23 ديسمبر، 2024 8:24 ص

ملامح من موريتانيا

ملامح من موريتانيا

لا نعرف الكثير عنها رغم أنها بلد عربي وأحد البلاد المغاربية التي تتمتع بإرثٍ ثقافي وحضاري عريق، كما يتمتع أهلها بالفصاحة وحب اللغة العربية والشعر فسميت ببلد المليون شاعر كما تعرف ببلاد شنقيط وهي موريتانيا، لذا قررنا أن نبحث عنها لنتواصل مع هذا الجزء الهام من ثقافتنا والذي لا يقل عن أي بلدٍ آخر..
فهذا البلد العزيز ضارب القدم في تاريخ البشرية ووجدت فيه اكتشافاتٌ أثرية تعود إلى العصر الحجري القديم، وتطور نشاطه بمرور الوقت وممارسة أبنائه للقنص والصيد واستخدامه أدوات مثل القوس والخطاف والسنارة والشبكة وغيرها، فضلاً عن ممارسة النشاط الرعوي حيث انتشرت الأبقار وزاد عددها وكان مصدرها إفريقيا الشمالية وهذا ملمحٌ هام في تطور مراحل الحضارة التي عاشها الإنسان وتنقلاته حاملاً معه مكتشفاته إلى عددٍ أكبر من البلاد..

كما مرت علاقتهم بالحيوان واستفادتهم منه واستخدام بعض أجزائه في أدوات ٍ للرسم أو البناء شكلاً متميزاً، فوجدت الكثير من النقوش والرسوم التي تؤرخ لفتراتٍ تاريخية هامة في مناطق مختلفة مثل آدرار والحوض وجبال أفلة وكتلة أركيز الصخرية، وقد سكن أرض موريتانيا من بداية العصر المسيحي حتى دخول الإسلام جماعات أطلق عليهم بعض الكتاب الرومان اسم (لوتوفاج) وجماعات أخرى تسمى (الفاروس) التي كانت تجوب الصحراء مستعينة أثناء عبورها بقربٍ من الماء تربطها تحت بطون الخيول، بالإضافة إلى شعوبٍ واعراقٍ أخرى كالجيتول والنازامونيين والإثيوبيين الذين كانوا يعمرون الصحراء خلال فترة (العصر الوسيط)، وتشير العديد من المراجع إلى أن ظروف البلاد الطبيعية في ذلك العصر لم تكن تختلف كثيراً مما هي عليه في العصر الحديث، فكانوا يسمونها ب(بلاد الرمال) والبلاد التي لا ماء فيها، كما يبدو أن معظم سكانها كانوا يعتمدون التنقل والترحال أسلوبًا للحياة، إذ لم تكن الظروف المناخية تساعدهم على الإستقرار..

لكن ذلك لم يمنعها من تناقل الشعر وحب اللغة العربية اللذين جاءا بشكلٍ تلقائي عبر نصوص القرآن الكريم مروراً باللهجة الحسانية وهي الأكثر شيوعاً في موريتانيا والتي تقترب كثيراً من اللغة العربية الفصحى، ونرى تفاصيلها واضحة ً في الحياة اليومية لأهل البلاد الذين يحفظون نصوصاً شعرية لامرئ القيس وعنترة والأعشى كجزءٍ من ثقافتهم، كما ولا تزال هناك الكثير من النصوص والأجناس الأدبية المحلية التي لم تنتشر خارج هذا البلد الذي لا زال يحتفظ بهويته بشكلٍ كبير مقارنةً بمظاهر العولمة التي وصلت لأغلب البلاد تقريباً..

ولا نستطيع أن نغفل عامل الولاء للقبيلة وهو عاملٌ هام في الثقافة المحلية الموريتانية، حيث يتم تقاسم السلطة والنفوذ السياسي والثقافي والإجتماعي عبر هذا النظام القبلي الذي انصهر فيه كافة أعراق المجتمع من عرب وبربر بشكل أكبر من بقية الدول المغاربية، وساعد في ذلك طبيعة البلاد القائمة على الترحال المستمر الذي أذاب الفروق بين الثقافات المحلية مما كان له أثر كبير في لحمة فئات المجتمع وتقاربها أكثر فأكثر لكن مما لا شك فيه أن هناك العديد من السلبيات فيه، وتضم دولة موريتانيا خمس قوميات تأتي في مقدمتها القومية العربية التي تزيد نسبتها على ٧٦٪ من مجموع السكان، بينما تتوزع نسبة ٢٤٪ على القوميات المتبقية الأربع وهى: التوكلور والساراكولي، والوولف، والسونينكي.. ويظل لدى هذا البلد الجميل الكثير ليقدمه ولنعرفه عن ثقافته التي حال بيننا وبين الوصول إليها قلة المصادر الموثوقة والمتوفرة، لكننا نود بصدق أن نتواصل معها لننهل من ينابيع معرفتها كأرضٍ بكر تستحق الحب والحياة..