6 أبريل، 2024 9:45 م
Search
Close this search box.

ملاحظات وافكار حول مهام وعمل الرقابة البرلمانية

Facebook
Twitter
LinkedIn

تلعب الرقابة السياسية أو كما يطلق عليها ( الرقابة الشعبية ) على أعمال الحكومة دورا هاما في محاسبة السلطة التنفيذية، ويقصد بها الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق مؤسسات المجتمع المدني وعلى وجه خاص التنظيمات الشعبية اي مراقبة المواطن للنشاط الحكومي داخل الدولة، أو عن طريق الهيئة البرلمانية بالوسائل التي نص عليها الدستور .
والرقابة البرلمانية هي جوهر الرقابة السياسية، فالبرلمان كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، ومهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين – هي مراقبة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان ومناقشة الميزانية وإجبارها على تبرير تصرفاتها وقراراتها أمام الناس، وحيث أن هذه الرقابة تتطلب النشر، فإنها تشكل ضمانة لحقوق الأفراد وتكفل حرياتهم ضد تصرفات الحكومة ومؤسساتها .

 

مراقبة وزارات الدولة
وتتمثل الرقابة البرلمانية التي يمارسها مجلس النواب بمساءلة الوزراء عن كافة التصرفات التي تصدر عن وزارات الدولة والمصالح التابعة لها ، وقد وضع الدستور تحت تصرف مجلس النواب وسائل عدة يستطيع بواسطتها مراقبة السلطة التنفيذية وهذه الوسائل تتفاوت من حيث القوة والخطورة من مجرد إبداء الرغبات للحكومة أو توجيه الأسئلة للوزراء ، أو تأليف لجان تحقيق ، حتى تصل في خطورتها إلى استجواب الوزير وطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة.
وفي هذا الصدد لم يجر تطبيق ماورد من نصوص في الدستور من قبل البرلمان بخصوص الاجراءات التي يجب اتخاذها بعد الاستجواب واكتفت اللجان بتوجيه الاسئلة فقط وعاد الوزير لموقعه دون حساب برغم عدم قناعات بعض النواب باجوبة الوزير!!! ، وخضوع اللجان المعنية بالاستجواب للتأثيرات والضغوط الساسية لاجبار اللجان بعدم اتخاذ قرارات حاسمة ضد الوزير او المسؤول المستجوب .
كما تتمثل هذه الرقابة في قيام مجلس النواب بفحص واعتماد مشروع الميزانية العامة، والتصديق على الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة، وفي موافقة المجلس على مصروفات غير واردة في الميزانية أو زائدة على التقديرات الواردة فيه التصرفا.
وهنا ايضا مخالفة صريحة وواضحة لما ورد في الدستور والمتعلقة بالحسابات الختامية والمصروفات غير الواردة في الميزانية ، اذ مرت عدة سنوات على المجلس دون ان ينظر ويدقق في هذه الفقرة المهمة والتي لها تماس مباشر بتفشي الفساد وسوء الادارة بالتصرف بالمال العام !!! ، وايضا لها علاقة مباشرة ومهمة في اعداد الموازنة السنوية، اذ ان نتائج التدقيق يبنى على اساسها احتساب قيمة العجز ، واطلاع الحكومة على حجم المصروفات ومدى فائدتها وبموجب اية صلاحيات او قرارات قانونية دستورية تم صرفها ، او التلاعب بأسعارها .

والرقابة البرلمانية الناجحة تشترط أمرين:
الأول يتعلق بالمجالس النيابية نفسها، إذ يفترض أن تتحقق فيها السلطة والقدرة والرغبة في مراقبة السلطة التنفيذية.” وتتحدد السلطة الكافية للمجلس النيابي للاضطلاع بدور الرقابة عادة من خلال الإطار القانوني.
أما قدرة المجلس على ممارسة دور الرقابة فلا تحددها القوانين المجردة بل الإمكانات المادية والبشرية الملموسة التي توضع تحت تصرف النواب للقيام بالمراقبة. والغرض الرئيسي من تأمين هذه الإمكانات هو السماح للمجلس وللنواب بالحصول على اكبر قدر من المعلومات حول أداء السلطة التنفيذية إذ انه بدون هذه المعلومات يستحيل على النائب/ المراقب القيام بمهمته.
وقد يتوفر للمجلس الإطار القانوني للاضطلاع بمهام الرقابة، وكذلك الإمكانات المادية والبشرية التي تيسر له، من الناحية النظرية، تنفيذها، ولكن دون ان يكون لدى المجلس ونوابه الرغبة او الإرادة الكافية لممارسة هذا الدور، ذلك ان هذه الرغبة تتأثر بالأجواء السائدة في البلاد أي خارج نطاق العمل البرلماني .
وفي ذلك معنى واضح ، بعدم ممارسة الدور الرقابي لانه يخضع الى الضغوط والتأثيرات التي تمارسها الكتل السياسية حماية لمصالحها ونفوذها ، وقد تلجأ الى المساومات والصفقات بل واحيانا حتى التهديد لمنع الخوض في ملفات يمكن ان تفضح بعض المسؤولين المرشحين من كتل سياسية معينة .!!!! ، ناهيك عن تغافل بعض اعضاء اللجان الرقابية او اخفاء معلومات او ملفات غاية في الاهمية يمكن من خلال كشفها التوصل الى حقائق تؤكد على وجود فساد او سوء ادارة او تصرف غير قانوني بالمال العام .

