الحديث عن أمريكا الدولة والسياسة والمؤسسة العسكرية شائك ومعقد، وسينقلنا بالتأكيد دون وعي إلى تأريخ أسود ينطوي على الكثير من الجرائم ضد الإنسانية حول العالم، وحزمة كبيرة من قضايا احتلالات الدول والشعوب، ودهاليز مظلمة جمعت دهاقنتها على طاولة مستديرة نقشت عليها خارطة العالم، يحركون عليها بيادقهم حسبما يشاءون!! أو عندما تتطلب مصالحهم ذلك!!
لم يكن العراق الوحيد الذي استهدفته أمريكا!! لكن ربما يكون الأبشع استهدافا خلال الحقبة الماضية على الأقل!! ولن يكون الأخير قطعا!! والشعب العراقي يمتلك مخزونا كبيرا من ذكريات الألم والحزن ولحظات الخوف والرعب المضمخة بالدماء والدموع!! ذكريات حفرتها حوافر خيول المعتدين، في ذاكرة أبت إلا أن تحمل أمانة استذكار كل جرائمهم في قادم التاريخ!!
لم يكن الشعب العراقي يعرف معنى الإرهاب!! ولم يألف تلك الكلمة يوما ما!! لكنه شعب جبار! يدافع عن نفسه في الملمات! والحروب! وحين البأس! ينتصر حينما يواجه عدوا وجه لوجه! فلا يدير له ظهرا!! هو شعب عروبي لا يؤمن بأساليب المكر والخديعة كما يؤمن بها أعداءه الذين لم يألوا جهدا لإنهاكه وتركيعه!
نستذكر في هذا اليوم ما تختزنه الذاكرة العراقية والعربية وكل الشرفاء حول العالم ما حدث في فجر الأربعاء الثاني من شهر شباط عام 1991، عندما غارت غربان الشر الأمريكي على ملجأ العامرية المكتظ بمواطنين أبرياء استنجدوا بهذا الملجأ ليقيهم حمم الإرهاب الدولي القادم عبر البحار!! تلك واقعة لن تُمسح من ذاكرة التاريخ كسابقاتها نكازاكي وهيروشيما!! بغض النظر بعدد الضحايا!! بل بشيطانية أمريكا وتفكيرها الدموي!!
في حرب الخليج الثانية، تفتق ذهن دهاقنة الأمريكان بتوجيه ضربة جوية قاسية عاطفيا لتكون معينا في خطة شيطنة النظام الوطني في العراق!! ولم تكن خطئاً كما شاء مسئوليهم وإعلامهم أن يروجوا لها!! بل عن سابق إصرار وترصد!! فقد حامت غربانهم لأيام فوق هذا الملجأ بالذات!! ويعلمون جيدا كيف يلتجأ إليه المواطنين حينما تنطلق صفارات الإنذار!! فخططوا ولبأس ما خططوا!!
قصفت الغربان الأميركية الملجأ بقنبلتين ذكيتين!! نعم! فعقولهم تعمل بذكاء منقطع النظير عندما يتعلق الأمر بقتل الشعوب!! تم توجيه القنبلة الأولى إلى الفتحة الوحيدة في سقف الملجأ!! فهم يعلمون بان الملجأ محصن!! لتفتح الطريق للقنبلة الثانية التي نفذت للطابق الأرضي حيث ينام من كانوا يظنون إنهم من الأمريكان آمنون!! فكان الانفجار والحريق، أغلق الملجأ أبوابه ذاتيا، فاستحال حينها الدخول أو الخروج!! في لحظة لا تحدث إلا في جهنم، فانقطع صراخ المستغيثين عمن في الخارج! في مشهد لا يمكن وصفه سوى إنه مأساوي، حينما يرى الأب أو ترى الأم أطفالهم وهم يحترقون أمام أعينهم!! حيث تلتصق اللحوم ببعضها البعض!! وتتبخر الدماء!! عندما ينصهر الطفل في حضن أمه!! ساعة يسقط أي معنى من معاني الإنسانية المنافقة!!
هذه قصة أكثر من أربعمائة بريء قضوا في فرن تبلغ درجة حرارته آلاف الدرجات المئوية!! قصة تأبى أمريكا الخسيسة إلا أن تكون خلفها!! وساعتها فقط علمنا بان هناك إرهابا!! تنتهجه الدول الكبرى لتركيع الشعوب!! أو حرقهم أحياء!! لا يهم الطريقة!! المهم الأهداف الدنيئة من وراء ذلك!! وحينها فقط علمنا بأن عدونا شيطان!! ولن يدعنا بسلام!!