22 نوفمبر، 2024 10:20 م
Search
Close this search box.

ممارسة التسول قي برامج قنواتنا الفضائية

ممارسة التسول قي برامج قنواتنا الفضائية

انتشرت في الآونة الأخيرة البرامج التلفزيونية التي تبثها القنوات الفضائية العراقية والتي يبدأ عملها من الصباح الباكر وتعاد خلال ساعات اليوم ، وهدف اغلبها طرح معاناة المواطن المتعلقة بنقص الخدمات وانتشار معدلات البطالة وزيادة حالات الفقر ، وغالبا ما تستهدف هذه البرامج الفقراء والشرائح التي تعاني الفقر والحرمان سواء تمت هذه اللقاءات في الأسواق أو تجمعات البسطاء ، والبعض الآخر منها اخذ يتغلغل داخل البيوت ليتم نقل الواقع على حاله وتجسيد مختلف الحالات والظواهر التي تعد سلبية من وجهة نظر الكثير ، وتحاول بعض هذه البرامج عرض تفاصيل الألم الذي يعاني منه المواطن ومنها عدم وجود الطعام للاستعمال اليومي وفقدان شروط حد الكفاف للسكن الإنساني وانتشار المرض وارتفاع تكاليف العلاج بسبب القصور الذي يصاحب تقديم الخدمات الصحية الأساسية من قبل المنظمات الصحية الحكومية وارتفاع أجور الكشف والتشخيص والتداخل الجراحي في العيادات الخاصة والمستشفيات الأهلية ، كما تعرض هذه البرامج جانبا كبيرا من الفشل في توفير متطلبات مفردات البطاقة التموينية وحالات الإخفاق في التعليم الأساسي والجامعي مما يضطر العائلة أما اللجوء إلى القطاع الخاص أو ترك الدراسة والعيش في دوامة العوز والفقر بشكل يدفع البعض للإدمان على المخدرات والمسكرات وضعف العلاقة الاجتماعية بشكل يؤدي للعزوف عن الزواج أو الانتهاء بالعلاقة الزوجية إلى العنف الأسري أو الطلاق ، مما يزيد من عدد ونسبة الطلاق والترمل والايتمة والتخبط في تربية ابناء المطلقين والمطلقات بما في ذلك تحويلهم إلى فئات هشة قابلة للاختراق .
ونظرا لمحدودية الحلول المتاحة لدى تلك القنوات من المعدين والمقدمين والمخرجين وحتى مالكي القنوات فان ما يتم اللجوء إليه هو مناشدة الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لإيجاد الحلول لتلك الظواهر والمشكلات ، ولان المناشدات لا تجدي نفعا لان المواضيع المطروحة ليست غائبة عن الجميع فان بعض القنوات التي لها إمكانيات مادية ( ضخمة ) لم يتم الكشف عن مصادرها لحد اليوم بتبني مبادرات على سبيل المعالجة ، منها القيام بالمعالجة في ارقي المستشفيات آو وضع عناوين لبرامج تتولى إعادة بناء المنازل والبيوت المتضررة وصرف مبالغ نقدية على سبيل التعويض أو لإعادة الأمل للبعض كمنح الإكراميات والمبالغ النقدية التي تعالج بعض المشكلات ، كما تقوم قنوات أخرى باستضافة شخصيات معروفة كالفنانين وأصحاب الأعمال لإعطاء المنح والهبات بما يكفي لمعالجة المشكلات أو الإسهام بالجزء المعقول للوقوف على ( الرجلين ) وتمشية الأحوال لحين إيجاد معالجات جذرية لمثل هذه المواضيع ، أما القنوات الأخرى التي ليست لديها إمكانيات أو موازنات لهذا النوع من الإنفاق كما إنها لا تمتلك علاقات مع مانحين أو متبرعين بالوصف الذي ذكرناه فإنها تستخدم أسلوب ( التوسل ) أو المناشدة الحماسية مع الميسورين للتفاعل مع بعض الحالات البسيطة ، كتوفير كرسي مدولب لمعوق أو مروحة لامرأة تعاني الحر أو ثلاجة لعائلة لم تعرف طعم الماء البارد أو التكفل بمعالجة مريض ، وحين فشل هذا الأسلوب على بساطته يتم اصطحاب أصحاب الحالات الحرجة لمقابلة المسؤولين وجها لوجه أو الاتصال بهم هاتفيا لإعطاء موعد أو وعد على هذا السبيل ، والغريب إن من تتم مقابلتهم ويظهرون على شاشات التلفاز أو عبر الموبايلات يكونون غاية في الكرم والتعاون وتسهيل المهمات فورا وبدون أي تأخير !!
