19 ديسمبر، 2024 12:39 ص

ملفات أساسية أمام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي – ملف إنتشار السلاح

ملفات أساسية أمام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي – ملف إنتشار السلاح

في مقالة سابقة تطرقنا الى ملف مهم أمام رئيس الوزراء وهو ملف البطالة . وفي هذه المقالة سنضيف ملف مهم آخر على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي معالجته والتعامل به بجدية ألا وهو ملف إنتشار السلاح خارج سيطرة الدولة . من البديهي ومن المعلوم في جميع الدول المتقدمة والمتحضرة ينحصر السلاح كلياً بيد الدولة ضمن أجهزتها المتمثّلة بقواتها المسلحة النظامية وفي مختلف الصنوف . إن هذا الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية لأن عنصر ” السلاح ” خارج سيطرة الدولة مضاف اليه عنصر ” المال ” سيولد بالنتيجة بيئة مناسبة لخلق كيانات ومجموعات وعصابات وفئات بمثابة إمارات أو دويلات صغيرة داخل الدولة نفسها بحيث تُمارس تلك المجموعات أنشطتها وفق أجنداتها وقيمها بمعزل عن سياقات ونظم الدولة . وهنا ستفقد الدولة سيادتها وهيبتها ومقوماتها وسيطرتها في إدارة شؤون المجتمع .
العراق ، مع الأسف ، يعتبر أفضل مثال للدول التي ينتشر فيها السلاح بشكل منفلت وخارج سيطرة الدولة تماماً، حيث أن معظم الكيانات والأحزاب الفاعلة في الساحة العراقية والتي تتولى أصلاً مقاليد الحكم ، منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن ، تمتلك أجنحة مسلحة فاعلة لديها من الإمكانات العسكرية من أسلحة ومعدات تقليدية ومتوسطة وحتى الثقيلة منها . يضاف الى ذلك دخول معظم العشائر العراقية سباق التسلّح مع العلم إن معظم مفاصل المجتمع العراقي مازال يخضع للنظم العشائرية ، أي مازال النظام العشائري سائد في العراق بالرغم من إن العالم انتقل منذ زمن بعيد الى مراحل أخرى من التمدن والتحضر والرقي والتقدم على مختلف الأصعدة . والى جانب كل ذلك تم تشكيل كيان كبير مسلح بمختلف أنواع الأسلحة التي توازي مالدى المؤسسة العسكرية النظامية أطلق عليه تسمية ” الحشد الشعبي ” وتم تخريجه بمسرحية قانونية وبمباركة نيابية وبدعم داخلي وخارجي كان الهدف من تشكيله مواجهة الظروف الإستثنائية التي خلقها الإرهاب في بعض محافظات العراق . وقد شمل الحشد الشعبي مجموعات وكيانات متعددة معظمها من الطائفة الشيعية والأخرى من فئات وقوميات متعددة تمثل طوائف المجتمع الأخرى التي لها مصالحها الخاصة في الإنضواء تحت مظلة ما يدعى بالحشد الشعبي بالرغم من وجود تناقضات وتقاطعات مابينها ، ومثل هذه التقاطعات ستولد مشاكل عديدة بين فصائل الحشد الشعبي مستقبلاً . وهنا تجدر الإشارة الى أن الحشد الشعبي هو عبارة عن قوة عسكرية موازية للقوات المسلحة العراقية بأصنافها المختلفة وليس من ضمن تشكيلات وزارة الدفاع العراقية الرسمية المتعارف عليها والتي تأتمر ” كلياً ” وفي ” جميع الظروف والأحوال ” وبشكل مطلق ” ” وبتطبيق حرفي ” بأوامر القائد العام للقوات المسلحة . الغبي فقط من يعتقد بأن الحشد الشعبي هو جزء لا يتجزأ من المؤسسة العسكرية ، والغبي فقط من لا يعتقد بأن تشكيل الحشد الشعبي ودعم إستمراره وتقويته هو بالأساس لحماية وجود وإستمرار الطائفة التي تمثلها لحكم العراق ، وبذلك سيتدخل مباشرة ” عسكرياً أو شبه عسكرياً ” وبكل قوة عندما تتهدد مصالح تلك الفئة في الحكم .
