اعتادت المؤسسات بتصنيف وثائقها بغية الحفاظ عليها من السرقة والتلف والاعتماد على القوانين السارية في البلد لتحديد سقف زمني لسريتها ، والتي يستطيع بعدها المواطن والمؤسسات الاخرى تداولها و الاطلاع عليها كي تكون وثائق عادية لان تأثيرها المادي والمعنوي والامني قد زال ولم يعُد لها مردودات سلبية على الوطن و المجتمع والشخوص المعنوية والحقيقية . وقد يستلزم بقاء الوثائق قيد الكتمان وعدم افشاء اسرارها لعقود طويلة اذا كانت مهمة جداً وان افشاءها او تداولها يؤثر في العلاقات الدولية وسمعة البلد التي تعنيه الوثائق ، وربما ُتربك الوضع الدوبلوماسي مما يجعل الجهة المسؤولة عن حفظ الوثائق لا تسمح بتداولها وبالتالي تُعٌرض من يفشي بها الى طائلة المساءلة والعقاب بموجب القوانين المرعية . وغالباً ما تسحب الوثائق المهمة جداً و تودع في مؤسسات امنية واستخباراتية ، اما اذا كانت مهمة فتحتفظ تلك المؤسسات بهذه الوثائق لحين انتهاء فترة سريتها ليتم تداولها بعد ذلك . اما الذي نراه في العراق اليوم لا يوجد ما يسمى بوثائق سرية مصنفة حسب اهميتها واضحى تداولها بين المواطنين ووسائل الاعلام والسياسين على قدم وساق ، فضلاً عن عرضها بالمكشوف ولم يوجد وازع اخلاقي او قانوني أو عرفي يُمنع عرضها امام وسائل الاعلام . في المقابل نجد من يُرحب بها ويعتبرها من مكاسب ومحاسن التحول الديمقراطي الجديد كي يتم فضح وايقاف الفاسدين ، وتناسوا ان القانون العراقي لا يبيح لكائن من يكون ان يعرض ويتناول ويتداول الوثائق في وسائل الاعلام الا بموافقة القضاء وهذا لا يعني عدم اشراك وسائل الاعلام في كشف تلك الفضائح . ان عرض ملفات الفساد في وسائل الاعلام سوف لن ينتهي طالما لم يتم تحريك الدعاوى ضد الفاسدين والمفسدين من قبل الادعاء العام وعدم تفعيل بعض المواد في قانون العقوبات الخاصة بالفساد . لذا نعتقد ان ما يجري هي الفوضى العارمة التي تجتاح مؤسسات الدولة في تسريب الوثائق وعدم المحافظة على سريتها مما يستلزم قيام القضاء العراقي والمتمثل بالادعاء العام بحكم مسؤوليته القضائية والقانونية بمتابعة ما يحدث وايقاف كشف الوثائق التي تحمل درجة كتمان وسرية الا من خلاله . و هذا ليس من باب تكميم الافواه ومصادرة دور وسائل الاعلام في تسليط الضوء على حجم الفساد ، بل للتاكيد على حفظ الوثائق السرية وتصنيفها والاعتماد على معلوماتها في مطاردة رموز الفساد ومحاسبة من يفشي معلوماتها الا القضاء بأعتباره صاحب الحق في الاطلاع عليها وتحريك الدعاوى بشأنها وليس من هب ودب .