ولم تقف الحالات عند هذا الحد فقد وجدت بعض القنوات ملاذا آمنا مبتكرا وهو الاتصال بالمغتربين والمقيمين في الخارج لاستثمار جزء يسير من إمكانياتهم لهذا الغرض ، ولا يبخل هؤلاء في كرمهم فتجد البعض يقدم تسهيلات بمبلغ لا يتجاوز أعلاها 100 دولار أو إرسال وجبة دواء بمبلغ 500 دولار رغم إن بعضهم يملكون ملايين الدولارات واغلب ما جاءهم من خير هو بفضل الدراسة على نفقة العراق ، وقلما نجد حالات تمت فيها دعوة العراقيين للمعالجة في البلدان التي يقيمون فيها أو أنهم تكفلوا بالعلاج في دول يمكن الوصول إليها بحجة إن اغلب البلدان لا تمنح الفيزا للعراقيين إلا بصعوبات كبيرة قد يصيبها الفشل في نهاية المطاف ، وهناك برامج فضائية باتت تعرض لقاءات مع المواطنين ( بحسن النوايا ) ومن باب الغيرة العراقية ولكنها تتحول في بعض الحالات إلى برامج للتسول ترافقها ذرف دموع لرجال في متقدم العمر أو عويل النساء ، ولو تم تحليل اغلب هذه الحالات لوجدت إنها لا تمثل مطالب بل إنها حقوق حجبت عنهم من فشل وبيروقراطية الأجهزة الإدارية ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر التأخر بصرف رواتب الشهداء أو إيقاف منح الرعاية الاجتماعية أو قطع المواد التموينية أو إيقاف الرواتب منذ سنوات بسبب تشابه الأسماء أو تغييب بعض الشباب دون تحديد مصيرهم في السجن أو الإعدام او عدم تسليم الجثث لذوي البعض لمختلف الحالات .
ولا نريد بهذه الأسطر إيقاف الهمم والجهود الصادقة لبعض القنوات الفضائية ولكننا نرجوا عدم تحويلها إلى مظاهر للتسول لان العراق بلد غني حتى في ظل ارتفاع حالات الفساد ، كما إن مكانة وتاريخ العراق تلغي جميع الأعذار في بكاء الرجال على بعض الحقوق العادلة أو السماح للنساء العراقيات الغاليات بتمزيق ملابسهن أو نزع ( فوطتها أو عباءتها ) وهي تبحث عن علاج الأنسولين أو غيرها من المظاهر التي تعرض في بعض الأحيان ، ونتمنى من بعض مقدمي تلك البرامج إن يتحولوا إلى مرشدين وناصحين والبحث عن وسائل أكثر فاعلية لإيجاد الحلول بدلا من مشاركة المظلومين البكاء والعويل أو تفعيل التسول بتحويله إلى أطار شرعي ، علما إن توجيه المظلومين لاسترجاع حقوقهم بالطرق السلمية لا يشكل تحريضا ولا تترتب عنه تبعات قانونية وخيمة ، فهو جزءا من الرسالة الإعلامية المهنية التي كفلها الدستور وصادق عليه مجلس النواب في توفير الحماية للصحفيين ، أما الحكومة وأجهزتها المعنية فإنها تتحمل جزءا كبيرا من الخلل في الأداء ، والادعاء العام لا يعالج كذا حالات في وضعه القانوني الحالي ، ونأمل لان يعمل مجلس النواب والسلطات المعنية في الدولة في الدورة الحالية ما يتطلبه الأمر من إجراءات هيكلية وقانونية لوضع من يتسبب بالنقص والتقصير في حقوق المواطنين تحت المساءلة القانونية لكي نبتعد بخطوات عن الظلم الذي يضطر المشاهد لاستخدام سيارة التاكسي للوصول إلى مكان بث القناة لممارسة التسول بشكل مريح .

أحدث المقالات