إذاً ، فإن ملف إنتشار السلاح وعدم سيطرة الدولة عليه سيكون من أهم الملفات التي ستواجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وسوف تجعله في موقف صعب لا يحسد عليه .
أمام هذا الموقف ، لا أعلم كيف سيتعامل رئيس الوزراء بهذا الملف المعقد وهو لا يملك أساساً أي سيطرة كاملة على الحشد الشعبي ، وليس لديه الشجاعة الكافية لحل الحشد الشعبي وانخراطه تماماً وفق أنظمة القوات المسلحة ، ولا يملك أي سيطرة على العشائر المسلحة والتي إمتد نفوذها الى الكثير من مفاصل الدولة . وهو عاجز كلياً عن تجريد الأحزاب والكيانات ذات الأجنحة المسلحة من سلاحها . كل ما يستطيعه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للتعامل بهذا الملفين الواقع العراقي ، هو إصدار أوامر صارمة جداً لتحديد إمتلاك السلاح الشخصي للمواطن للدفاع عن نفسه في حالة تعرضه للسرقة أو الإعتداء على عائلته . هذا أقصى ما سيفعله رئيس الوزراء لمعالجة ملف إنتشار السلاح خارج الدولة . ومن البساطة جداً إثارة التساؤلات التالية لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي :
أولاً : هل يستطيع حل الحشد الشعبي لإنتفاء الحاجة اليه أو على الأقل دمجه كلياً بالمؤسسة العسكرية دون خلق مؤسسات عسكرية موازية كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟ أشك في ذلك فهو غير قادر على تنفيذ ذلك لأنه ضمن مسرحية الدمى .
ثانياً : هل يستطيع تطبيق القوانين المتعلقة بعدم السماح للأحزاب والكيانات الأخرى بتكوين أجنحة مسلحة ، وهي أساساً مشتركة الآن في إدارة الحكم تحت رئاسته ؟ أشك في ذلك أيضاً لأنه ضمن مسرحية الدمى .
ثالثاً : هل يستطيع تجريد العشائر من أسلحتها وتحجيم تأثيرها في إدارة بعض مفاصل الدولة ؟ أشك في ذلك طبعاً لأنه ضمن مسرحية الدمى .
رابعاً : هل يستطيع السيطرة على بعض العصابات والمافيات الصغيرة التي تستخدم السلاح من أجل السرقة والإبتزاز ؟ نعم سيستطيع ذلك بكل تأكيد لأنه مازال ضمن مسرحية الدمى وبأوامر محركيها .
خامساً : هل يستطيع السيطرة على السلاح بيد المواطن العادي الذي يملكه للدفاع عن نفسه وعن عائلته في حالة الخطر كالسرقة وتهديد الحياة مثلاً ؟ بالتأكيد نعم وألف نعم لأنه رئس الوزراء ويملك الصلاحية .
إذاً هناك مساحة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي للسيطرة على السلاح خارج سيطرة الدولة والتي تتمثل بنزع السلاح الشخصي للمواطنين للدفاع عن أنفسهم من ناحية ونزع سلاح بعض العصابات الصغيرة التي تتكون من فرد أو فردين أو ثلاثة على الأغلب التي تحاول ممارسة عمليات السرقة والإختطاف . وسيكتب ذلك أكبر أنجاز حققه العراق خلال الأربع سنوات القادمة تحت ظل الحكومة المنقذة وهو تجريد المواطن من السلاح الشخصي للدفاع عن نفسه وعائلته وتجريد بعض العصابات الصغيرة من أسلحتها التي تستهدف السرقة .
سيفشل عادل عبد المهدي كلياً في معالجة ملف فوضى انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة وسيكون أسير القوى التي تمتلك السلاح والمال أيضاً . والى مقالة أخرى في ملفات أساسية تواجه رئيس الوزراء العراقي .