19 ديسمبر، 2024 1:57 ص

ملامح الشق الاقتصادي في المشروع الوطني للدكتور علاوي

ملامح الشق الاقتصادي في المشروع الوطني للدكتور علاوي

أعربَ د. اياد علاّوي، ومنذ البداية عن رغبته المُلحة في إرساء العملية السياسية على أسس سليمة وقويمة طويلة الأمد تعبّد الطريق أمام العراق للإضطلاع بدور ايجابي في الساحتين الاقليمية والدولية، فقد سعى وما برح يسعى الى تكريس المفاهيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في اطار دولة المواطنة وفي ذات الوقت النهوض بالجماهير العراقية اقتصادياً، إدراكا منه بأن الحياة الديمقراطية لايمكن لها ان تكون ذا قيمة يُعتد بها الا اذا لازمها شعور بالأمن الاقتصادي.

وقد كانت النظرة العملية والشاملة لشتى مظاهر الحياة سمة بارزة في الاطروحة الوطنية التي تبنىّ تفاصيلها د. علاّوي حيث أعدّ «التنمية الحقيقية» ركيزة اساسية من ركائز برنامجه الانتخابي بالاضافة الى عنوانين اسايين آخرين هما «الدولة المدنية» و«المصالحة الوطنية»، ليضع العراق على طريق النهضة الشاملة ومن ثم اللِّحاق بركب الدول المتطورة اقتصادياً من خلال اعتماد برنامج اقتصادي متكامل يعالج المشاكل الاقتصادية في كافة القطاعات كحُزمة واحدة في المسار التنموي للدولة العراقية.

من هذا المنطلق وخلال الفترة القصيرة من 28 حزيران 2004 الى 6 نيسان 2005 التي تسلّم فيها الدكتور اياد علاوي ادارة السلطتين التنفيذية والتشريعية سعى جاهدا لإرساء منطلقات رصينة للسياسةالاقتصادية من خلال الغاء الديون وتثبيت سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الاجنبية وعقد اتفاقيات مع العديد من الدول الصديقة والشقيقة وبناء مؤسسات فاعلة تأخذ على عاتقها تسيير الأمور ومعالجة الاختلالات ومحاربة ظواهر الفساد المالي والاداري الموروثة عن النظام السابق.

وبالاضافة الى ماسبق، ورث العراق نتيجة الحروب الطائشة للنظام السابق مديونية كبيرة ومتشعبة أسهم التحرك السياسي المباشر من قبل د. اياد علاوي على قادة العالم في إلغاء معظمها ومن ثم تخفيف القيود التي كانت تكبّل تطور الاقتصاد العراقي، حيث خفضت بلدان نادي باريس المديونية من 80- 90 % من الديون المترتبة على العراق. وبدأ الاستثمار الخارجي بالتحرّك داخل القطّاعات الاقتصادية المختلفة في العراق.

باشر د.علاوي فيما بعد في البناء المؤسسي، حيث شكّل «الهيئةالاقتصادية العليا» لتأخذ على عاتقها وضع قواعد توقيع العقود والتخطيط لاقتصاد البلاد في الجوانب المالية والاقتصادية والتجارية واعداد ومناقشة الدراسات والمشاريع الكبرى التي تعدها الوزارات المختلفة واقرارها او تعديلها ووضعها ضمن سُلّم الاولويات .. وكذلك قام بتشكيل «مجلس النفط الاعلى» ليعنى بوضع السياسات النفطية ووضع القانون الاساسي لتأسيس شركة نفط وطنية عراقية منافسة للشركات الاجنبية في مجالات التنفيذ وتطوير الحقول النفطية وبغية المشاركة الفعّالة في أنشطة منظمة أوبك . . وكذلك تشكيل «مجلس الاعمار الاعلى» ، وقد أنشأ «هيئة الاستثمار» في وزارة التخطيط، كما أنشأ أيضاً «صندوق الاسكان» لدعم المواطنين في بناء وحداتهم السكنية.

وقد تبنّت حكومة د. علاوي سياسات اقتصادية راعت فيها التحول التدريجي الى اقتصاد السوق عبر تأسيس «الهيئة العليا للخصخصة» التي انيطت بها مهام النهوض بالنشاط الاقتصادي ورفع القدرات الانتاجية للقطاع الخاص ليكون رديفاً للقطاع الحكومي في امتصاص البطالة والاسهام في تسريع عملية التنمية الاقتصادية في البلاد.

ورغم ما حظيت به المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أهمية في البرامج الاقتصادية للحكومة وقتئذٍ، ألا أن المشاريع الاستراتيجية هي الأخرى لم تكن غائبة عن المشهد الاقتصادي خاصة بعد ان توافرت عناصر دعمها وايجادها المتمثلة في التعاون الاقليمي واستحضار الخبرات والتجارب الدولية اضافة للعناصر المحلية التي تم الحديث عنها سلفاً.. والحديث هنا عن (مشروع ميناء البصرة الكبير) الذي أقرّته اللجنة الاقتصادية العليا ومجلس الاعمار، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة بريطانيا وهولندا ودولة الامارات العربية المتحدة لتكوين هيئة دولية لاحياء محافظة البصرة وبعض المحافظات الجنوبية ببناء الميناء العميق وتوسيعه واحياء شبه جزيرة الفاو صناعيا وسياحيا لتلتحم بأبي الخصيب ومدينة البصرة ولتوسيع طاقة الاستيراد والتصدير من خلال ربطها بشبكات من السكك الحديدية مع بقية المدن العراقية وانشاء خطوط استراتيجية مع اوربا عبر تركيا تكون ممرا للعراق الى جنوب شرق آسيا وللدول الخليجية عموماً الى أوربا.

واضافة الى زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين، تم تشغيل مئات الآلاف في الخدمات العامة ومشاريع الاعمار واعادة نسبة كبيرة من المفصولين الى الخدمة، وكذلك الشروع باعادة الحياة لمناطق الاهوار بعد ان جففها النظام السابق، ثم تم الاعداد والبدء بتنفيذ خطة لاعادة بناء وتعويض المناطق المتضررة من جراء العمليات العسكرية ومنها مناطق النجف وسامراء ومدينة الصدر والفلوجة.

وتماشيا مع التحول الاقتصادي تم اقرار قوانين جديدة وتكييف تشريعات قديمة مع المتغيرات الاقتصادية لكي تنعكس ايجابا على الوضع الاقتصادي العام، وقد أسهمت في انعاش النظام المصرفي وتوفير السيولة النقدية في كافة المراكز والفروع المصرفية لتدوير الأموال وتحقيق بيئة استثمارية قادرة على تحقيق معدلات متزايدة في نمو المدخرات المحلية وجذب الاستثمار الخارجي.

كما أقرّت ونفذّت حكومة د. علاّوي في اطار سياساتها الموجهة ضد الفساد برامج عدة، منها انشاء مؤسسات احترافية تقلّد أعباء ادارتها موظفون أكفاء، على سبيل المثال، اعادة تأسيس وتأهيل ديوان الرقابة المالية واسناد ادراتها العامة لشخص كفوء ونزيه، اضافة الى الدعم المتواصل لهيئة النزاهة للمحافظة على استقلاليتها وتقوية أطر التنسيق مع الأجهزة الرقابية الأخرى، وللحد من عمليات الفساد فقد وضعت حكومة د.علاوي قواعد صارمة لإبرام العقود تفرض على العقد الذي يزيد عن ثلاث ملايين دولار المرور عبر لجنة وزارية مناط بها دراسة العطاءات داخل كل وزارة، ومن ثم تقديم العقد الى الهيئةالاقتصادية العليا للنظر بسلامة تفاصيله ومن ثم الموافقة عليه: أي ربط العطاءات بسلسلة رقابية صارمة تحد من عمليات الاختلاس والتزوير والإرشاء والإرتشاء. وفي تلك الفترة أيضاً، وكمؤشر على محاربة الفساد المالي والاداري تمت احالة اربعة وزارات للتحقيق وتكليف نائب رئيس الوزراء ومكتبه بالاشراف على سير التحقيق الذي تأكد معه سلامة موقف وزارتين، في حين وبعد انتهاء ولاية د. علاوي كرئيس للوزراء تم تسليم اوراق التحقيق الى الوزارة التي تلته (وزارة الجعفري) والتي تعاملت بسطحية وعدم اكتراث مع ملف بقية الوزارات رغم ثبوث المخالفات القانونية والقصور الوظيفي عليهما.

لم يتوقف حال الحكومات التي أعقبت حكومة د. علاّوي عند عدم الاكتراث واللاّ مبالاة بالمشاريع التنموية والسياسات الاقتصادية بل عمدت الى اجهاض النظام المؤسسي والبرامج التنموية والمشاريع الاستراتيجية عبر الغاء معظم هذه البرامج والمشاريع والمؤسسات وتفريغ المتبقي منها من المضامين الوظيفية والاهداف الانمائية.

ان مكافحة الفقر وتحسين الوضع المعيشي للمواطن وتطوير الاقتصاد العراقي شكّل ويشكل أولوية في مفردات المشروع الوطني، حيث سعى الدكتور اياد علاوي من قبل الى زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وتوزيع المُنح في الأعياد والمناسبات وتأسيس مصرف الإسكان ورفع مستوى الرعاية الصحية وتحسين مفردات البطاقة التموينية كمّاً ونوعا، وقد وقف د. علاّوي مؤخرا، موقف الضد من سعي حكومة السيد المالكي لإلغاء البطاقة التموينية وأعدّه قرارا خاطئا داعيا القوى السياسية الى تحمّل مسؤولياتها ورفع صوتها بالدفاع عن الشعب، مطالبا بإعادة البطاقة التموينية وتحسين نوعيتها وتنظيم توزيعها بشكل أمثل بعيدا عن الفساد، ومنبّهاً الحكومة الى ضرورة اعتماد سياسة اقتصادية واضحة المعالم بعيدة عن التخبّط والارتجال.

ان عرض تجربة د. اياد علاوي في الحُكم وسرد المنجز الاقتصاديليس الغرض منه القول بأن الخطوات المستقبلية سوف تكون استنساخا حرفيّا لما مضى، أو أن سقف التطلعات مقتصر على ماتم أنجازه، فالطموح لن يتوقف عند هذا الحد، لكن القصد، هو القاء الضوء على الملامح الأساسية للشق الاقتصادي في المشروع الوطني، ولإيضاح معالم التجربة الاقتصادية الرائدة التي ولدت في ظروف استثنائية جاء من جاء ليحكم عليها بالإجهاض، لأسباب منها ماهو متصل بإفتقار من تصدىّ للمسؤولية فيما بعد الى رؤية اقتصادية ومنهج اصلاحي شامل ومتكامل، وأخرى اقليمية تسعى الى ابقاء العراق سوقاً استهلاكية لمنتوجاتها ومكبّا لنفاياتها الصناعية وحبلا سرّيا لتغذية اقتصادها واستنزاف رصيد العراق من العملات الصعبة.

ليس من الانصاف بشئ القفز على هذه المنجزات فقد ثبت بالقرائن بأن نموا اقتصاديا عبّرت عنه الارقام في تلك الفترة ومنها زيادة الميزانية الاستثمارية عما سبقها بنسبة كبيرة، ألا أن الاجهاض لهذه المشاريع على يد الحكومات التالية قد أعاق عملية تحوّل ذلك النموالاقتصادي الى  تنمية شاملة كان من الممكن لنا ان نعيش في ظلالها اليوم فيما لو أكمل الآخرون تلك الخطوات وبنوا عليها، وكذلك فيما لو لم يُصادر الإستحقاق الانتخابي للدكتور أياد علاوي في العام 2010.

السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، لذا فإن الوطنية الصادقة أملت وتملي على حملة المشروع الوطني أن يسعوا ما وسعهم السعي لتحقيق التنمية الشاملة عندما تُناط بهم مسؤولية ادارة المرحلة. ومن هنا كانت «التنمية الحقيقية» ركيزة من ركائز المشروع الوطني ومنطلقا أساسياً من منطلقاته للتأكيد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية الى جانب الحقوق السياسية والمدنية للمواطن العراقي.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات