23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

ملهى ليلي مقابل الكعبة المشرفة

ملهى ليلي مقابل الكعبة المشرفة

في هذه الأيام تمر الذكرى المشؤومة لسقوط بغداد بيد يأجوج ومأجوج هذا العصر. هذا السقوط جاء متواليا منذ أواخر الثمانينيات، حيث أزمة العراق مع الكويت و الإمارات اللتان أتخمتا السوق بإنتاج زائد من النفط و بسعر زهيد للإضرار بالإقتصاد العراقي، من أجل حشر النظام و الشعب العراقي في الزاوية الميتة. حاول الرئيس الراحل صدام حسين كثيرا مع دول الخليج، بغية الوصول إلى إتفاق، للحيلولة دون إيقاع الضرر بالعراق و كذلك بدول الخليج نفسها التي أصرت على زيادة الإنتاج النفطي، بسعر أقل من السعر الذي كانت منظمة أوبك تضعه. جهود صدام حسين لحل سلمي باءت بالفشل. في هذا الفيديو يشرح الرئيس العراقي الراحل، في حلقات، كيف ذهبت جهوده من أجل السلام مع الخليج هباءا منثورا:

و منذ أواخر الثمانينيات، بدأت المناورات العسكرية الأمريكية في صحارى أمريكا و من ثم الكويت و السعودية، تمهيدا لحرب الخليج التي وقعت في عام 1991، بعد غزو العراق للكويت في الثاني من آب عام 1990. و من هنا فإن شهادة مسؤولين و جنود أمريكيين، فضلا عن خبراء أجانب، تتفق مع رواية صدام حسين المتقنة و المكللة ببلاغة السرد المدعوم بالأدلة. في هذا الفيديو نجد شهادات متنوعة تثبت رأي الرئيس العراقي الراحل:

