ممثل الجولاني في بغداد… ماذا ينتظرنا؟

ممثل الجولاني في بغداد… ماذا ينتظرنا؟

في زيارة فتحت الأبواب لجدل سياسي وشعبي وصل وزير خارجية تنظيمات الجولاني الإرهابية القيادي السابق في جبهة (ال ن صرة) اسعد الشيباني (ابو محمد مضافات) كما عرف باسمه الحركي خلال ايام الجبهة، إلى العاصمة بغداد، في رحلة خلت من الاستقبال الرسمي على أرض المطار، كما متعارف عليه، رغم انها أول زيارة رسمية لممثل السلطة الجديدة في سوريا بعد رحيل نظام الاسد الذي استمر لنحو 52 عاماً.
الزبارة التي جاءت بعد أيام على المجازر التي ارتكبتها تنظيمات الجولاني ضد العلويين في الساحل السوري، تزامنت ايضا مع مواقف دولية رافضة للجرائم بحق الأقليات في سوريا ابرزها صدرت من مجلس الأمن الدولي الذي عقد اجتماعاً، دان خلاله تلك المجازر وطالب الجولاني وتنظيماته بمحاسبة المتورطين، وتقديم ضمانات توفر الحياة الآمنة للجميع بدون استثناء، وهو ما يجعلنا نتساءل عن اسباب قبول حكومة السوداني بتلك الزيارة بهذا التوقيت الحساس وخاصة مع وجود رفض شعبي من شريحة واسعة او مكون يعتبر الاكبر على امتداد الخارطة العراقية، والدليل خروج تظاهرات في البصرة وبعض مناطق بغداد، وحملات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي رفعت شعارات غير مرحبة بالزيارة التي تأجلت سابقاً لاسباب وصفت بالأمنية..
وقبل الخوض بأسباب الزيارة او غاياتها، تتحدث المعلومات بان وزير الجولاني وصل ليلة الخميس إلى بغداد، وهبطت طائرته في المطار الدولي من دون الإعلان عن وصوله، لكن تسريب الخبر من قبل وكالة رويترز البريطانية، أجبر حكومة السوداني على إعلان وصوله ظهر يوم الجمعة، والدليل لم نشهد اي استقبال رسمي لحظة وصوله إلى المطار، كما اشرنا في مقدمة المقال، وهذا يجعلنا أمام عدة تساؤلات تبحث عن إجابات من مصادر رسمية قبل الخوض بالتكهنات، لان الحديث عن مخاوف أمنية قد يكون مستهلكاً.
نعود لأسباب الزيارة التي اختصرها وزير الجولاني بالاستفادة من خبرة العراق في مجال الإعمار والاقتصاد وضرورة تعزيز التبادل التجاري بين البلدين ورفض التدخلات الخارجية، نعم، رفض التدخلات الخارجية وهي التي أراد ايصالها الشيباني بشكل غير مباشر، خاصة مع الاتهامات التي وجهتها تنظيمات الجولاني مؤخراً لفصائل عراقية بدعم جهات مسلحة منتمية لنظام الاسد تقود مقاومة شعبية في الساحل السوري، او قد تكون رسالة موجهة لإيران من أرض العراق، عموماً تركيز وزير الخارجية على الاقتصاد وفتح الحدود كان واضحاً في حديثه وهو ما يؤكد وجود هدف اساسي من الزيارة يتعلق بإعادة ضخ النفط والوقود العراقي إلى دمشق بعد توقفه عقب إنهيار نظام بشار الاسد، والذي كان يغطي نسبة كبيرة من احتياجات سوريا في تشغيل محطات الكهرباء.
اللافت خلال الزيارة، طريقة استقبال السوداني لوزير خارجية الجولاني، حيث ظهر رئيس الوزراء برفقة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري ومستشار الامن الوطني قاسم الاعرجي، من دون وجود وفد دبلوماسي او على الأقل وزير الخارجية فؤاد حسين، وهي خطوة قد تكون محسوبة وتحمل رسائل معينة للجانب السوري تتعلق بضرورة الاهتمام بالملف الأمني قبل المجالات الأخرى، والاستعداد لتعامل العراق مع اي خطوات تصعيدية، والتي ترجمها السوداني حينما ابلغ الشيباني، بأهمية أحترام معتقدات ومقدسات كل فئات وشرائح الشعب السوري، وعدم القبول بأي اعتداءات أو انتهاكات تحصل ضد أي مكون منهم.
في الجانب الآخر، أعتبرت بعض القيادات السنية وخاصة خميس الخنجر (المعروف بمواقفه الداعمة والمؤيدة للجولاني)، زيارة وزير الخارجية نصراً يسجل لصالح المكون السني الذي ترى العديد من أطرافه وجود قوى سنية حتى اذا كانت متطرفة او إرهابية على رأس السلطة في سوريا، سيحسن من مكانتها في الداخل العراقي ويمنحها زخما معنوياً لرفع سقف مطالبها، ومن يراقب المواقف الاخيرة لممثلين المكون او بعض واجهاته وفي مقدمتهم مشعان الجبوري يدرك جيداً طريقة تغيير الخطاب الذي اصبح يناغم مشاعر جمهور معين يرى بان المكون السني تعرض للظلم ومن حقه التفكير بانتزاع السلطة حتى لو كانت على طريقة الجولاني، لكنها بالحقيقة أحلام بعيدة التحقيق لاسباب لايوجد مجال لذكرها في هذا المقال، والقضية ستكون مجرد أوراق انتخابية لكسب الاصوات، ومن يريد التأكيد يتابع تغريدات الخنجر الذي يعتبر نفسه صاحب الفضل بترتيب زيارة وزير خارجية الجولاني واقناع السلطة الجديدة في سوريا بإعادة العلاقات مع بغداد.
اخيراً… الزيارة التي تحققت قد تكون مرتبطة بضغوط او رسائل تركية قطرية سعودية وصلت للسوداني تتعلق بكسب المزيد من الدعم العربي لسلطة الجولاني بغضاً بالجارة الشرقية إيران..وورقة مساومة للمشاركة بالقمة العربية المقررة عقدها في العاصمة بغداد يوم 17 من شهر ايار المقبل، لكنها بالوقت نفسه ستجعل السوداني أمام حرج حقيقي قد يكلفه الكثير في الانتخابات البرلمانية نهاية العام الحالي، خاصة اذا استغل خصومه الرفض الشعبي لزيارة وزير خارجية الجولاني، وسوقت بطريقة تظهر بان استقبال مبعوث الجولاني يعد تعاطفاً مع قتلة العلويين.. لان.. القاعدة الجماهيرية التي يعتمد عليها السوداني بجمع الاصوات تنظر للسلطة الجديدة في سوريا كمنظمة إرهابية قائدها متورط بالدم العراقي قبل السوري.. السؤال الذي لابد منه… ماذا ينتظرنا بعد الزيارة.؟..