23 ديسمبر، 2024 2:05 م

ملفات المالكي الإنتقامية الى أين تقود العراق

ملفات المالكي الإنتقامية الى أين تقود العراق

مازالت قضية الإتهامات الخطيرة التي وجهها رئيس الوزراء نوري المالكي الى خصمه السياسي نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالتورط في أعمال إرهابية، تقتضي محاكمته وفق المادة (4) من قانون مكافحة الإرهاب، وعقوبتها الإعدام. ورأينا كيف عمد المالكي إلى استخدام وسائل إعلامه الحكومية، في التحشيد الطائفي ضد الهاشمي، وتسيير مظاهرات في مناطق نفوذه ترفع شعارات المطالبة بإعدام الهاشمي!!! في قضية تبدو في شكلها المعلن (قضائية) لكنها في حقيقتها (سياسية)!!، بحيث عقَّدَت المشهد العراقي المشتعل منذ تلاعب المالكي بدعم من رئيس مجلس القضاء (رئيس المحكمة الاتحادية) الخاضع لتأثير المالكي في إستصدار تفسير قانوني يخوّل المالكي تشكيل الحكومة قفزاً على نتائج الانتخابات التي توجت العراقية بالمرتبة الأولى.. وجرى ما جرى، واستمرت الأزمة في تراوح بين الخمود والتصعيد، وتدخل السيد مسعود البارزاني بمبادرته الشهيرة لحل الموضوع وتنازل أياد علاوي عن رئاسة الحكومة مقابل أن يترأس علاوي المجلس السياسي الاستشاري (المعتزم تأسيسه!!)، ثم غاب تأسيسه في أدراج الرياح وسط تقصد المالكي المماطلة بالأمر، لأنه لايريد سلطة رديفة له ولا مراقبا مزعجا لسياساته.
ثم جاءت هذه الأزمة الجديدة، بسيناريو دراماتيكي يراه المالكي مُحكماً، ولكنه في الواقع سيناريو مليئ بالثغرات والمقاصد المشبوهة، فلماذا إختار المالكي توقيت خروج الجيش الامريكي ليعلن اخراج ملفات الاتهام؟ ولماذا يعرض المالكي اعترافات لحمايات طارق الهاشمي تبدو  مبتسرة ومشبوهة وانها اخذت تحت التعذيب، ولقاءاً او استجواباً للمتهمين يُجريه مذيع تلفازي في إحدى قنوات المالكي، وليس ضابط شرطة أو محقق ممتهن. هذه الأزمة عصفت بالعملية السياسية وجعلت نواب كتل العراقية ووزرائها ينسحبون من البرلمان والحكومة، احتجاجا على سياسات المالكي التي تخل بالتوافقات السياسية وتهدد وحدة البلاد، وتنذر بأزمة جديدة قد تكون شبيهة بأزمة العنف الطائفي التي اندلعت في العراق بعد أحداث تفجيرات سامراء (فبراير 2006)!! وراح ضحيتها عشرات الألوف من العراقيين. كما أن نشوب هذه الأزمة عطل مساعي إنعقاد المؤتمر الوطني للتسوية السياسية، وسط تعنت المالكي ومطالبات الكتلة العراقية برئاسة أياد علاوي أن يحسم موضوع ملف الهاشمي قبل أنعقاد المؤتمر السياسي الوطني المرتقب…في حين يرفض المالكي ذلك ويصر على ان قضية اتهام الهاشمي هي مسألة قضائية وليست سياسية؟.
وقد أثار لجوء الهاشمي إلى إقليم كردستان، بدعم وحماية من رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الاقليم مسعود البارزاني، غضب نوري المالكي، الذي عدَّ توفير الملاذ الكردي الآمن للهاشمي وعدم تسليمه، أمراً يضر بالعملية السياسية ويعرضها للإنحلال والتراجع!.
 وكان الموقف التركي، المساند والمتفهم لقضية طارق الهاشمي، أكثر صراحة وصرامة من الموقف العربي، الصامت أو الخجول، في حين كانت تصريحات الزعماء الترك بأن الاتهامات ضد الهاشمي لا تخلو من النفس الطائفي، والدوافع السياسية، وهي تصرف خطير قد يؤدي إلى حرب طائفية أهلية في العراق من جديد. وبرغم أن تركيا لمحت إلى ترحيبها بلجوء طارق الهاشمي إليها، إلا أنها تمنت أن يحسم الأمر سياسيا داخل العراق بهدوء، وحذرت نوري المالكي من عواقب تصرفاته التي تستثير المشاعر الطائفية.
