22 نوفمبر، 2024 11:06 م
Search
Close this search box.

ملامح الشخصية العربية في التيار الفكري المعادي للامة العربية

ملامح الشخصية العربية في التيار الفكري المعادي للامة العربية

الكتاب في الاساس ، جدلي سجالي يدحض طروحات عدد من الكتاب الغربيين المغرضة ويرد عليها بأسلوب مشفوع بالعلمية الموضوعية المعتمدة على اسانيد ووثائق رصينة لايرقى اليها الشك ، فند الكاتب بها ما انتجه الكتاب الصهاينة من الكتب التي تعادي الوجود العربي وتمالي العدوانات الصهيونية العرقية التوسعية .

ان التيار الفكري المعادي للعرب تيار خطير يجب مقاومته بتيار فكري اخر يقدم الامة العربية بصورتها الانسانية. وهذا الكتاب الف للبرهان على خطر الدراسات التي تشوه الشخصية القومية للامة العربية، والكتب المعروضة فيه للمناقشة مختارة من بين مجموعة من الاصدارات الغربية تغطي موضوعات متعددة كثيرة تشمل الشخصية العربية وتكوينها في حاضرها وماضيها من وجهة نظر معادية للعرب تهدف الى انكار حق العرب في الوجود وفي التقدم توصلاً الى استنتاج بسيط مفاده ان هذه الامة بلا مستقبل، لانها معادية بطبيعتها لقيم العصر الحديث وبالتالي فان سلب ارضها ونهب ثرواتها وافناءها بشتى الوسائل يخدم التطور والتقدم كما يفهمه الغرب. ظز

هذا التهوين من شأن الوجود العربي في ماضيه وحاضره، ليس حرباً ثقافية فقط بل هو جزء من المجهود الحربي الهادف الى تبرير العدوان المستمر الذي يشنه الغرب ضد العرب فينهب مواردهم ويستوطن اراضيهم ويقاوم تقدمهم ويمنع توحدهم ليكسر ارادتهم ويكرس ضعفهم وتنابذهم.

كيف يحدث ذلك؟ ومن يقوم بتشويه الشخصية العربية؟ ولحساب من؟ اسئلة يحاول هذا الكتاب ان يجيب عليها بتقديم نماذج من الكتب المغرضة والرد عليها.

هذه الكتب تعالج معالجة مضللة جوانب الشخصية العربية في سلوكها وتفكيرها وتعبيرها واقتصادها وكفاحها وتطلعاتها، معالجة محرفة مشوهة تسيء الى العرب ومقاصدهم. والطريف في الامر، ان كل باحث من هؤلاء يحيل القارئ الى باحثين اخرين من صنفه ليؤكد ان اجماع الدارسين منعقد على ما يقول. وليس هذا فحسب بل انها تتزيا بالزي العلمي وتتذرع بعلم الانسان وعلم النفس وعلم الاجتماع وتاريخ الحضارة والتاريخ السياسي والدراسة الاقتصادية لكي تغدو مرجعاً علمياً يرجع اليه طلاب الجامعات الاجانب حين يدرسون العرب.

ويلفت المؤلف انتباه القارئ الى ان من يدرس التاريخ للاعتبار يجد في تاريخ العرب حقيقة هائلة واضحة وهي انه منذ فجر التاريخ الى اليوم لم تنجح امبراطورية واحدة في السيطرة على الامة العربية من المحيط الى الخليج ،هذه حقيقة تاريخية مجردة من العواطف الا ان الصهيونية قد ندبت نفسها لهذه المهمة الصعبة بطريقتين- الاولى اقامة جيش قوامه مليون مقاتل عسكري يسكنون في قلب الوطن العربي، والثانية تسويغ خططهم العدوانية التوسعية باستعداء الامم كلها على العرب مع التهوين من شأن العرب وتشويه صورتهم ومحاولة الحط من قيمتهم وبخس انجازاتهم في حقول النشاط الانساني جمعاء.