هذه الحرب على العراق جاءت و انطلقت على ظهر دول الخليج، و بموافقة حكامها و بمعاونة إيران و نظامها و عملائها. و هي نفسها، أي دول الخليج، التي صرفت المليارات من الدولارات برعاية أمريكا، لخلق ما سمي بجهاد أفغانستان ضد السوفييت، مما أدى إلى صناعة ميليشيات بإسم الإسلام، عاثت في أفغانستان و دول أخرى إسلامية خرابا و دمارا كبيرين مازلنا نعيش آثارهما. على أن دول الخليج نفسها قامت لاحقا لتسمي هذه الميليشيات بالإرهابية. و حين قامت حركة طالبان بتطهير أفغانستان من هذه الميليشيات، و من ثم إقامة حكومة مهيمنة على أفغانستان كلها، سحبت دول الخليج الإعتراف من حكومة طالبان في 22 أيلول 2001، تمهيدا للغزو الأمريكي لأفغانستان الذي وقع بعد أسبوعين من سحب الإعتراف المذكور من قبل السعودية و الإمارات. هذا الغزو الأمريكي لأفغانستان جاء أيضا بمباركة و تعاون النظام الإيراني. للإطلاع على الأدلة التي تثبت تعاون إيران مع أمريكا و القوى الغربية ضد بلاد الإسلام يرجى مشاهدة هذه الروابط:
https://www.youtube.com/watch?v=rVfjxhAbaM4https://www.youtube.com/watch?annotation_id=annotation_190990&feature=iv&src_vid=rVfjxhAbaM4&v=0t134JuUvNg
https://www.youtube.com/watch?annotation_id=annotation_248992&feature=iv&src_vid=0t134JuUvNg&v=oC4ifZoeyEM
http://www.islamist-movements.com/31970
إذن كانت هناك خطة عتيقة تهدف إلى تدمير العالم الإسلامي و العربي، و كذلك لتمهيد السيطرة على ثرواته و مقدراته، و إفناء الناس في جغرافية هذا العالم، و قتل كوامنهم و إمكاناتهم. على أن أهم شئ من موجودات هذه الجغرافية، هو الإسلام، الذي ظل المستهدف الرئيس من قبل القوى المعادية للشعوب الإسلامية و العربية. هذه الخطة العتيقة (تجد زخرفها الدقيق في نقش الغرب التأريخي و نقش إيران التأريخي أيضا) لم تتغير. نعم لم تتغير هذه الخطة، رغم أن تغيرات كثيرة طرأت على مراحل و أزمنة و طبائع السلطات و الدول الغربية، منذ عهد الإمبراطورية البيزنطية، و المرحلة الصليبية، و المرحلة التي سميت بالإستعمارية و إلى وقتنا الحاضر، حيث تطغى الدول الغربية بقيادة أمريكا في عالمٍ، لا قرار و لا بقاء فيه إلا للقوي، القادر على ردع العدوان و مقارعته. و المفارقة على الجانب الآخر، أي الجانب الشيعي بقيادة إيران هي أن الإسلام ليس ما عليه السواد الأعظم من المسلمين (أي السـُّــنة). لذلك فإن أي تدمير لدول و مقدرات و مقدسات العالم الإسلامي، هو هدف إستراتيجي للنظام الإيراني. و لكي تكتمل المسرحية، فإن التظاهر الصاخب لهذا النظام في التصدي للقضايا الإسلامية، ما هو إلا لتكملة الطبخة و تسهيل مهمة الإختراق و الخراب، ليكون التدمير أكثر عمقا و إيلاما!
سررتُ جدا بإعتراف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن مملكته نشرت المذهب الوهابي بناء على أوامر أمريكية لصد الإتحاد السوفيتي. جاء هذا الإعتراف في مقابلة أجرتها صحيفة واشنطن بوست مع بن سلمان:
http://www.france24.com/ar/20170327-وقفة-مع-الحدث-وسيم-الأحمر-السعودية-الوهابية-بن-سلمان-ترامب
مرد سروري هو، أنني منذ سنين، أحاول أن أنبه القارئ العربي و المسلم إلى ثالوث الخراب و الدمار الذي يحاصر المسلمين و العرب، داخل مثلث جحيمي، قاعدته هي الغرب بقيادة أمريكا. على أن لهذا المثلث ضلعان، أحدهما هو إيران (راعية الشيعة في العالم)، و الضلع الآخر هو السعودية و توابعها (بعض دول الخليج، الأقليات الدينية، الوهابية و أذرعها المسلحة، الحركات العلمانية المتطرفة و المعادية للدين في العالم العربي). شرحت بعض جوانب هذا المثلث الخطير و المتناغم مع بعضه البعض، رغم العداوة و التنافر الظاهر بينهما في عدة مقالات منها:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=538551
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=532933
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=374338
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=406633
المشكلة الكبرى في شرح هذه الخطورة، لم تكن في قلة الأدلة أو غموض لغوي، بل في إيجاد من يبت في الموضوع بروية و تفكير، بعيدا عن تأثير الدعايات الصاخبة التي بنت طبقات من الكلس فوق مساحات تفكير أناسنا، الذين تحول عندهم الترديد المشاع في الإعلام السائد إلى حقائق صارمة لا تقبل النقاش. من هذه الشائعات السائدة، منذ عقود، هو أن النظامان الإيراني و السعودي عدوّان لدودان. و المشكلة الأخرى الكبيرة أيضا، هو عدم الشعور بالصدمة الرهيبة التي توقظ الإنسان من الغفلة، أو تقتله حقا في غياب الملجأ المطلوب الذي يكون بمستوى الصدمة ليستوعبها. فأناسنا تعودوا منذ زمن على تلقي الصدمات، دون أن تخلق فيهم ردات فعل، توّلد تلك التغيرات التأريخية الهائلة التي قلبت مسار التأريخ في الأمم و الشعوب. و كأنّ الصدمات، أمست جزءا روتينيا في حياة أمةٍ، تبدو فيها علامات سهولة الهوان عليه، و إنعدام الألم، حيث يقع الجرح كالميت لا يجرحه الألم.
