بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة الاستعدادات والتحضيرات لإقامة انتخابات مجالس المحافظات القادمة في العشرين من شهر نيسان القادم واختيار ممثلي الشعب في مجالس المحافظات وفق ممارسة دستورية وديمقراطية يمارسها المواطن ليكون مرشحا وناخبا هو بذاته باختلاف تام عن ممارسات الانتخابات الوحيدة التي كان يدعو اليها زورا وكذبا رأس السلطة الصدامية الحاكمة خلال الفترة البائدة عندما كان الناخب يذهب مضطرا ـــ للحفاظ على حياته ــ لاختيار المرشح الوحيد ( القائد الضرورة!)، والإدلاء بكلمة (نعم)، لا غيرها، ولتكون نسبة النجاح له 100 % ، وليوهم من يريد ايهامه من السذج ان الحرية موجودة، والديمقراطية مطبقة بشكل لا نظير له في العراق عندما يذهب أبناء الشعب العراقي للاختيار بين الرغبة بالقائد الحاكم أو رفضه!، وبالطبع له مطلق الحرية في اختياره ولكن بعد مراقبة ورقته واختياره من قبل الجلاوزة المراقبين في حال لم يجد الورقة قد تم وضع علامة الاختيار عليها بالنيابة عنه !.
الانتخابات القادمة بممارستها الجديدة في العراق الجديد الذي تحرر من هذه الممارسة الإجبارية قد أصبحت سمة بارزة وواضحة المعالم لمساحة الحرية ومديات الديمقراطية المتاحة للشعب في التعبير عن قراراته واختياراته، كقبول ما يريد ويرغب، أو ورفض كل ما لا يحقق مبتغاه من المسؤولين والقائمين على إدارة دفة الحكم ومقاليد الأمور والسلطة، ولعل أوضح دليل على هذا الحال الجديد والمغاير للحال الماضي هو قيام بعض فئات المجتمع في بعض الاحيان بالخروج بمظاهرات وتنظيم مسيرات رافضة لقرار ما أو التنديد بأي حالة قد لا تلقى الرضا والقبول من جميع الفئات، حتى وإن كان القرار صادرا من السلطة التشريعية الممثلة للشعب أو من السلطة التنفيذية، وهذا بالطبع ليس لتعكير صفو الأمن والاستقرار أو عرقلة تطبيق الأنظمة والقوانين بل هو ممارسة مشروعة ودستورية لحقوق أبناء الشعب ضمنها لهم الدستور العراقي الذي خرجت له الجماهير مصوتة ومقرة له بأغلبية ساحقة رغم ان الأجواء التي جرت فيها عملية التصويت عليه كانت خطرة ومهددة لأمن أي عراقي يخرج للإدلاء بصوته ومشاركا في عملية التصويت وفي معظم مناطق البلاد.
التغيير في الأجواء الديمقراطية والدستورية أضحت لزاما على المواطن العراقي التمسك بممارستها ومزاولة أي عملية تدخل في حيزها بفاعلية وإسهام تؤكد حبه للحرية ورفضه لكل أنواع وأشكال القيود التي تحاول دائما خنق صوت المواطن دون التعبير عن رأيه وقول كلمته، وللحفاظ على هذه الأجواء الجديدة والرحبة صار لزاما على المواطن الاستمرار بممارستها والتعويد على اختيار الأصلح والأكفأ للقيام في هذه الانتخابات، وعدم ترك المجال أو تفويت الفرصة للمشاركة في أي نوع من أنواع الممارسات الدستورية والديمقراطية التي أتاحها العراق الجديد بشكل يؤكد نجاح التجربة السياسية ومتغيراتها على كافة الأوجه، لاسيما بعد تمتع المواطن باختيار شكل نظامه الاداري والتنفيذي لمحافظته، وبما يضمن حجم ونوع المشاريع الخدمية المقدمة والمنفذة بعد ان كان النظام البائد هو من يتعمد لتلك المناصب اختيار الأشخاص الموالين له والمناسبين لأغراضه وأهوائه الشخصية بدلا من اختيار أهل الكفاءة والخبرة والنزاهة ومن الوطنيين المخلصين من أبناء تلك المحافظات ممن يعرفون كل شاردة وواردة ويستطيعون تقديم الأفضل والأنسب.
المواطن العراقي ينبغي عليه أيضا إدراك ان الاحتفاظ بحقوقه الدستورية والديمقراطية كاملة ليس شكلا ومظهرا، وإنما هو تطبيق عملي وواقعي جاد لهذه الحقوق من خلال أداء الواجبات الواقعة عليه، وهي عدم ترك هذه الحقوق دون أخذ دوره الإصلاحي وتغيير ما يمكن ان يكون فاسدا وغير جدير بنيل احترامه، فاختيار المرشح الأصلح يعني ممارسة المواطن لدوره في رفض الفاسد بعد التمييز بينهما من خلال تاريخهما ومنجزاتهما واختيار أحدهما عبر القناة الدستورية المتاحة له وهي صناديق الانتخابات.