22 ديسمبر، 2024 8:41 م

ملياردير وفقراء وتلاشي الطبقة المتوسطة في العراق

ملياردير وفقراء وتلاشي الطبقة المتوسطة في العراق

في البلدان المتطورة امريكيا واوربيا , يقوم اصحابالمليارات بدفع الضرائب لبلدانهم , وهي ضريبة استثنائية توفر إيرادات عالمية كبرى, ويشير مرصد الضرائب الأوروبي ويقترح ضريبة على أصول 2800 من أصحاب المليارات تُحدّد عند نسبة 2 في المئة, وتدر تلك الضرائب أكثر من 200 مليار يورومن الإيرادات العالمية السنوية، من بينها 40 مليار يورو للدول الأوروبية، وفق تقرير نشره مرصد الضرائب الأوروبي

ومن خلال مساهمات مئات الباحثين في هذا التقرير يحاول المرصد الذي يديره الخبير الاقتصادي الفرنسي غابريال زوكمان إعطاء المزيد من الصدقية لفرضية فرض ضرائب على الأكثر غنى والتي أكّدتها عدة تقارير نُشرت في فرنسا عام 2023 ,, وقال مرصد الضرائب الأوروبي الذي يموّلهالاتحاد الأوروبي “إن أصحاب المليارات في جميع أنحاء العالم لديهم معدلات ضريبية فعّالة تتراوح بين صفر و0.5 في المئة من ثرواتهم، بسبب الاستخدام المتكرر للشركات الوهمية للتهرب من ضريبة الدخل, هذه الشركات الوهمية التي يضع فيها أصحاب المليارات ثرواتهم ليست هادفة إلّا إلى التهرب من الضرائب,, يقول جوزيف ستيغليتزالحائز على جائزة نوبل للاقتصاد إلى أن هذه الإيرادات الوافرة “ضرورية لمجتمعاتنا (…) في حين يتعيّن على الحكومات القيام باستثمارات أساسية في التعليم والصحة والبنى التحتية والتكنولوجيا

عراقيا —- اشار الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي،،الى وجود اكثر من 16 الف ملياردير و35مليونير في العراق، فيما بين ان عددهم يعادل 9 دول مجتمعة. وقال المرسومي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، إن “ثلث الشباب العراقيين يعانون من البطالة, وعدد المليارديرات في العراق يعادل عدد الدول التالية مجتمعة وهي: الامارات والكويت ولبنان والمجر ورومانيا والبرتغال وهولندا والدنمارك ونيجيريا ,ووفقا لمراكز الابحاثيوجد في العراق: “36 ملياردير ثروة كل منهم اكثرمن مليار دولار 16 الف مليونير ثروة كل منهم اكثرمن مليون دولار, علما ان مستوى الفقرفي العراق بالدرجة 20 درجة في تسلسل درجات الفقر الدولية، وفق منظمة الأمم المتحدة, حوالي ربع الطبقة العاملة هم من طبقة الموظفين والربع الأخر هم من يعمل في قطاع تجارة المفرد والنصف الأخر من يعمل في القطاع الزراعي والصناعي والخدمات

التفاوت الكبير في الدخول يخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة سوء على نطاق الفرد أو المجتمع. التفاوت في الدخول يؤدي إلى زيادة السرقات, الجريمة, الحسد والكراهية بين أبناء البلد الواحد ,ثم هناك فارق أخر, الأغنياء هم من يقرر من هو الفائز في الانتخابات المحلية والعامة. لان الأغنياء هم المتبرعون على الحملات الانتخابية والفقراء هم الذين يغسلون صحون بعد انتهاء وليمة العشاء, ظاهرة الفقر والتفاوت الطبقي في المجتمع العراقي تلعب دورا خطرا لانعكاساتها السلبية على الحياة العامة وعلى افراد المجتمع الذي بدا عليه التمايز الطبقي واضحا بتميز فئة بمختلف الخدمات التنموية والمعاشية والصحية على حساب الفئات الفقيرة والمحرومة حتى وان حصلت هذه الطبقات على بعض الخدمات لم تحصل عليها بالشكل الطبيعي المطلوب وتبقى منقوصة لا تحقق احتياجاتها,, توسعت هوة التفاوت الطبقي والكل يدرك مخاطرها وعواقبها الوخيمة على المجتمع لان الفقر والتفاوت الطبقي الاكثر خطورة من بين كل المخاطر التي تحيط بالمجتمع، وما نواجهه في مجتمعنا من فقر وتفاوت طبقي جاء نتيجة حتمية لما نعيشه من فوضى سياسية وفساد اداري ومالي وتجاوزات على المال العام تمر بدون رادع حقيقي بعد ان زادت الفقراء فقرا وجعلت العراق يتصدر قوائم الفساد في العالم

ان الإسلام لم يتعامل مع مشكلة الفقر تعاملاً هامشياً، بل دخل في معترك الصراع الاجتماعي مسلحاً بضوابطه الشرعية الدقيقة في تضييق الفوارق الطبقية. فشرع ـ أولا ـ أصالة إشباع حاجات الأفراد الأساسية من الطعام واللباس والسكن. وأمضى ما أقره الارتكاز العقلائي فيما يتعلق بالخدمات الصحية، والخدمات الأساسية الأخرى كالنقل ونحوه. وقرر ـ ثانياً ـ أن للفقراء حقاً في أموال الأغنياء: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾4، ففرض ضرائب على الثروة الحيوانية والزراعية والمعدنية والنقدية ونحوها، وبذلك تعامل الإسلام مع صميم المشكلة الاجتماعية بهدف إزالة أسباب الفقر والحرمان، واقتلاع جذور الفساد الاقتصادي, الاسلام شرع الزكاة , وشرع الضريبة التي شجع الأفراد على دفعها بدافع الاستحباب كالصدقة المستحبة والإنفاق في سبيل الله