ولما بدأ الفكر التحرري يغزو اوربا مع تحريك العرب نحو الاستقلال بدأ بعض المستشرقين يعيدون النظر في منطلقاتهم الفكرية، كما وجد بين المفكرين السياسيين ورجال الاعلام الغربيين من يتعاطف مع القضايا العربية وينبه الشعوب الغربية الى خطأ نظرتها الماضية نحو العرب، كان من الممكن لهذا التصحيح في التوجه العرقي ان يستمر حتى تصبح نظرة الغربيين الى الغرب نظرة موضوعية لولا ان تدخل الفكر الصهيوني بكل شراسة الغزو الصهيوني الاستيطاني ليحول في اللحظة الحاسمة بين الغرب وانشاء علاقات عادية مع العرب.

ذلك ان الحركة الصهيونية تعلم علم اليقين انها عاجزة على ان تحقق اهدافها بقواها الذاتية ، فالصهيونية تعرف تماما ان عليها ان تغزو اوربا وامريكا قبل ان تحصل على حق الغزو ووسائله ضد العرب، وتجربتها التاريخية تؤكد ذلك. فقد بدا الغزو الصهيوني موجها في الاساس الى عقول حفنة من قادة الامبراطوريات، حيث تغلغل الفكر الصهيوني في الصحافة الغربية فلما تعاظم شأن العرب وازداد نفوذهم بما لا يسع وسائل الاعلام تجاهله او انكاره عمد الفكر الصهيوني الى تعزيز مواقعه في عقول الغربيين عن طريق هذه الدراسات الانثروبولوجية والتاريخية لكي يثبت الرواسب التي كانت تزول من عقول الغربيين.

هذه الاستراتيجية الصهيونية عن الامة العربية انما تستخدم في المقام الاول للمحافظة على حلف غير مقدس بين الصهيونية والغرب. فقد تلقف الفكر الصهيوني اسوأ ما في التراث الاستشراقي المعارض للفكر العربي وهو التقليل من اهمية الحضارة العربية ومن دور العرب في التاريخ القريب والبعيد. وكذلك الحملة على الدين الاسلامي والقاء اعباء التخلف عليه والتقليل من اهمية العوامل التاريخية التي ادت الى جمود المجتمع العربي.

ان تشويه الشخصية العربية في الغرب يخدم المصالح الاستراتيجية الصهيونية في ان تجعل من الغرب حليفاً دائماً لها على ان تصبح حامية لمصالحه في الوطن العربي. لهذا نرى المفكرين الصهاينة يلتقون مع الفكر الاستعماري الغربي في ناحية واحدة اساسية وهي التقليل من دور الكيان الصهيوني في كراهية العرب للغرب وتضخيم دورها في اخضاع العرب وقهرهم لكي يمتثلون لمطالب الغرب، وذلك لكي تظهر الغربيين نوايا العرب التحررية بمظهر العدوان العربي على مصالح الغرب الحيوية نواياها العدوانية التوسعية لبوس المحاماة عن الحضارة والقيم الانسانية الغربية التي تغطي مصالحه الحقيقية في استيراد المواد الخام واعادتها الى اسواقها الاصلية مصنعة، اي المحافظة على الاقتصاد الغربي بشكله الرأسمالي الاستعماري على حساب العرب. فالصفقة بملامحها الاولى الاساسية هي ان الصهيونية تأخذ من العرب ارضهم والغرب يأخذ مواردهم فاذا تساند الطرفان بالمال والسلاح والسياسة بقيت قوة العرب معطلة فلا يستخدمونها ضد الغرب.

انه يجب علينا نحن العرب –يحذر المؤلف- ان نضع في اعتبارنا ان الفكر العنصري بعد ان استقر الكيان الصهيوني في الوطن العربي يخطط للعرب خارطة جديدة تقوم على اساس ايجاد دويلات طائفية يتولى الكيان الصهيوني حماية كل طائفة من الاخرى بعد ان يثير النزاع فيما بينها طبقاً بكل ما يكلف هذا النزاع من قتلى وخرائب واموال .

ان الفكر العنصري في عمله الدائب لسلب الشخصية العربية بشتى الافتراءات الفكرية ، يتجنب الخوض في اي نقاش ، فهو يصور كل محاولات التشويه التي قام بها الغرب على انها محاولات للاصلاح والتحديث قاومها العرب ويقاومونها بدافع جمود شخصيتهم وثبات طبائعهم ومحافظة مجتمعهم .

انهم ضد التطور ، ضد العلم ، ضد التحديث ، هذههي غاية سيل عارم من الكتب الغربية ألفها صهاينة عن العرب والشخصية العربية والعقل العربي وتاريخ العرب الحديث والعرب والاسلام ، والاسلام في العالم المعاصر .. انها كتب موجهة الى الشعور الجمعي المسيحي في الغرب لايقاظ الرواسب وتأجيج عداء بين العرب والغرب .. وهي كتب موجهة الى وعي الشعوب الغربية بمصالحها لاثارة مخاوفها من اخطار العرب المحتملة عليها، وبلبلة خواطرها ازاء كل تحرك عربي جماعي او انفرادي وتحفيز هواجسها ضد الوجود العربي بكل اشكاله واستفزاز مشاعرها ضد المصالح العربية وغرس الشكوك في نفسها تجاه كل مطلب عربي مهما كان مشروعا.

ولكي يقطع الفكر الصهيوني الطريق على تعاطف الغربيين مع العرب –يقول المؤلف- عمد الى رسم صورة للشخصية العربية تستدعي “الاحتقار والتقزز” مثلما لجأ الى رواسب العداء الغربي التاريخي ومخاوف الغرب من تهديد مصالحه فأثارهما معا بتصوير كفاح العرب من اجل حقوقهم على صورة تهديد وعدوان من العرب على الغرب.

ان الواقعية بين الامم اختصاص يعتمد على التضليل وتحرير الفكر الغربي من تضليل الصهاينة بخصوص الشخصية العربية، ولئن كان الوجود العربي في حقول الاعلام الغربية لا يزال ضعيفاً وعرضياً، فانه في حكم المعدوم في حقول الثقافة الشعبية التي توزع من الكتاب مليون نسخة او اقل او اكثر.

هذه الكتب عن العرب باقلام كتاب معادين للعرب تهدف الى تكوين رد فعل الي ولا تقتصر فقط على غرس الامتعاض في نفس الغربي من العرب، بل تسعى الى احتكار تعاطفه الانساني مع الجانب الصهيوني على طول الخط وبلا مناقشة.

وان وجد مفكر غربي حر قادر على اكتشاف الحقائق ونشرها، فهو عرضة لاحد اتهامين، اما ان له مصالح مالية مع العرب، واما ان يتهم بالعداوة للسامية، وهي تهمة كفيلة بالتضييق على اي كاتب غربي ضمن مجال عمله وفي بلده ومسقط رأسه.

ان الصهيونية ما تزال شديدة القدرة على اضطهاد مفكري الغرب في اوطانهم اذا لم يالؤها ويضلعوا معها في استعداء الشعوب الغربية على العرب.

لا ينبغي علينا نحن العرب- يؤكد وينبه المؤلف –ان نتركهم يشوهون الشخصية العربية ويزيفون اهدافها فلابد من القيام بعمل مضاد ، هذا العمل يبدأ بتفريغ عدد من المفكرين العرب وهم كثر لمراجعة ما يحمله الفكر الصهيوني وتفنيده والاعتراض عليه وتنبيه القارئ الغربي الى مواطن التزوير وبواطن التمويه.

ان الجهود السياسية لتحييد الغربيين او تخفيف دعمهم للغزو الصهيوني لا تثمر حق ثمارها ما لم تكن مرفقة مجهود فكرية تحسن تقديم الشخصية العربية الى الاخرين في ماضيها وحاضرها ، في جوانبها الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي تطلعاتها الى تحقيق ذاتها.. وهذا كله لن يكون الا بجهد ثقافي مستمر على كل المستويات.

ــــــ الكتاب

ملامح الشخصية العربية في التيار الفكري المعادي للامة العربية ، تأليف ـــ محيي الدين صبحي ، ط 1 ، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية ، الرباط ، 1996

[email protected]

أحدث المقالات