يبدو أن الحديث صار أكثر واقعية بلسان، العراق جسر للحلول الأقليمية، وحيثما ينتهي العراقي تنتهي المنطقة الأقليمية.. تذكيرا بالأحداث التي عصفت بالمنطقة خلال السنوات الماضية، وأهمها توغل الإرهاب، والتلويح بالحروب الطائفية والتقسيم، وحتما لا يتوقف بلا حدود في حدود العراق، الذي أدرك مبكراً تلك الأخطار ونبه عليها، فيما لم تتفاعل دول وأعتقدت أنها بعيدة عن شرار محرقة الحروب.
فرضت معطيات الأرض على العراق، أن يلعب دوراً إقليمياً بإيصال رسائل من خلال التجربة وليس التنظير، بأن الحروب لا تخدم أحد، وأن العدو لا يقف مع أحد على أخر أو لمصلحة أحد، وبما أن العدو مشترك تكررت الدعوات للحوارات المباشرة، وتجاوز المناوشات الإعلامية، ونزاعات المنطقة التي إستنزفتها، وخسرت دولها سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وثقافيا، ولابد للعقل والحكمة عن بحث المخرجات، كون الأهداف والأضرار واحدة.
سعت بغداد للعب دور أقليمي ودولي، بما تملكه من مؤهلات إستراتيجية، وأن تجعل القرارات تنطلق من داخل الدول لا من خارجها، وأن يكون الخارج بخدمة الداخل، وحاولت أكثر من مرة تبني مبادرات للسلام لتخفيف عوامل التوتر، وضربت مثلاً بإنتصارها على العنف، وأن موقفها لا ينحصر بالداخل العراقي، بل كان تهديد الإرهاب للسلم الدولي والعلاقات بين الدول، وبذلك إمتلكت الريادة والتجربة والمواقف البطولية، التي على العالم أن يفكر بها ملياً، فلولا تلك التضحيات، لوصلت الرايات المنحرفة الى أبعد أقطاب المعمورة، فحاولت تبني سياسة الإنفتاح، والتوازن في العلاقات الدبلوماسية، لخدمة مصالح شعبه، وما يرتبط بالمصالح الأقليمية والدولية المشتركة.
لعبت الدبلوماسية العراقية دوراً مهما لتنسيق الشراكة مع دول الجوار، وكسرت الرهانات التي تريد للعراق التمحور في الخلافات الأقليمية، وحددت حاجة المنطقة للشراكات السياسية والإقتصادية والتنموية، وتبادل المعلومات الأمنية لما أمتلكه من بنك معلومات، تحدد تحركات المجاميع الإرهابية في بقاع العالم.. ومن هذا المنطلق كان للعراق دور، في تفكيك عقد الخلاف الإيراني السعودي، وتحديد منطلق السلام والمصالح المشتركة لشعوب المنطقة..
للعراق تبادل تجاري يقارب 20 مليار مع ايران، وبمبالغ تقارب ذلك مع السعودية وتركيا، وتطمح هذه الدول للإستثمار فيه، وهو يحتاج الإعمار وترصين العلاقات السياسية والإقتصادية والأمنية، وما لذلك من أثر في مجمل علاقات المنطقة.
التقارب السعودي الإيراني بات واضحاً، والحديث تحت الطاولة أصبح فوقها، وما يأمله العراق بأن يكون الوسيط فقد نجح في ذلك، وأقتنعت الدول الإقليمية بضرورة هذا التقارب، وأن مصالحها تربطها أكثر من نقاط خلافها، وطي صفحات إستنزفت المنطقة بحروب، ما جنت الشعوب منها سوى مزيد من الخسائر، ومن الطبيعي سينعكس فعل العراق الدبلوماسي، على إستقرار سياسي ونمو إقتصادي، وحركة سياحية وتجارية ستشهدها المنطقة.
كل المخاوف سوف تتبدد وتعود العلاقات الى سابق عهدها، وستدرك الدول أن مصلحتها بتلك الدبلوماسية المرنة، وليكن الدرس واضحاً، أن العراق لم تمزقه الإرادة الخارجية نتيجة تكاتف شعبه في محنة الإرهاب، وشعورهم بالخطر عليهم بكل طوائفهم..
كذلك المنظومة الإقليمية، وبفعل التكنلوجيا والحاجات المشتركة، جعلت من المنطقة أشبه بدولة تعاني من مشكلات لابد من نقاشها محليا، وبذلك نجح العراق، وستنجح هذه الدول في حال جديتها، ويبدو أنها لم تعد تخفي حاجتها للحوار المباشر، بل منها من طلب التعجيل وحل كل الملفات الخلافية، ويكون بذلك العراق جسر للحلول والإستقرار الأقليمية.