18 ديسمبر، 2024 4:55 م

لكم هي مثيرة للدهشة تلك الحماسة التي ظهر بها البعض من ( المثقفين ) عندما أنبروا مدافعين عما أطلق عليه أسم مسابقة – ملكة الجمال – وكأنهم تصوروها بأنها الانتصار الكبير على قيم الظلام والدمار التي روجت لها الجماعات الارهابية والظلامية ، فصار البعض من أولئك يشيد ويشجع كل ممارسة وفعالية مهما كانت مستهجنة من مجتمعنا ومهما كانت غريبة عن أعرافنا وتقاليدنا المحافظة والاصيلة ،
لم يكن العراقيين يوما أعداءا للجمال بل أنهم لطالما كانوا من أكثر الشعوب حبا للحياة والجمال وما تأسيسهم لأولى الحضارات في التاريخ إلا دليل كبير على ما نقول والفنون السومرية والتي تمتد لالاف السنين لهي خير شاهد على ما نذكر وقد أرتبط فهم الانسان العراقي للجمال ومنذ القدم بنبذ الابتذال والنزوع نحو المحافظة فكان الحجاب شائعا في الكثير من المراحل التي سبقت ظهور الاسلام في تاريخنا من دون أن يعني ذلك الانتقاص من قيمة المرأة او من شأنها ،
وهكذا أستمر أبناء هذا الشعب محافظين على ثقافتهم وقيمهم الاصيلة حتى دخول الاحتلال البيرطاني للعراق في بدايات القرن العشرين وما رافقه من أتصال العراق بالحضارة الغريبة والتي جلبت معها بألاضافة للعلوم والتطورات التكنولوجية أشياءا أخرى فقد أغرت بعض قشور تلك الحضارة فئات وشرائح في هذا المجتمع كبعض المتعلمين والاقليات الدينية والعرقية ،
وشجع تطور الحاصل في وسائل الاتصال على أستيراد قشور تلك الحضارة وصارت الطبقات العليا من المجتمع خاصة أكثر ميلا لأكتساب تلك القشور والمظاهر مما ولد طبقات أجتماعية تعيش في مجتمعها وهي شبه مغتربة عنه وقد ظل أستيراد تلك المظاهر حتى مع صعود أسر منحدرة من الأرياف الى سدة الحكم رغم أن تلك الاسر ظلت محافظة في داخلها على قيمها القبلية والدليل أستأثارها بالحكم وعدم محاولة فهم أو أستيراد فكرة الديمقراطية وهي أساس النظام الذي يحكم الحضارة الغربية ،
على أن الكثير من ( المثقفين ) وقعوا أزاء ذلك في حيرة كبيرة فهم بين الاغتراب عن مجتمهم وسعيهم لتغيير واقع هذا المجتمع وبين الاستيراد السطحي للحضارة من بعضهم ومن الطبقات المتنفذة في الحكم لذا ظلوا ميالين لهذا الاغتراب حتى أنهيار عصر الانظمة الشمولية وحلول عصر الانظمة المجزأة الضعيفة وما رافقها من صعود جماعات الأرهاب والعنف الذي أخذ منحى دينيا فصار هؤلاء ووسط عجزهم عن فعل شيء أزاء ما يدور حولهم أكثر ميلا لتقبل المظاهر الوافدة وخصوصا ان كانت تتعارض مع السائد من القيم ،
أن المرأة العراقية الفاضلة البسيطة  كاحدى النساء الفضلات من أمهات الشهداء التي ألتقيتها قبل أعوام والتي كانت تزهد حتى في حقوقها المادية وتقول بأن من هم على جبهات القتال هم أولى وأحق بهذه الحقوق منها كانت ولا تزال مثل هذه المرأة مثالا ورمزا رائعا بين نساء الارض كلها لا لشيء إلا لكونها أمراءة معطاءة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، فهي التي صنعت الحياة منذ أيام سومر وبابل وهي التي بنت وقاتلت وعلمت أجيالا جنبا الى جنب مع أخيها الرجل ، هذه المرأة والتي لا زالت تقدم وتعطي وتبذل هي الملكة الحقيقية بأعتقادنا والتي يفخر بها وطننا العزيز.