في استطلاع اجرته عملاق الاليكترونيات شركة مايكروسوفت ونشرت نتائجه للملأ شارك فيه اكثر من ١٤٥ الف شخص حول العالم اكد خمسة وثمانون من المائة منهم انهم لم يهتموا ولم يشاهدوا مراسيم تتويج الملك ريتشارد الثالث على عرش بريطانيا .. وفي اعلان رسمي بريطاني اكدت وزارة المالية ان مراسيم تتويج الملك كلفت الخزينة العامة ودافعي الضرائب اكثر من مائة مليون جنيه استرليني ، وهو رقم كبير مقارنة بالوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه المواطن البريطاني العادي حالياً .. المواطن الذي لا يستطيع سداد فاتورة استهلاك مصباح واحد لدائرة الكهرباء ، المواطن الذي يشتري الان البيض مثلاً بالمفرد وقلل استهلاك الحليب واصبحت لديه الملابس الجديدة من الترف واستعاض عن المترو والحافلة والسيارة الخاصة بالدراجة الهوائية ، والامثلة كثيرة والاسباب كثيرة لا مجال لها الان ..
والامر ينطبق على الحفلات الباذخة التي شهدتها احدى ممالك العربان لزفاف احد امرائها وهي المملكة التي تشهد وضعاً اقتصادياً مزرياً ولا تكاد الناس تجد من شدة القحط حتى ربطة الخبز المدعومة او صحن الحمص او الفلافل ، وقد توافد اليها الرؤساء والملوك والامراء من كل اصقاع الدنيا للتهنئة والتقاط الصور فيما كان الاف الناس في الشوارع فرحين محتفلين رغم الجوع والحاجة ، وطبعاً انا اجبن من اسماعيل يس ان اذكر اسم هذه المملكة لئلا يصدر بي فرمان ملكي بتحريم دخولي لهذه المملكة .. والامر ينطبق على حفل تنصيب الرئيس اردوغان وبنفس الاجواء واحوال الشعب التركي وهو يشهد التضخم والغلاء والعوز والفاقة وقد تدحرجت عملته الى الحضيض .
هذا الامر ذكرني بحدث قديم ، حين سأل مذيع احدى القنوات الفضائية نهاية تسعينات القرن الماضي ( وقد شاهدت المقابلة وانا في القطر اليمني الشقيق ) ، سأل نائب رئيس الوزراء العراقي انذاك طارق عزيز سؤالاً عن سر الاحتفالاتالكبيرة والباذخة بعيد ميلاد الرئيس وانتم تقولون ان الشعب يعاني من الحصار والجوع والحاجة والوضع الاقتصادي الصعب و.. و.. فاستفز السؤال نائب الرئيس وقال له : ان هذا الشعب الذي يعاني هو الذي يحتفل بميلاد القائد ، فسال المذيع ثانية : وما الذي لدى الشعب من فائض حتى يحتفل به ، فقُطعت المقابلة !!.
لقد حضر مراسيم تتويج ملك بريطانيا مايقرب من ١٨٠ رئيساً وملكاً ورئيس وزراء ووزيراً او ممثلاً عن حكومته ، وحضر مراسيم زواج الامير اياه اكثر من ١٠٠ من ذات المناصب والعناوين السابقة ، وحضر مراسم تنصيب اردوغان عدد اقل اومماثل .. واجزم ان نصف هذا العدد لو ذهب الى روسيا واوكرانيا لاستطاع ايقاف هذه الحرب المدمرة التي تجري منذ عام ونصف بين البلدين دون سبب مقنع ودون نهاية ، ولو ان ثلث هذا العدد من الرؤساء والملوك والمسؤولين ذهبوا الىالسودان للوساطة لاوجدوا حلاً لحرب فوضوية باحقاد ومرامٍ شخصية بلا معنى وقودها الفقراء والمحرومين وتدمير ماهو مدمر وتخريب ماهو مخرب اصلاً .. ولو ان رُبعهم ذهبوا الى المتقاتلين على الكراسي والمناصب في اليمن واجلسوهم الى طاولة حوار واعطوا لكل ذي حق حقه وابعدوا الشعب اليمني عن حرب تجري بالنيابة عن الاخرين ولا ناقة له فيها ولا جمل ولو .. ولو .. ولو .. ولو ان الفلوس التي صرفت على التتويج والتنصيب والتزويج ، لو انها ذهبت الى فقراء ولاجئي الصومال واليمن وسوريا والسودان والروهينجا لاصابت نصيباً واجراً يستطيع معه هولاء المحرومون من ملأ امعائهم بالماء النظيف واللحم والغذاء ، الذي اصبح حلماً بعيد المنال .. والسلام على علي امير المؤمنين الذي قال : ما وجدت نعمة موفورة الا وبجانبها حق مهضوم .