الطبقة البورجوازية في الغالب مشغولة بجمع ثرواتها وزيادة أرباحها و”سمسرة” الاقتصاد لمصلحتها على حساب جيوب غيرها. أما الطبقة الدنيا والمتردية اقتصادياً، فتكاد تنحصر همومها اليومية في تأمين لقمة عيشها لاستمرار حياتها، مما يبعدها عن التفكير بهموم الوطن الوسطى والكبيرة,, وبينما تنتشر في الكثير من الشوارع سيارات رباعية الدفع مضللة وباهظة الثمن يقودها فتيان صغار، فإن منظر العربات الخشبية وهي تحاول اجتياز الطرق امام هذه السيارات الفخمة يوضح الفوارق الاجتماعية الكبيرة,, بين مواكب سيارات مضلّلة تجتاز الطرقات باتت مشهدًا مألوفًا في الشارع العراقي، وبين متسولين يسعون إلى الاقتراب من هذه السيارات عند التقاطعات فرق كبير، وبينما تنتشر في الكثير من الشوارع سيارات رباعية الدفع مضللة وباهظة الثمن يقودها فتيان صغار، فإن منظر العربات الخشبية وهي تحاول اجتياز الطرق امام هذه السيارات الفخمة يوضح الفوارق الاجتماعية الكبيرة, يثير قلق المواطنين الذين يرون أن ثروات العراق تنحصر اليوم بيد نخب وساسة تجار ومنتفعين، من دون أن يلمس المواطن عدالة اجتماعية تسهّل له العيش الكريم, يئن الفقير العراقي من شدة العوز، بينما ينام الغني متخمًا، فتزداد الهوة الطبقية بين المسؤولين الذين ينعمون بخيرات البلد وثرواته، فيما يتساءل الفقراء عن حصتهم في نفط بلادهم, ويرى ناشطون في ما يحصل أمرًا يفيد النخبة، بما لها من امتيازات تزيد الغني غنًا والفقير فقرًا. في قمة الهرم، تبدأ الامتيازات عبر المنافع الاجتماعية والرواتب الضخمة للوزراء والنواب، فمتوسط دخل النائب العراقي يصل إلى ثلاثين أو أربعين ألف دولار شهريًا، مع رواتب الحماية الشخصية ومصروفات الطعام والايفادات

في الوقت الذي بدأت تظهر في المجتمع العراقي ملامح سيطرة القطط السمان على الاقتصاد، متمثلة في سياسيين رجال أعمال وتجار لهم علاقات خاصة بكبار المسؤولين، تعاني طبقة المسحوقين من ضنك العيش، إذ لا يزيد معدل دخل أفرادها الشهري على مئة دولار,,الفارق الاقتصادي بين الاغنياء والفقراء اتسع بشكل كبير، وظهرت في كل مدن العراق طبقة اثرياء غنية جدًا، تمتلك الفيلات والاراضي والسيارات الفاخرة. ويتابع: الاشكالية الاجتماعية تبدو اعمق حين ترى قصراً ضخمًا بجانبه كوخ صغير أو بيت من الصفيح,, أي تفسير لما يحدث غير مقبول، فالعدالة الاجتماعية ضحية السياسيين الذين صاروا اغنياء جراء المنافع والامتيازات التي يتمتعون بها

ويتوجب على مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية تقديم خطط عملية تتوافق مع المرحلة الراهنة، والمسارعة إلى العمل سوياً لوقف تآكل الطبقة الوسطى، وفق برامج مؤثرة تعيد بناء المجتمعات وفق سياسة اقتصادية متوازنة تتمكن من ترميم “التلفيات” وتقلص “الفوارق الطبقية” بما يساعد على تكوين قاعدة أساس صلبة للمجتمع, هناك أهمية بالغة للطبقات الوسطى، ففي العراق كثرة الحروب أرهقت الحال الاقتصادي للبلد وعملته النقدية، واستمرار تآكل هذه الطبقة سيجعل شعب أي بلد يغامر ويقامر بحياته من أجل العيش ولو ارتكب أنواع الجرائم في سبيل الكسب وتجاوز الفقر والعوز, من المعلوم أنه في حال تآكل الطبقة الوسطى ستصبح الأحوال المدنية خطرة والجريمة كبيرة، فمن دون هذه الطبقة لا يمكن للمجتمعات النهوض وفق هيكل اجتماعي حضاري تقدمي, حفاظها ودفاعها عن القيّم والسلوك، حيث تتصرف في كثير من الأحيان كما تتصرف كريات الدم البيضاء في الجسم عندما تكتشف خطرا يحاول الفتك به فتطوقه وتحاربه حتى تقضي عليه، لهذا تحرص دول العالم قاطبة على رعاية هذه الطبقة الاجتماعية وحمايتها بل وإغداق الامتيازات والمغريات عليها لاستقطابها لأنها ليست مجرد مصدر للإبداع والتجديد بل المحرك الذي لن يقدر أي بلد من النهوض والازدهار من دونه, لذا نؤكد من الواجب على المشرع والمخطط العراقي الالتفات الىبناء اقتصادي وتعليمي وفق اسس علمية تعتمد على الابتعاد عن الاقتصاد الريعي ودعم القطاع الخاص بالتوازي مع بناء قطاع عام قوي ومختلط نشط، بالإضافة الى تأسيس بنية تربوية وعلمية تكون مخرجاتها قادرة على اختصار الفوارق بين طبقات المجتمع وقيادته نحو البناء والتقدم .