الشرط الثاني
ومن العوامل المؤثرة في جهوزية البرلمانات للقيام بالرقابة على الحكومات أيضا الأوضاع السياسية الفعلية التي تعيشها البلاد من ناحية التطور الديمقراطي. فلا ريب ان قيام تعددية سياسية حقيقية تنعكس على واقع المجلس تعزز دوره الرقابي، فالتكتلات البرلمانية الحزبية أكثر قدرة من النواب الأفراد على مراقبة الأداء الحكومي وعلى الحصول على المعلومات الضرورية للاضطلاع بهذه المهمة، كما ان تحقيق مبدأ تداول السلطة يعزز ميل نواب المجلس، خاصة من المستقلين والمعارضين، على القيام بالدور الرقابي. ويلعب الأعلام الحي والمستقل دورا مهما في تشجيع النواب على الاضطلاع بالدور الرقابي، وفي إمدادهم أحيانا بالمعلومات التي يستفيدون منها في عملية الرقابة.
وفي هذه الجزئية ، ولوجود تكتلات سياسية في البرلمان ، فأنها ومن خلال التجربة والمتابعة ، نجدها غير فاعلة ومتفاعلة مع حاجات الناس وطموحات البلد ، فهي غالبا ماتستغل حجمها واعدادها للترويج لقرارات وقوانين تخدم مصالحها وغاياتها بعيدا عن مصالح الشعب ، او انها بمعنى اخر لا تكلف نفسها بالتركيز على الاولويات حسب حاجة المرحلة اليها وبما يتناسب مع اهميتها وضرورتها الانية !!!!

رصد المظاهر السلبية
بالاضافة الى ماتم ذكره اعلاه ، فأن الرقابة البرلمانية هي احد اهم اعمال ونشاطات البرلمان ، كونها ترصد عبر نشاطها وتجوالها كل المظاهر السلبية والايجابية على صعيد عمل واداء وزارات ومؤسسات الدولة ، وهنا ينبغي على لجان الرقابة البرلمانية ان تمارس عملها ميدانيا من خلال الزيارات المتكررة لمؤسسات الدولة واطلاعها المباشر على طبيعة وتفاصيل الاداء ، والتعرف على كل مايحيط بتلك المؤسسات من مصاعب ومشاكل تحول دون تمكنها من اداء عملها بالشكل الصحيح ، وهذا يتطلب عقد لقاءات واجتماعات مع معظم المنتسبين والموظفين لمعرفة تفاصيل تلك المشاكل والصعوبات ، وهذه المتابعة لاينبغي ان تكون موسمية او عند حصول حدثا ما في مكان ما ، انما يجب تكون مجدولة على مدار السنة ووفق المعلومات التي تحصل عليها تلك اللجان ، لانها عين البرلمان خارج قبته ، وسلاحه في مكافحة كل الافات والفساد والروتين والبيروقراطية التي تعرقل اعمل المؤسسات وتنهك المواطن في مراجعاته لدوائر الدولة ، وللاسف فأن الرقابة البرلمانية ضعيفة من حيث الاداء والواجبات ، وتكتفي في تقصي المعلومات التي ترد اليها دون ممارسة المتابعة الميدانية مما يجعل ادائها متأخرا وبغير نتيجة تذكر ، لذلك نجد ان كل مؤسسات الدولة غير خاضعة للرقابة او المحاسبة مما نتج عن ذلك ترهل في الاداء وسوء في الانتاج وتصرف غير مشروع بالمال العام اضافة الى شيوع البيروقراطية والتنمر في التعامل مع المواطنين لدى مراجعاتهم لمؤسسات ودوائر الدولة ، وكل ذلك ساهم الى حد كبير في تأزيم وتشظي الاوضاع على وتفكك حلقات الترابط المؤسساتي في مجال انسيابية العمل ودقة الاداء.
وعلى هذا الاساس يجب ان يكون لرئاسة مجلس النواب دورا مشددا وحازما في تفعيل اللجان الرقابية وحثها على اداء عملها بموجب ماجاء في النظام الداخلي للمجلس والذي اكد على اهمية نشاط اللجان الرقابية وحياديتها في كشف الحقائق وشفافية اتخاذ القرارات، ومتابعة عملها بالشكل الذي يعطي القدرة الفاعلة للبرلمان في تصحيح الاخطاء والنهوض باداء مؤسسات الدولة على وفق الاسس المهنية الصحيحة والاداء المتقدم لما فيه مصلحة وخير البلد.

كاتب ومتابع للشأن السياسي
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب