التلاقح بين المجتمعات في مستوياته المختلفة كفيل باحداث التغييرات العامة في أي بلد من البلدان .
فالمجتمعات المتطورة صناعيا واقتصاديا وثقافيا وتقنيا وحضاريا تمارس دور المؤثر بفعل تفوقها الكبير في هذه الجوانب الحياتية ، بينما تأخذ المجتمعات المتخلفة عنها دور (المتأثر) عادة .
في العراق ثمة توقف عن التطور ابتدأ منذ عام 1980 عندما اشتط صدام حسين عن الطريق الحضاري واتجه نحو طريق الحروب .
فمنذ تلك السنة تحديدا بدأ التقهقر والتراجع ينحو بالبلد باتجاه معاكس ذاهبا به الى ازمنة التخلف والنكوص الحضاريين حيث توقف النمو الاقتصادي وتعطلت مشاريع البناء في قطاع الصناعة وتقلص النشاط الزراعي كثيرا بفعل الهجرة الفلاحية نحو المدينة وتراجع مستوى التعليم كثيرا .
وبسبب الاوضاع السيئة التي رافقت عملية التغيير واسقاط النظام في سنة 2003 استمر الحال بالتراجع فاتسعت الهوة بيننا وبين البلدان المتطورة الى الحد الذي صرنا فيها نرى بوضوح بروز ملامح الترييف وطغيانها على معظم الملامح المدنية .
وكما هو معلوم فان المجتمعات الريفية لايمكن ان تعد مجتمعات متطورة حضاريا لاعتبارات ثقافية متعدد ( مادية . سلوكية . فكرية) .
عند النظر الى البدان المجاورة التي قطعت اشواطا كبيرة في التطور نجد انها اكتسبت وجوههها الجديدة بفعل ذلك التلاقح الذي حصل بينها البلدان المتطورة .
حيث دخلت الثانية من خلال قنوات (سليمة ) غير قناة الاحتلال ، فاقامت مشاريعها الاستثمارية في مجالات الصناعة والسياحة والتجارة والعمران فكانت لهذه المشاريع مردودات اقتصادية استفادت منها الدول والمجتمعات وكانت لها فوائد حضارية عندما بدأ الناس وبفعل التلاقح الموجود مع الوافدين من اكتساب سلوكيات وافكار متحضرة انعكست ايجابيا على اساليب حياتهم الخاصة .
نحن في العراق ، ولااسباب واهية غير مقنعة يسوّقها اصحاب المصالح الخاصة ويتشبث بها جمهور العامة ، لازلنا نرفض دخول (الاخر المتطور) الى حياتنا حيث نرى فيه صورة المهدد لوجودنا والماسخ لهويتنا الاجتماعية والوطنية والمتامر على عقائدنا الدينية .
ويقينا فان مخاوف كهذه تشكل عائقا كبيرا في طريق تطور البلد والمجتمع وهي مخاوف لادعي لها ، اذ مامن بلد في العالم نال التطور بامكانياته الخاصة لوحدها ومن خلال ناسه وحدهم ، والامم الغربية خير مثال على هذا .
اعتقد ان اعادة النظر في الطريقة التي ننظر بها الى الاجنبي وتغيير موقفنا السلبي منه سيتيح لنا المجال للتعامل الايجابي معه والاستفادة من امكانياته المادية والفكرية بما يحقق لنا فرصة اللحاق بركب الحضارة التي ابتعدت عنا كثيرا .