22 نوفمبر، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

ملاحظتان عن فرانكشتاين

ملاحظتان عن فرانكشتاين

“هل هو بيته فعلاً؟ ربما سيتأخر هنا طويلاً, وحين يخرج يجد أن فرج الدلال قام بجرف الأنقاض من البيت وبنائه من جديد وتسجيله باسمه في سجلات الشهر العقاري”.
هذا الكلام يعود لهادي العتاك على أثر أصابته بانفجار سيارة مفخخة أمام دارة في الزقاق رقم سبعة في البتاويين, في فرانكشتاين في بغداد للروائي أحمد سعداوي .
قرأتُ في منتصف الرواية بيت من الشعر قاله علي باهر السعيدي لمحمود السوادي الذي كان يعمل عنده محرراً في الجريدة, يختزل مفهوم الشرقية بعدم النظافة, مع ان المقصود كما هو واضح من طبيعة البيت, العرب. فالشرق يضم الكثير من الشعوب بضمنها الصين واليابان وبلاد فارس, وحتى أن أجزاء كبيرة من روسيا تنتمي للشرق, على حد علمي, وهي شعوب لها عادات غير عادات العرب, ويتمتعون بوفرة من المياة تتيح لهم النظافة, وليسو كالعرب الذين يعيشون في حصراء جافة, وكثيراً ماتقاتلو في تاريخهم على واحاتها, كما أن قائل البيت هو عنترة بن شداد, والذي لم يكن يعرف شيئاً خارج محيطه العربي, على أرجح الظن. أعتقد ان الكاتب أما اراد التخفيف من حدة الإنتقاد, أو عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الكبرياء العربي (ممثلاً بالنقاد) الذي يتنكر لمساوئ دائماً.
في النص أعلاه والذي نقلته من الرواية لهادي العتاك, وردت عبارة (الشهر العقاري), وكذلك وردت الكثير من الجمل في الرواية التي تتحدث عن مخاوف المتواجدين في الزقاق رقم سبعة في حي البتاويين, من قيام فرج الدلال بسرقة عقاراتهم. أم دانيال بالتحديد تساءلت ذات مرة فيما إذا كانت تملك ورقة تُثبت ملكيتها للبيت !.
أتصور انه قد فات الكاتب -ولكون أحداث الرواية تجري في العراق- ان العراق يأخذ بنظام التسجيل العيني ويسمى (التسجيل العقاري). نظام الشهر العقاري, مطبق حالياً في مصر وبعض الدول. ويجري حاليا في كل دول العالم التحول لنظام التسجيل العيني.
الفرق بينهما ببساطة, ان نظام الشهر العقاري يمكن التلاعب به. يقوم على مسك عدة سجلات للشهر العقاري، حيث يتم قيد السندات والتصرفات المراد شهرها باسم مالكي العقارات، فطبقا لهذا النظام لا يعتد بمواصفات العقار، بل باسم الأشخاص المتصرفين فيه، أي تكون شخصيتهم محل اعتبار، فإذا أراد شخص ما شراء عقار تعين عليه الاتجاه إلى إدارة الشهر العقاري والبحث عن اسم مالكه في السجلات المعدة لذلك، والتي غالبا ما تكون سجلات حسب الترتيب الأبجدي، وسجلات حسب الترتيب الزمني, لذلك يسمى بالنظام الشخصي. من مساوئ هذا النظام, أنه يكثر فيه بيع ملك الغير, حيث يمكن للمالك غير الحقيقي التصرف بالعقار إذا كان حائزاً له, لصعوبة التعرف على المالك الحقيقي للعقار وعلى هويته, لأن ذلك يتطلب البحث عنها في سجلات مختلفة, ومساوئ أخرى. والفلم المصري (غريب في بيتي) بطولة نوري الشريف وسعاد حسني مثلاً على تلك المساوئ.
نظام التسجيل العقاري ( العيني), وهو النظام القانوني المنتشر تقريبا بجميع دول العالم ، والذي يتخذ من العقارات ذاتها (بعينها) اساسا له ، بحيث يفرد لكل وحدة عقارية صحيفة يدرج فيها بيانات العقار والمتعاملين عليه والحقوق المتعلقة به.
ومن الصعوبة في هذا النظام التلاعب بالعقارات او الإستحواذ عليها بالغش, لأن التسجيل يعتمد على العقار بذاته لا على مالكه, ومن السهولة التعرف على الوضعية القانونية للعقار, فبمجرد الإطلاع على البطاقة العقارية يتوضح موقع العقار، مساحته، حدوده، رقمه، اسم مالكه بصفة صحيحة ودقيقة، كما أن البيانات الواردة في السجل العقاري تعتبر حجة على الكافة بما دون فيها، ولا يمكن أن يعتريها أي غموض أو شك، مما يتجنب المساوئ الناجمة عن تشابه الأسماء, والأهم لايطلب وفق هذا النظام حيازة العقار لإثبات ملكيتة, فمادام مسجل بإسمك في التسجيل العقاري وبصورة صحيحة, تستطيع سلوك الطريق القانوني لإخراج من يسكن في العقار ومطالبته بأجر المثل, إذا كان سيء النية, وحسب الحالة. وحتى ان كنت لاتملك سند العقار الذي هو عندنا السند الدائمي (25), فمادمت تعرف رقم العقار, تستطيع مراجعة التسجيل العقاري وإستخراج بياناته بشرط ان تكون مالكه أو صاحب حق فيه كالوارث مثلاً.
ولا أُنكر انه جرى ويجري عندنا الإستيلاء على عقارات الغير, بالتهديد والوعيد أو عن طريق التلاعب بسجلات التسجيل العقاري, ولكن ذلك يجري في الغالب من أشخاص يستفيدون من مواقعهم في السلطة, أي يستخدمون صفاتهم الرسمية التي تتيح لهم سلب ملك الغير, ولكن لا أتصور أن شخص ساذج كفرج الدلال, يستطيع ذلك ويقلق الزقاق رقم سبعة بكامله.
الملاحظة الأخيرة أشعرتني ان الكاتب إستعمل في ذلك الدارج من القول, فالشهر العقاري مشهور عندنا بفضل تشبعنا بالأفلام المصرية.
لايعتبر ماأوردته إنتقاداً للرواية أو الكاتب لأني لستُ معنياً بالنقد, بقدر ماهي ملاحظات بسيطة عن رواية أشعر بانها تستحق منا الكثير من التأمل لأنها وضعت ذواتنا على المشرحة, وفتحت الأبواب الموصودة بقوة, على ضمائرنا التي تهرب دائماً من العدالة !.

أحدث المقالات