ملامح من تاريخ الشرطة العراقية عبرَ سيرة أحد ضبّاطها

ملامح من تاريخ الشرطة العراقية عبرَ سيرة أحد ضبّاطها

كثيرةٌ هي كتبُ السِير الشخصية التي تُصدُرها دورُ النشرِ العراقيةُ في المكتبات ومعارضِ الكتب السنوية. فعُشّاق قراءة هذه المذكرات لا يختلفون عن سواهم من قُرّاءِ كُتب أدب الرحلات والروايات وأدب الشعر والفلسفة والعلوم وغيرها من العناوين المتداولة.
ومن نافلة القول إن معظم هذه المذكرات تعود إلى شخصيات من رجالات الدولة والسياسة الذين كان لهم حضور فاعل في صناعة القرار، ودور بارز في المشهد العام، فتفرّغوا بعد اعتزالهم العمل العام لتدوين مذكراتهم، قبل أن يغادروا التاريخ أو يغادرهم.
تليها كتبُ سير كبار ضباط الجيش العراقي، خاصةً الذين تبوؤا مناصب عليا ولهم صولات وبطولات في معارك الجيش فكانوا شهودٌ أحياء على أحداث حتم عليهم توثيقها.
أما سِير ومذكرات ضباط الشرطة والأمن الداخلي، فهي بلا شك من النوادر التي قَلَّ أن تجد لها حضورا في المكتبة العربية أو شبه معدومة، إذ لا تتجاوز إصداراتها على امتداد العقود الماضية أصابع اليد الواحدة. ويرجع ذلك إلى أسباب عدّة؛ فبعض هؤلاء الضباط لا يولون التوثيق أهمية تُذكر، أو ربما يفتقرون إلى مَلَكَة الكتابة والتحرير والتعبير عن الذات، فيما يدفع الغموض والأسرار بعضهم إلى العزوف عن البوح بها، أو أن تاريخ البعض منهم مُحبطاً أو قاتماً، لا يستحق التذكّر فيختارون النأي بأنفسهم عن الحياة العامة.
سَلامٌ عَلـَى مَنْ لِلبِلادِ حُمَاةٌ

 

وَفِي كُفُوفِهِمُ الأَمْنُ لَمْ يَزَل

عَلـَى الجِبَاهِ وِسَامُ فَخْرٍ خَالِدٌ

 

 

وَفِي القُلُوبِ مَحَبَّةٌ لَا تَنْفَصِل

 

منذ تأسيسها عام 1922، اتخذت الشرطة العراقية شعاراً لها يوضع أمام غطاء رأس كل منتسب، ويزيّن مبانيها ومراسلاتها الورقية الرسمية، حتى غدا ذلك الشعار رمزاً عريقاً يختزن في طياته تاريخاً طويلاً من الخدمة والانتماء وعلى امتداد العقود الماضية، وقد حمله اللواء أوس العزاوي بكل فخر واعتزاز وأمانة وشرف منذ انتمائه لهذه المؤسسة ولغاية تقاعده. وظل هذا الشعار متجذّراً حتى سنوات قريبة حينما استُبدلته وزارة الداخلية عام 2016 بشكل آخر ومعاني أخرى، فمحت بذلك إرثاً بصرياً في الذاكرة الوطنية أمتد لما يقارب قرناً من الزمن…!

إن الإنسان، وعلى امتداد سنوات عمله الوظيفي، تتراكم لديه خبرات وتجارب متعدّدة من خلال تفاعله اليومي مع الآخرين على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، بما تحمله تلك التفاعلات من جوانب إيجابية وسلبية. ومن رحم هذه التجارب تتراكم لديه تاريخ طويل مسجّل، تتداخل فيه لحظات الفرح والحزن، والحلو والمر، وتتشابك فيه المفارقات والمفاجآت. ومنهم من يحرص على توثيق تلك الأيام بدقة، إما بشكل يومي أو على فترات متقاربة، أو يحفظها عن ظهر قلب إن أسعفته ذاكرته، وهذا هو المهم، أو يتداولون أحداثها فيما بينهم عند خلوتهم؛ لكنها في النهاية هي روايات غالبًا ما تفتقر إلى الحيادية، وتغلب عليها النرجسية…!
لذلك جاءَ كتاب (مواقف وأحداث من ذاكرة ضابط شرطة عراقي) لمؤلفِه (اللواءِ الحقوقيّ أوس العزاوي)، ليكسر هذه الندرة، ويوثّق تاريخ الشرطة العراقية من منظور شخصي يمتدّ عبر حقبة زمنية طويلة، لتشكّل مرجعاً جديداً للباحثين والمهتمّين، وإضافة نوعيّة لعشّاق كُتُب السّير وأدبها، وربما سيكون حافزاً لآخرين من زملائه الحاليين واللاحقين كي يحذو حذوه في تدوين مذكراتهم.
صدر الكتاب عن دار الذاكرة للنشر والتوزيع، وهي دار مرموقة تُعنى بنشر مذكرات الشخصيات العراقية. ويتألف محتوى الكتاب من ثلاثة عشر فصلاً، يضم بين دفّتيه أكثر من خمس وسبعين واقعة أو موقف، تحمل كلٌّ منها دلالات خاصة، وتعكس حالة معينة وزمناً تاريخياً محدداً، موثّقة لمجريات ووقائع حدثت خلال سنوات عمل المؤلف بين عامي 1964 و2005، وهي مرحلة شهد فيها العراق تحولات جذرية في نظام حكمه وحكوماته وحكّامه.
وبطلب من مؤلفه، صديقي وأخي العزيز السيد أوس العزاوي تشرّفت بمراجعة وتنقيح وتبويب الكتاب بالشكل الذي ظهرَ عليه ليبرز بين كتب السير ككتاب جديد له مكانة على رفوف المكتبات.
وأُقيم للكتاب حفل إشهار أنيق، جرت فعالياته في قاعة المكتبة الوطنية الأردنية في عمّان، رعاه السفير العراقي السيد عمر البرزنجي، ودعمه عضو مجلس الأعيان الأردني معالي العين محمد داودية، وحضره وزيران ومسؤولين وضبّاط سابقون في وزارة الداخلية العراقية وجمهور غفير غير مسبوق من أبناء الجالية العراقية، إلى جانب أشقاء أردنيين.

 

 

 

 

اختار المؤلف عنواناً لكتابه يحمل دلالة واضحة وذا مغزى، إذ أشار إلى أن أحداثهِ ومواضيعه مستقاة من (ذاكرة ضابط شرطة عراقي) وليس من أوراق… أو حقيبة… أو دفتر ضابط شرطة عراقي. فقد اعتمد اعتماداً كلّياً في سرد هذه الوقائع على ما اختزنته ذاكرته من معلومات وأحداث وتواريخ خلال سنوات خدمته، منذ التحاقه بجهاز الشرطة وحتى انتهاء خدمتهِ منها، دون أن يدوّن حينها أي ملاحظات أو قصاصات ورقية تسعفه في كتابة هذه السيرة.
والمادة التوثيقية الوحيدة التي استعان بها في تأليف الكتاب هي مجموعة من الصور الفوتوغرافية الشخصية الملتقطة من مواقع الأحداث، كتبَ خلفها أسماء الأشخاص الظاهرين ومكان وتاريخ التقاطها، وهو ما أضفى على حكايات الكتاب طابعاً جمالياً، ومتعة سرديّة، ومزيجاً من الواقعية والتخييل يشدّ القارئ أثناء تصفحه الكتاب…!
استهلّ اللواء أوس العزاوي صفحات كتابه، كما جرت العادة، بإهداءٍ لمن كانت لها اليد الطولى في ولادته، وكانت الحافز وراء طباعته؛ إنها السيدة (أم هيلة)، شريكة حياته، وأمّ بناته الأربع، ورفيقة دربه الطويل في كثيرٍ مما جرى وحدث.
أعقب الإهداء تقْدِمةَ للكِتاب بقلم المؤلف والكاتب اللواء أكرم عبد الرزاق المشهداني، أثنى فيه على جهود زميله وصديقه السيد أوس، وما بذله من جهدٍ شخصيٍّ متميز في إنجاز وتحقيق هذا العمل واصفاً الكتاب (بأنه تجربة فريدة لصديقٍ، ضابط شرطة وهب حياته للعراق، وكرّس زهرة عمره لحماية المجتمع ورعاية السلم الأهلي عبر عقود متعاقبة شهدت فيها البلاد أحداثاً جساماً وتحولات مصيرية…). واختتم المشهداني تقديمه بالإشادة بأسلوب المؤلف في كتابة المذكرات بأنه (يمتاز بالمزج بين السرد الواقعي والتحليل الاجتماعي والنفسي، ونجح في رسم صور حيّة للأماكن والشخصيات، بلغة عربية متينة، تجمع بين الفصاحة والبساطة، فتجعل القارئ شريكًا في المشهد وكأنه يرافق الضابط في جولاته الليلية أو جلوسه في مركز الشرطة…).
أما المؤلّف فكتبَ في مقدمة كتابه: (لقد كنت خلال مسيرتي الوظيفية، أحاول ألا أتجاوز حدود ما يفرض عليًّ؛ ملتزماً بالمبادئ القانونية والأخلاقية والدينيّة. ومن هذا المنطلق تعاملت مع كل من زاملتهم أو عملوا تحت إمرتي من ضباط، ومفوضين، وغيرهم من المنتسبين وأن كنت حازماً في بعض الأحيان-وهذا ما تقتضيه طبيعة العمل- في المتابعة والمحاسبة فقد كان ذلك عن قناعة وإيمان وأن هذا النهج لا يعد تجاوزًا، بل ممارسة لمسؤولية مستحقة….)
افتتح كاتب السيرة الفصل الأول من كتابه بسرد شيّق ينطلق من لحظة ولادته، مرورًا بسنوات نشأته ويفاعته، وصولًا إلى صباه الذي قضاه في ربوع منطقة الكرخ العريقة وترعرع في كنف التقاليد والعادات العربية الأصيلة التي أسهمت في تشكيل ملامح ثقافته وانفتاحه على الحياة. وعلى الرغم من أنَّ انخراطه في سلك الشرطة لم تكن أولى طموحاته المستقبلية ولا في حساباته، لكن المفارقات وتقلبات الحظ دفعته إلى هذا المسار فحصل ما حصل، ودخل كلية الشرطة وتخرّج فيها برتبة ملازم ثانٍ بتاريخ 14 تموز 1967، لتنطلق منها فصول جديدة من حياته زاخرة بالتجارب وتقلبات الأحداث.
فبدأ الملازم أوس العزاوي مسيرته العملية في مديرية المرور العامة، ولم يمضِ وقت طويل حتى طُلب منه تقديم برنامج (السلامة العامة) عبر تلفزيون بغداد، ليقف لأول مرة في حياته أمام كاميرات الأستوديو وأضوائه. ثم، وبشكل مفاجئ، صدر أمر بنقله إلى مديرية مكافحة الإجرام، وهي جهة تقتضي التعامل مع المجرمين بقسوة واستخدام القوة المفرطة… وهو ما لا ينسجم مع فطرته السليمة، ولا يليق بشخصيته، ولا يتماشى مع ما نشأ عليه من تربية. فبذل جهده واستنفد وسعه في التوسّط لإلغاء قرار نقله، ونجح في مسعاه، مبتعدًا عن عمل قد يسيء إلى سمعته مستقبلاً.
وفي عام 1970أُبلغ مع مجموعة من زملائه الضباط التهيؤ للاشتراك بدورة (القتال الأعزل) في كوريا الشمالية – بلد العجائب والغرائب- كما أسماها المؤلف، ذلك البلد المنغلق على نفسه، ومجتمعهُ المنعزل عن العالم تماماً، إذ قضى في هذه الدورة ثلاثة أشهر، وصف أيامها بأنها كانت (منعطفًا مهمًا في حياته ومحطة مختلفة، عاشها وهو في مطلع حياته الوظيفية، فتركت في نفسيه أثراً وتجربة غريبة ظلّت في ذاكرته ورافقته إلى اليوم…!).

 

 

 

وبعد هذه التجربة الفريدة في كوريا ومفارقاتها، انطلقت حياة عملية جديدة أخرى للمؤلف ولتنفتح أمامه آفاق واسعة، مستثمراً نتائج الدورة التي خضع إليها، لتولّى مسؤوليات جديدة غير مسبوقة في الشرطة؛ منها حماية طائرات الخطوط الجوية العراقية، والتنقل مع الوفود وكبار المسؤولين في رحلاتهم الرسمية إلى خارج العراق ضمن فريق الحماية المخصص لهم لدول عديدة. ومن خلال هذه الرحلات، أتيحت له فرصة التعرّف على دول “غير مألوفة” أو تلك التي لا تحظى بشهرة واسعة سياسياً، ولم يسبق أن قصدها العراقيون سياحياً، مثل اليابان، وباكستان، وإندونيسيا، والهند، وتنزانيا، وموزنبيق، ومدغشقر، وأوغندا، وزنجبار، والبرتغال، والولايات المتحدة المكسيكية، وكوبا، ومحميّة جبل طارق. إلى جانب دول مألوفة كبريطانيا، وكندا، وتركيا، وإيران، والسعودية ولبنان. وعلى الرغم من أن بعض زياراته خلال هذه التجربة اقتصر على فترات زمنية قصيرة، فإنها شكّلت فرصة تاريخية لا تُعوّض؛ أتاحَت له الاطلاع على معالم تلك البلدان، والتعرّف على عادات وتقاليد شعوبها، ومنحته آفاقًا أرحب وانفتاحاً ثقافياً، ولو في حدّه الأدنى.
ومع تقدّمه في العمر وارتقائه في الرتبة، أصبح من الطبيعي أن يتولى مناصب إدارية أسمى ومسؤوليات أعلى ضمن جهاز الشرطة، كما هو الحال لأي ضابط متمرس. فتسلّم مواقع أكثر أهمية وحساسية، تعكس ثقة المؤسسة بكفاءته وخبرته. وبدأ يتنقّل في مهامه الاعتيادية بين مديريات الشرطة ودوائرها، في مناطق متعددة من محافظات العراق. منها مديرية انضباط الشرطة ومديرية شرطة الكهرباء وكلية الشرطة ومكتب مكافحة المخدرات في الشرطة الدولية وإدارة ضباط الشرطة ومدير شرطة بغداد الجديدة إضافة إلى مديرية الأمن العامة وإحدى ألوية الجيش العراقي.
وفيي منتصف السبعينيات، سُنحت للسيد أوس فرصة دراسة القانون في جامعة بغداد/الدراسات المسائية، كما هو حال العديد من أقرانه. وقد تمكن من اجتياز الدراسة بنجاح ونيل الشهادة في عام 1978. وعندما قرر التقاعد من جهاز الشرطة عام 1991 ساعده هذا المؤهل للتفرّغ لمهنة المحاماة، متخصّصاً في الدعاوى الجزائية التي كانت امتداداً طبيعياً لخبرته العملية في مهام الشرطة سابقاً. وظلَّ يمارس هذه المهنة التي أحبها وبرز فيها لحين بدأ الحرب على العراق في آذار 2003.

 

 

 

 

 

بعد انهيار النظام في العراق وتفكّك مؤسساته بشكل كامل، تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور إياد علاوي، وتولى السيد فلح النقيب منصب وزير الداخلية في هذه الوزارة. ولم يتردد الأخير في اتخاذ خطوة مهمة وجريئة، إذ أعاد إلى الخدمة عدداً كبيراً من ضباط الشرطة السابقين المعروفين بكفاءتهم ونزاهة سجلهم المهني، فأعادهم إلى الوزارة واستحثّهم المباشرة بإعادة تشكيل مؤسسات الوزارة وفق هيكل تنظيمي جديد يواكب متطلبات المرحلة.
فانطلق هؤلاء الضباط بهمّة عالية ومعنويات متجدّدة لخدمة وطنهم ووزارتهم، ساعين من خلال ذلك النهوض بها من جديد وسط أكوام أنقاض الحرب وتداعياتها الثقيلة والمؤلمة. لكن المؤسف في ذلك وبعد عام تقريباً تشكّلت حكومة جديدة ووزير داخلية جديد هو بيان جبر المعروف بـ (صولاغ)، فرفع طلباً لمجلس الوزراء بإحالة كل من أُعيد للخدمة من هؤلاء الضباط السابقين-باستثناء قلّة قليلة منهم- إلى التقاعد والاستغناء عن خدماتهم وخبراتهم لأسباب جليّة لا تخفى، فتمّت الموافقة على ذلك في بنفس اليوم…!
كان قرار وزير الداخلية مُجحفاً وغير صائب، إذ إن ظلم الرزق أشدُّ وقعاً من ظلم السيف، مما دفع اللواء أوس العزاوي إلى قطع صلته بدوائر الشرطة والتقاعد نهائياً من العمل الوظيفي والمدني. ومع هذا القرار الجائر وفي ظل هذه الحكومة وما تلتها، اشتدّت الحرب الطائفية المقيتة في البلاد، فاختار العزاوي الانتقال مع عائلته إلى الأردن، ريثما تستتب الأمور ويعود الأمن والسكينة، والعودة لاحقاً. إلا أن ذلك لم يحدث، بل ازداد الوضع سوءاً، فظلَّ مُقيماً فيها ليكون الأردن ملاذه الآمن، كما هو حال الكثير من أبناء وطنه، تحت خيمة الهاشميين وبين أشقائه الأردنيين، وما زال يمكثُ فيها حتى الآن.
في صبانا وكلما مرّرنا أمام مركز شرطة كانت تستقبلنا لافتة تعلو بوابته، تحمل عبارة: (الشرطة في خدمة الشعب) ذلك الشعار الذي تبنّته المؤسسة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، ليجسّد فلسفةً واضحة في العلاقة بين المواطن ورجل الشرطة أو الأمن…!
تُرى هل ما زالت هذه العبارة الخالدة تُرفع إلى اليوم كشعارٍ وممارسة، أم أن الزمن وتقلّباته أطاحتها لتحل محلها عناوين جديدة وسلوكيات مغايرة…؟
وفي الأردن الشقيق، اختار السيد أوس العزاوي أن يسلك النهج الغربي في ديمومة حياته بعد التقاعد، متفرغاً لها، فكرّس وقته لنفسه وعائلته، وراح يرفّه عنها ويستمتع بأجواء الحياة المدنية، متنقلاً بين دول أجنبية عديدة لم تُتح له زيارتها خلال سنوات خدمته.
وفي الأردن أيضاً شاءت الأقدار أن تنال بناته الأربع نصيبهن من الزواج، ليتزوجنَ، وينتقلنَ للعيش مع أزواجهنَّ في أرجاء متفرّقة من المعمورة: في لوكسمبورغ، وأمريكا، والبحرين، حيث يعملنَ ويواصلنَ حياتهنَّ الطبيعية فيها مع أطفالهنَّ، لذلك صارت تلك البلدان محطة يقصدها الزوجان سنوياً ومنها ينطلقان لزيارة بلدان أخرى للتعرّف على أبرز معالمها الثقافية والترفيهية ويستنشق هواءها العليل.
وهكذا مضت حياة ضابط الشرطة، اللواء أوس العزاوي، على امتداد ثمانية عقود، حافلة بالجد في العمل، والإخلاص في أداء الواجب، والوفاء للوطن. وخلال تلك المسيرة المعطاءة، حظي بفرصة العُمر وشرف أداء فريضة الحج وواجب العُمرة، مُلبّياً نداء السماء بروح مؤمنة وقلب مطمئن. لينتقل بعدها إلى مرحلة الراحة والاستجمام، ويقضي ما تبقى من خريف العمر في نسج علاقات اجتماعية طيبة مع الأهل والأصدقاء في غربتهم، مستمتعاً بثمار سنوات العطاء، وما قدّمه لوطنه وعائلته وللتاريخ…
وصدق الشاعر حين قال:
خريفُ العمرِ، يا وهـجَ السنينِ

 

حصادُ القلبِ من شوقٍ دفينِ

فلا صـخبُ الشبابِ يملأُ الدُّنا

 

 

ولا الأملُ الجميلُ كما يكونِ

ولكنـّي رضيتُ بما جرى

 

ففي الرضا، النجاةُ من الأنينِ