نوري المالكي يدعي ان لديه ملفات اخرى احتفظ بها طيلة سنوات وحان اوانها الآن، لتحريكها ضد خصومه من امثال الهاشمي وصالح المطلك ورافع العيساوي، وجميعهم من (السنة)، ولاشك أن سياسة (إنتقاء) الملفات، أو إختراع الملفات، بهدف إسقاط وإزاحة الخصوم، سياسة لاتخدم أمن العراق ولا استقراره وتزيد من الشحن الطائفي. كما يتناسى المالكي ان ادعاءه السكوت على هذه الملفات لعدة سنوات قد يعرضه للمسائلة القانونية في اسباب عدم اطلاع القضاء على هذه الملفات ان كانت فعلا حقيقية وبالتالي فانه معرض للمسائلة بتهمة التستر ان صحت ملفاته!.. وبذلك فإن المالكي قد وقع في شر أعماله بهذه اللعبة القذرة: فإن صدقت ملفاته ونجح في اثباتها بوسائله المعهودة سيبقى عليه أن يجيب عن أسباب الاحتفاظ بهذه الملفات طيلة السنوات المنصرمة وتستره على جرائم ارهابية.. أما الإحتمال الآخر، فهو إحتمال ثبوت براءة طارق الهاشمي ومن معه من هذه الاتهامات.. وبالتالي فإن مستقبل المالكي أشد سوءاً!!
واليوم تطلع علينا الأخبار من بغداد وعلى شبكة (عراق القانون) المقربة من رئيس الوزراء، بأن المالكي ينوي تحريك مجموعة ممن أسماهم (ضحايا المعارضة العراقية) التي كانت تقيم في إقليم كردستان عام 1996، حين قام مسعود البارزاني بمناشدة صدام حسين لارسال قوات الحرس الجمهوري لتطهير اربيل من الايرانيين ومن اتباع جلال الطالباني في القصة المعروفة يوم 31 أغسطس 1996، ويقول الخبر أن مجموعة من ضحايا ذلك اليوم من اتباع المعارضة العراقية الذين سلمهم مسعود البارزاني الى سلطات النظام السابق، تعتزم تقديم شكوى أمام المحكمة الاتحادية في بغداد، ضد مسعود وجماعته، ويأتي ذلك بعد أيام من انتقادات وجهها البارزاني لسياسة المالكي وقال فيها إن الأكراد لن يُشاركوا في أي حكومةٍ قائمةٍ على أساس تهميش المكونات العراقية الأخرى. حيث صرّح مسعود البارزاني في مقابلةٍ مع القسم الفارسي لقناةِ بي بي سي على أن الأكراد لن يُشاركوا في أي حكومةٍ قائمةٍ على أساس تهميش المكونات العراقية الأخرى. وحذر من انه في حال استمرت المشاكلُ السياسية ولم يَجد الائتلافُ الحاكم برئاسةِ المالكي حلولا سريعة فإن الأكراد سيُقيّمون كلَ الاحتمالات.  وقال بأن أمام الأطراف السياسية في العراق خيارين: إما حلُ المشاكل التي تَعصف بالبلاد عبْر الحوار أو إجراء انتخابات مبكرة.. ووصف رئيسُ إقليم كردستان مسعود البارزاني قضية نائب رئيس الجمهورية بأنها قضية سياسية على اعتبار اَن الهاشمي هو نائبٌ لرئيس الجمهورية وقياديٌ سياسي يمثلُ شريحة واسعة من الشعب العراقي، وأكد بأَن قضية الهاشمي بحاجة الى حل سياسي.
ان سياسة الملفات المخزونة، وفبركة الإتهامات الخطيرة، سياسة ثأرية إنتقامية،  لا تتصف بالعدالة ولا تحترم القانون وهي لعب وضحك على الذقون.. ومن حقنا أن نتسائل: ترى من سيُحرك الدعاوى ضد الجرائم التي ارتكبها نوري المالكي بنفسه أو بواسطة ميليشيات حزبه؟ وهي لاتعد ولا تحصى؟.. ولابد لها من يوم تنال العدالة مبتغاها منها .
[email protected]