الهدف من هذه الجلبة العسكرية الثنائية، الغربية و الإيرانية، في منطقة الخليج و المناطق الأخرى العربية، هدفها واضح، رغم كل التشويش الإعلامي المضلل الذي يحاول أن يغطي على الحقائق بأبخرة الأكاذيب الإعلامية التي تسمى بالخبر و التحليل و ما إلى ذلك. الهدف الغربي، هو تحطيم الإسلام على كل الأصعدة و خصوصا في الداخل. هذا الهدف نراه على أرض الواقع يتحقق و يتوسع بثبات و إتقان. فتدمير هذه المنطقة و تشريد أهلها، و النفخ في نيران الحروب المستعرة فيها، و دعم الجماعات المسلحة التي تسمى بالإسلامية التي يجمعها في الخفاء الدعم الخليجي المُراقب بدقة من الغرب، و هي تدمر المنطقة كلها بإسم الإسلام و هي الراعية الأولى لتشويه سمعة الإسلام عالميا؛ كل هذه الأمور واضحة للعيان و يبوح الغرب بها في إعلامه السائد دون تردد. أما إيران فلم تتردد للحظة في تدمير دول عربية و شعوب إسلامية في هذه المنطقة. و أمثلة العراق و سوريا و اليمن و كُردستان (بشقيها الإيراني و العراقي بل و التركي أيضا) أكثر وضوحا من أن تُنكر. و ما يجمع هذه القوى (الغربية و الإيرانية و الوهابية) بشكل جلي، في ما يجمعهم من الأمور الكثيرة، هو أمرٌ ملفت للإنتباه حقا و هو القضاء على الآثار الإسلامية و إستهداف علماء الإسلام. فالغرب لم يقصر يوما في تدمير كل ما هو موجود في منطقتنا، عبر ترسانته العسكرية التي تعمل ليل نهار في بلادنا. أما إيران، فما كلّت يوما من تصفية العلماء و تدمير المساجد و الآثار الإسلامية الكثيرة، في إيران و العراق و سوريا. و هذا الأمر بالذات هو ما تقوم به الجماعات الوهابية، مثل داعش و الجماعات الأخرى المسلحة التي تأسست على أركان العقيدة الوهابية. و هذا الجماعات دمّرت أيضا آثارا إسلامية لا تقدر بثمن في بلاد الحرمين، و في العراق، و في سوريا أيضا، ناهيك عن تصفية العلماء و تكفيرهم.
هذه القوى مجتمعة تحاول محاولات جبارة لقطع علاقتنا بماضينا و تراثنا، و تعمل عبر أجنداتها على تشويه ذاكرتنا و تدمير هويتنا و ذاتنا الممتدة من التأريخ. و هذا الأمر هو أيضا من المشتركات بينها و لها عناوين متعددة مثل: التحديث، الإصلاح، التجديد. و المفارقة أن الوهابية تسميها محاربة البدع لتبرير القضاء على التراث الإسلامي، مع أن الهدف من شعارات التجديد و التحديث الغربية و الشيعية هو القضاء على التراث الإسلامي أيضا. و في المقابل، لو تتبعنا خيوطا أخرى لهذه القوى، تحاك في الخفاء كأجندات مخادعة نراها في أجهزة الإعلام التي تتظاهر بأنها “علمانية” و “ديموقراطية” و حداثية”، و هي ممولة إما من قوى غربية، أو من دول خليجية وهابية، أو من قبل إيران و ذيولها مثل النظام السوري و النظام العراقي؛ فإننا نكتشف بسهولة هدفا آخر مشتركاً بين هذه القوى، وهو تجريد الإنسان المسلم من قيمه الإيمانية و الأخلاقية و تحويله إلى مخلوق ممسوخ يراوح حياة أقل من المستوى الحيواني. هناك اليوم المئات من قنوات الإعلام و الإجهزة التي تسمى بالبحثية و الدراسية و المهنية و الإجتماعية و الثقافية، تقوم من أجل الترويج و التحريض على الخضوع للرغبات الجنسية و الترفيهية بين الشعوب العربية، للمزيد من دفعها نحو حافة المسخ المحقق و إلهائها عن الهدف الأعظم في و جودها وهو الوعي و اليقظة و النهضة. و هذه الإجهزة لو تتبعنا التفاصيل لوجدناها مملوكة و ممولة من قبل هذه القوى الثلاث تحديدا.
أليس حريا بنا أن نتأمل، كيف أن المسار في مملكة الحرمين يتجه نحو فتح الكباريهات و الكازينوهات و دور السينما و أماكن الترفيه (و بمباركة هيئات دينية وهابية)، و كأن هذه الأمة لا ينقصها إلا هذه الأمور، مع أنها على أرض الواقع أتعس أمة في العالم؛ حيث تكاد تكون الوحيدة التي تكالبت عليها قوى الأرض، حيث كل قوة تغرس سيوفها و رماحها في جسد هذه الأمة المهلهل المتهالك المتهاوي.
و الأغرب، أن النظام السعودي الوهابي، ربيبة الغرب، مهّد و مرّن الناس على القبول بكل هذه الصدمات دون إبداء ردة فعل. و لم يأت هذا عنوة، بل هو ثمرة جهود طويلة و شاقة بدأت بإزالة آثار الرسول (ص) و الصحابة، و محاربة المسلمين و تكفيرهم بحجة تصحيح عقيدتهم، و من ثم صناعة الجماعات الإسلامية المسلحة التي لم تفعل شيئا سوى الخراب، ثم تحولت إلى ذرائع مجانية للقوى الغربية التي دمّرت أمتنا بإسم محاربة الإرهاب الذي كان من صنع الغرب نفسه. هذه المحاربة شاركت فيها أنظمة خليجية و إيرانية تحت مظلة القوى الغربية، و ما زالت مستمرة.
و هكذا نرى أن ثمار هذه المحاربة تتوج في تدمير قدسية الإسلام و الإيمان في قلوب و أذهان المسلمين حدّ أن لا نصاب بصدمة، حين يقوم النظام السعودي بفتح ملهى ليلي مقابل الكعبة المشرفة، بذريعة الدفاع عن الحرية و التعدد، و بمباركة الهيئات الوهابية، و بتصفيق من القوى الغربية و بتشجيع إيراني (شيعي) لإثبات أن عقيدة المسلمين (أي عقيدة أهل السُّـنة و الجماعة) ليست سوى مهزلة تستحق أن تدمّر، على غرار تدمير مساجد المسلمين في إيران و في العراق و في سوريا، و قتل لعلمائهم، بيد هذه القوى الثلاث الغربية و الشيعية و الوهابية. و الأدلة بالمئات و الألوف.
و هذا المثلث هو فعلا المثلث الشيطاني الذي يحاصر أمة الإسلام ويقتلها!
فهل من نبض في جسد الأمة المثخن بالجراح، و المطروح أرضا، ليعيد الأمل و الحياة إليه؟!
و كيف السبيل إلى ذلك؟
هذا ما أخوض فيه في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى.