عام يلوك اخر ، وربما القادمات اكثر ضراوة في صراعها ، حتى تغدو غابات السنين رماداً ودخاناً يثيران الخوف والرعب لاننا نجهل ملامح الاتي .
نحن وقود معركة الايام وحطبها ، نحن وسائل ادامة الحروب وتصعيدها ، فلا الزمن يشفق علينا او يرفق بنا فيتوقف عن الدوران ، و لا نحن نتخلى عن كرهنا ومقتنا وضغينتنا وعنجهيتنا .
سنوات زمن اللعنة فاضت قيحاً على صدورنا ، تجردت فيها الارواح من اجسادها وصارت خاوية لا تسمع سوى صوت الصدى ، ذلك التشظي الهائل لاشلاء الاصل يردده جوف الحياة المترامي ، سنوات تركض بنا الى اشد مواقع الارض تضاريساً ، ضاع فيها الدليل وفارق الشروق سماءها .
سنوات عجاف تحكمها دساتير الديمقراطية العرجاء والعمياء المنكفأة على وجهها ، ديمقراطية تحمل في يديها اوتادا تغرسها في خاصرة الامل المحتظر كي يلفظ انفاسه الاخيرة .
ايام وذكرى ( التحرير ) او ( التغيير ) او ( الاحتلال ) او ( الغزو ) تحل باهتة حزينة تجر في اذيالها خزائن قصص الالم والمأساة ، وقاطرات من توابيت الفقراء والابرياء .
انهم يحتفلون بها وسط قصورهم العاجية ، ويزينون سياراتهم المصفحة ، ويسيرون في الشوارع تحت حماية ارتال مشاجب السلاح والطرق المقطوعة والسيطرات المفتوحة وبما يشبه حظرا للتجول وهم يرسمون بايديهم شارة النصر ، ولكننا لا نعرف هوية من انتصروا عليه .
احد عشر عاماً مرت على اطفالنا ، صاروا في الصف الخامس الابتدائي ، منهم من فاضت روحه على اعتاب باب المدرسة كحمامة مذبوحة ، ومنهم من نخر المرض جسده ، ومنهم من فقد اباه فكان بركانا بوجه جوع عائلته وحاجتها ، ومنهم من يفرح بالعيد في لعبة مسدس او بندقية عسى ان يوهم نفسه انه سيقتل بها من جنى على متعة حياته وطفولته .
تمر السنوات على السياسيين مسرعة ، وعلينا اثقل من جبل ، فهم يصارعون الايام من اجل الغنيمة المحددة مواعيدها سلفاً بعد ان اصبحت قلوبهم اشد قسوة عندما فاتهم الكثير من سنوات الصيد الوفير الماضية .
اليوم حان موعد الصحوة ، والتأمل في الجراح او تحسس اجزاء جسمنا ، واستعادة اسمائنا الحقيقية ، وازاحة مفرادت الوجع لان الذي نريده وننزع اليه لا تحققه الاحلام والرغبات .
هم نقشوا على الصخر ذكريات مريرة ، وصبغوا حياتنا بالوان اختاروها لا تخدش ابصارهم ، ولكن نحن الوحيدون القادرون على محو تلك الذكريات من مسيرة حياة السنين الماضية رغم اننا لا نريد نسيانها لاننا ربما نحتاجها يوما في صياغة زمن جديد يتربع الربيع على كل فصوله.
اغلقوا ابوابكم وشبابيك بيوتكم التي اجبرنا على فتحها, وتمترسوا خلف قلاع صناديق الاقتراع لانها طريق التعبير عن ارادة الحياة الحرة الكريمة ، وانتفضوا على الواقع لانكم اداة التغيير وليس غيركم .