنماذج التي مرت أمامنا منذ عقود ولليوم عندنا وفي العالم لاتحتاج الى نقاش أو جدال.الجديد هو نموذج قاطع الطريق رئيسا…أنه نموذج نادر ولا يمكن أن يظهر ويتحقق إلا في مناطق معزولة وظروفا خاصة مكانيا وزمنيا فأنت لايمكنك أن تتحدث عن رئيس من هذا النوع في الولايات المتحدة أو الصين أو مصر حتى لقرون مضت ولكن هذا يحدث وفي الوقت الحاظر بنموذج قاطع الطريق العشائري والديموقراطي!!! منذالقدم كانت المناطق الجبلية لسلاسل طوروس وزاكروس تمثل عائقا طبيعيا بين الدول التي تقع على جانبيها ولاتخترقها سوى ممرات محدودة العدد ,وهي أضافة لوعورتها فقيرة بمواردها عدا بعض الوديان هنا وهناك التي تحتضن بعض القرى الزراعية .السكان الذين عاشوا فيها أعتمدوا بالدرجة الأولى على الرعي والتنقل بحثا عن الكلأ.هنالك أيضا نشاطين تميزت بهما هذه المناطق ذات الطبيعة الصعبة ,ومنذ القدم, قطع الطرق والتهريب وكلا النشاطين مخالفين للقوانين الدولية ولكنهما يعتبران هنا من الأنشطة الطبيعية وغالبا ما كانت تمارسها جماعات منظمة مرتبطة بصلات عائلية عشائرية ويرأسها زعيم قوي يستطيع أن يمارس نشاطه على منطقة تشرف على معبرا تجاريا مهما .ويتم تقاسم مناطق النفوذ هذه مع أمراء آخرين على طول تلك السلاسل. غالب الأحيان كان يستبدل قطع الطريق بأخذ نسبة معينة تفرض على ثمن البضائع للتجارة العابرة بدعوى حمايتها !!وممن ؟؟ من نفس من يحموها,أي حاميها حراميها,أي بالعبارة المجردة , إن لم تعطني نصيبي من تجارتك آخذه أضعافا بسلبك أياها ,وهو بحد ذاته يعتبر قطع طريق وسلب ولكن بشكل متفق عليه بين قاطع الطريق والضحية دون إشتباك دموي بين الطرفين. وهكذا قامت إمارات معتمدة أساسا على هذا الوارد السهل الذي يتمثل بأستخدام العامل الجغرافي للموقع بتضاريسه الصعبة وتوظيفه لمهنة قطع الطريق القديمة هنا بقدم الجبال وساكنيها,إذ يكفي أن تختبئ مجموعة من اللصوص المسلحين خلف صخور الجبال وعلى الحافات العالية المشرفة على الممر التجاري لقطع الطريق وسلب القوافل التجارية أو اجبارها على دفع الأتاوة,وفي حالة تمكن حراس القافلة من الدفاع عنها ومطاردة اللصوص سينسحبون ويبتعدون بسهولة لمعرفتهم بطبيعة جبالهم, وسيعودون لفعلتهم متى سنحت لهم الفرصة من جديد دون كلل لأن هذا هو احد أسباب رزقهم ولا يعتبر نشاطا معيبا بل أنه بنظر أهلهم بطولة ورجولة.النشاط الثاني الذي يدر أرباحا هو تجارة التهريب ,أو مايسمى بالدارجة القجغ,وخصوصا بالنسبة للبضائع المطلوبة من الدول المجاورة والتي يصعب الحصول عليها بسهولة لأسباب عديدة كالمنع والثمن المرتفع وتتعلق بتجارة الأسلحة والمشروبات الروحية والمخدرات والسجائر والأجهزة الألكترونية… وأيضا تجارة عبور المهاجرين الغير رسميين.كل هذه الأنشطة المحظورة كانت متبعة في المناطق الجبلية في شمال وشرق العراق وكانت تزدهر أكثر أوقات الأزمات بين الدول على الجانبين.ان منادات الزعامة العشائرية البرزانية المتمثلة بمسعود البرزاني وحزبه بإقامة دويلة قومية مستقلة وسط أربعة دول هي العراق وسوريا من جهة وتركيا وأيران من الجهة الأخرى يمكن أن يوصف من الناحية المجازية والعملية بأنه محاولة إنشاء مملكة برزانية قاطعة لطرق التواصل المنفعي بكل أنواعها بين هذه الدول الأربعة بسبب أشكالية نشوء هذه الدولة أولا لعدم شرعية قيامها أصلا وبطلان ملكيتها للأراضي والثروات التي نهبتها من دولة العراق بوسائل قطاع الطرق وثانيا بسبب عدوانية هذه الدويلة وتحالفاتها للمحيط وعداء المحيط لها وبما سيمثله وجودها من تهديدا خطيرا للأمن القومي لعموم المنطقة