اثبتت سنوات ما بعد سقوط النظام في العراق ان هنالك العديد من الاحزاب والكيانات السياسية لا تهمها المصلحة والوطنية بل تسعى جاهدة بكل ما تملك من قوة لوضع العقبات والعراقيل امام اي جهد وطني تعيد بعضا من اللحمة الوطنية التي تمزقت بفعل ثقافة سياسية بالية التي وضعوا بها مصالح احزابهم في المقدمة بل كانوا ولا يزالوا يفضلونها على كل اجتهاد فكري وسياسي تقرب وجهات النظرة المختلفة باتجاه تبني لغة حوار جادة لتفعيل مبدأ المصالحة الوطنية التي بقيت منذ أكثر من عشر سنوات تراوح في زاوية ميتة ، ولم تكن تحظى حتى بفكرة طرحها بقبول سياسي واسع من قبل تلك الكيانات والاحزاب بسبب تمسكهم بعقلية سياسية جامدة ترفض القبول بالحكمة والمنطق ، والتي اجادت كل هذه السنين فن المراوغة والتحايل السياسي على الرأي العام بهدف غلق منافذ الخروج من الازمات السياسية الخطيرة التي تعصف بالبلاد ، بل ودون ان تهتز لهم شعرة …..
رٌبً في انعقاد اعمال ملتقى الشرق الاوسط للحوار والمصالحة في اربيل خطوة سياسية مهمة باتجاه ردم الفجوات الخلافية ، والبدء بمرحلة جديدة تسهم في خلق ارضية خصبة للحوار السياسي البناء التي من شانها ان تكون بداية النهاية لحالات الشلل السياسي التي تعاني منها العراق ، بمعنى ان القائمين على اقامة هذا الملتقى قد ادركوا اخيرا ان التهديد الذي يواجهه العراق لا يمكن تفادي مخاطره واثاره الا بالقضاء على حالة التشرذم السياسي وضرورة الالتزام بالمرونة والشفافية في طرح الحلول والمعالجات للثغرات الخلافية ، ومد جسور الثقة السياسية المتبادلة لترسيخ العمل الوطني المشترك والاستفادة من القواسم المشتركة وتكريسها باتجاه مصالحة وطنية صادقة تفوت الفرصة على المتربصين بالعراق ….
ومن هنا ما نعتقده ان نسبة النجاح لهذا الملتقى المهم تكمن في صدق نوايا السياسيين والنواب الذين حضروا الملتقى تجاه المسائل المطروحة ، واهمها الخلاقات العالقة بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية حول النفط المستخرج والمصدر من قبل الاقليم ، وردة الفعل السياسية للحكومة الاتحادية وقطعها لمستحقات الاقليم من الموازنة المالية الممنوحة لها ، ومن ثم اجراءاتها التعسفية بقطع رواتب الموظفين والمتقاعدين في الاقليم دون الاخذ بعين الاعتبار الجانب الانساني في هذه المسالة ، بمعنى ان كان هناك خطأً سياسياً مقصوداً أو غير مقصود من قبل الاقليم فأن الجانب الاخلاقي للحكومة الاتحادية يحتمها ان تكون بمستوى المسؤولية في بحثها لحل هذه المشكلة ومعالجتها دون حشر المواطن الكوردي في مسالة سياسية ، وهو ليس بطرف فيها بل هو المتضرر الوحيد في صراع سياسي دخل في ادارة دفته أكثر من طرف اقليمي ودولي حبا بمصالحهما في العراق والمنطقة ..
اذن …. فان المشاركون في الملتقى مدعون اولاً انهاء معاناة الانسان الكوردي المعيشية ، وعدم درجه كسلعة سياسية في مناقشاتهم لكي يخرج من دائرة الصراع الدائر ، والزام حكومة العبادي باتخاذ كل الوسائل المتاحة التي تعيد لها هيبتها كحكومة وطنية ، و تتصرف وفق معايير الاخلاق السياسية التي تلزمها ان تكون على بعد مسافة واحدة من جميع ابناءها دون تمييز ، وهذا يعني ان المصالحة والحوار التي تنشدها ملتقى الشرق الاوسط ، وباشرت بأعمالها من على ارض كوردستان ، تعني ان الحل الامثل للخلافات والوصول الى مصالحة وطنية شاملة على اسس حوارية مباشرة صادقة ستبدأ من كوردستان وينتهي منها ، و ان عملية بناء دولة مدنية عصرية يتطلب نبذ الاحقاد والكراهية ، والوقوف بوجه دعاة الطائفية والمذهبية كالتي تسود العراق والمنطقة عموما بسبب الانتشار المفاجئ لتنظيم الداعش الارهابي الذي حول المنطقة برمتها الى ساحة حرب مكشوفة لا تستثني احداً من اثارها …,
وعلى هذا الاساس فان القوى السياسية مدعوة بالمصالحة الوطنية وتبني الحوار بين كل الاطراف ، وما تمكنها من ايجاد توجه ايجابي ووضع دراسة شاملة حول كيفية اجراء مصالحة حقيقية التي تبعد شبح التوترات والعنف الطائفي والمذهبي ، والآخذ بعين الاعتبار ان من يتعمد بتأخير المصالحة الوطنية او يتهرب من تحقيقها هو طرف يفتعل الازمات والصراعات بين ابناء الشعب ، وهو الذي يتحمل وزر ما يتعرض له العراق من تهجير وترحيل وقتل وتدمير وهتك لكرامته الوطنية ، بمعنى آخر ان فرصة تلاقي القلوب مجدداً على اسس الاخاء والتآزر والتكاتف الوطني الصادق قد طرقت ابواب العراقيين ، وما على السياسيين الغارقين في البحث عن الذات سوى استغلال هذه الفرصة لتفادي ما هو أخطر في ابجديات الحاقدين على وحدته الوطنية ، ونذكرهم للأمانة التاريخية بالقول الصائب الذي قاله صاحبه في يوم من ايام شدته ومحنته..(( الصديق المزيف كالظل .. يمشي ورائي عندما أكون في الشمس .. ويختفي عندما أكون في الظلام …!!)