18 ديسمبر، 2024 8:40 م

ملفات الفساد وذر الرماد

ملفات الفساد وذر الرماد

يبقى الفساد في عراقنا الجديد سيد المصائب والـ (بلاوي) التي ورث العراقيون منها الكثير، واستجد في حياتهم منها بعد عام 2003 الأكثر, وقطعا هو سيف يبتر كل مايصادفه من نيات للنزاهة لاسيما إذا كانت النيات (غير صافية)، كذلك هو نار تحرق اليابس والندي من جهود الخيرين الذين يرومون دفع عجلة البلد الى الأمام، بعد أن أدركوا أن أعظم المساعي تنهار أمام قليل من الفساد.
والغريب في ساحتنا العراقية على الصعد كافة، أن مامن مسؤول او سياسي أو زعيم كتلة او حزب في العراق، إلا وأبدى شكواه أمام الملأ من الفساد الذي نخر جسد البلاد، بعد أن مخر في مفاصلها كما تمخر السفينة لج البحر، فهناك بين الفينة والأخرى من يصرح بعدد الملفات التي تحال الى هيئة النزاهة، وقطعا كلهم يذكرون أرقاما متدنية، ولاأظن أن قارئا اوسامعا اوناظرا او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس يستطيع ان يضع نسبة وتناسبا، بين العدد الذي يحال الى هيئة النزاهة، وبين ماموجود على أرض الواقع وتحت أرض الواقع وفي دهاليز أرض الواقع من ملفات الفساد. هذا إذا افترضنا ان الملفات القليلة ستأخذ دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وإعادة مانهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على الثلاثين مليون شخص.
ومن غير المعقول أن فسادا بالحجم الذي نسمع عنه ونقرأه ونلمسه، خلال العقد ونصف العقد الماضي، يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومرقد الأولياء والأتقياء؟ ومادام هذا حاصلا بالفعل؛ ماالاجراءات المتخذة إزاءه وكيف جوبه المفسدون أبطال هذه الملفات؟ يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث ولن يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبّدة من دون موانع او معرقلات، بل هي سالكة وغاية في السهولة والسلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات، وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه وبلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد. واللطيف أن ابرز ما أحيل الى هيئة النزاهة هي ملفات تعد (خردة) أمام سرقات وفسادات مهولة. فأين باقي الملفات وهي ليست وليدة ليلة وضحاها، وجلها مضى عليها سنون نهشت مانهشت من المال العام؟
ولو سلمنا الى أن كل ملف من الملفات التي وصلت إلى هيئة النزاهة، قد أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبيق مواده وبنوده عليهم كل بجريرته؟ وهل شعار؛ (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط؟.
هو دور يقع بالدرجة الأولى على رؤوس الحكم في البلد، وعليهم وضع حد صارم للفاسدين فيه من دون هوادة او تهاون معهم جميعا، إذ من المؤكد ان الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال أكبرها، ولها (ظهير) يهادن الرقيب وينجيها من العقاب.