المعتقل عبد الناصر قرداش.
محلل مختص في الشؤون الاستخبارية
توالت التصريحات العاجلة والنارية حول اعتقال أخطر أرهابي داعشي او كما سمته وأجمعت عليه الاجهزة الامنية العراقية على انه الخليفة المحتمل للبغدادي , وقد تزامن (اعتقال) الارهابي (عبد الناصر قرداش) مع تصاعد وتيرة الهجمات الارهابيـــــة التـــــــــــي يشنها التنظيم حاليـــــاً فــــي عدد من محافظات عراقيـــــة (كركوك,ديالى,صلاح الدين) ,فقد اعلن جهاز المخابرات العراقي في 20/ايار/2020 إلقاء القبض على الإرهابي المدعو عبد الناصر قرداش بناءاً على معلومات استخبارية (دقيقة)، ووصفه بالمرشح لخلافة البغدادي في زعامة تنظيم داعش, في حين غرد وزير الداخلية العراقي (عثمان الغانمي )على تويتر بأنه قد (تم القاء القبض على خليفة البغدادي الارهابي / عبدالناصر قرداش), وقد أيدت خلية الاعلام الامني العراقي هذا الموضوع جملة وتفصيلاً واشارت الى انه بنك معلومات , واضاف عليه بعض المحللين المقربين من الاجهزة الامنية العراقية على ان اعتقال هذا الارهابي سيكون بداية النهاية لهذا التنظيم!.
لم يعد يخفى على أحد الادوار الرئيسية التي لعبه او اضطلع به الارهابي (عبد الناصر قرداش) من خلال اشغاله لمواقع مهمة وحيوية في التنظيم, امثال (والي ولايات الشمال),(امير التصنيع والتطوير),(والي ولاية البركة),(القائد العسكري لمعارك كوباني ,تدمر,حلب,دمشق),(المسؤول الاداري للتنظيم) و(نائب البغدادي) ولا يخفى على احد أيضاً اهمية (اعتقال) ارهابي خطير بهذا الوزن , ولكن قد يخفى على الكثيرين ان هذا الارهابي لم يتم اعتقاله من قبل القوات او المخابرات العراقية, بل سُلم لهم حسب اتفاق أبرم على عجالة جرى بتوصية خارجية بين قوات سوريا الدمقراطية وجهاز المخابرات العراقي. لا نريد هنا ان نقلل من أهمية وجود هذا الارهابي في قبضة الاجهزة الامنية العراقية ولو كان أهميته قد أصبح محدوداً بعد تواجده لعام ونيف في معتقلات( قسد ),ولكن يجب أن نعيد الى الاذهان أن من أسس الاستخبارات الحيوية هي السرعة والتوقيت , اي ان صفة الاستخبارات (في وقتها) معدومة في عملية تسليم الارهابي المذكور آنفاً. ومن الامور الاخرى التي تبعث على الاسف والاسى في الوقت نفسه هو التسويق الاعلامي الخاطىء والضعيف والخطوات الامنية التوجيهية والمعنوية المفبركة التي مازالت الاجهزة الامنية العراقية تتبعها في توجيه الرأي العام العسكري والمدني على حد سواء ,فالأستراتيجية الاعلامية والتوجيهية لدى الاجهزة الامنية العراقية ما زال ضعيفاً ولا يرتقي او تتوافق مع مستوى وأسماء وزارات و اجهزة أمنية واستخبارية سيادية كجهاز المخابرات ووزارتي الدفاع والداخلية ,ولا اعرف ما الفائدة المرجوة من نشر معلومات مغلوطة مصطنعة للرأي العام العراقي , فمثل هذه التصريحات او البيانات تكون معرضة للكشف السريع في هذا العصر , الذي هو عصر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الذي يغزو كل بيت وقرية ومدينة في اصقاع الارض.
ان الارهابي (عبد الناصر قرداش) كان موجوداً في آخر جيب مكاني وعملياتي لتنظيم داعش وتحديداً في الباغوز – سوريا, وسلم نفسه الى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في اذار 2019 ,وبقي في احد السجون التي تديرها تلك القوات وأجري معه تحقيقات مكثفة من قبل قوات التحالف والاجهزة الاستخبارية الغربية , وقد سُلم الى القوات العراقية في 18 -19/آيار-2020 بأتفاق بين قوات (قسد) والمخابرات العراقية وبطلب من الاخيرة بغية توظيف الامر توظيفاً اعلامياً .
لا ضير من التوظيف الاعلامي للموضوع وان كانت تحتوي على معلومات وأحداث قديمة وسابقة ,لما للاعلام من دور في رفع الهمم وأدامة المعنويات وأستثمار نتائج المعارك وبناء الامن الوطني , فالاعلامي الامني اوالعسكري له دور لا يقل عن دور الجندي , ولكن يجب اولاً على هذا الاعلام ان يتسم بصفات عديدة أهمها: الموضوعية ,الدقة والمصداقية, ولكن للاسف الشديد لم نجد هذه الصفات المذكورة آنفاً في تصريحات الاجهزة الامنية العراقية حول أعتقال الارهابي (عبد الناصر قرداش), لذا فأننا لمسنا مردودات سلبية لمثل هذا النوع من التصريحات الغير الدقيقة أكثر من النتائج الايجابية التي كانت ترجى منها , فالارهابي (عبد الناصر قرداش) لم يعتقل من قبل المخابرات العراقية بل وحتى لم يعتقل بناءاً على معلومات مقدمة من المخابرات العراقية .
أهمية أعتقال (عبد الناصر قرداش) وأهمية تسليمه
هنالك بون شاسع بين أهمية أعتقال الارهابي عبد الناصر قرداش قبل اكثر من عام في سوريا وبين الاهمية من وراء تسليمه الى جهاز المخابرات العراقي قبل عدة ايام ,فمنذ اليوم الاول من أعتقال المومأ اليه بعد معركة باغوز قامت قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية بأجراء تحقيقات تسلسلية مكثفة معه , وقد نجحوا بالحصول على كم هائل من المعلومات الاستخبارية عن أسماء وعنوانين ومناطق التحرك والايواء والتمويل المعتمدة من قبل العناصر القيادية والرئيسية في التنظيم , والتي استطاعوا بها من تضييق الخناق على تلك القيادات الطليقة وألقاء القبض او قتل العديد منهم او احباط محاولات الهروب للبعض الاخرين , ومن أبرز العمليات الخاصة التي قامت بها قوات (قسد) وقوات التحالف مستفيدين من جمع وتحليل المعلومات خلال جلسات التحقيق مع الارهابي (عبد الناصر قرداش) عام 2019 هي:
بتأريخ 13/أيار/2019 ألقت قوات سوريا الديمقراطية(قسد) القبض على الارهابي (طلال شنير)
الملقب( ابو همام ) وذلك في منطقة سلوك / ريف تل ابيض .
في 11 من حزيران/يونيو 2019 قامت وحدات خاصة من (قسد) وقوات التحالف الدولي من قتل الارهابي (ثابت صبحي فهد الاحمد) أحد القيادات الارهابية المسؤولة عن بيعه النفط وتهريبه وذلك في منطقة الصور /دير الزور ,علماً ان هذا الارهابي كان يرتبط مباشرة في فترة من الفترات بالارهابي (عبد الناصر قرداش).
بتأريخ 22 تموز 2019 القت وحدات خاصة من قوات سوريا الديمقراطية القبض على المدعو (محمد شاكر هواش ) مسؤول المجموعات الانغماسية في ريف مدينة منبج.
بتأريخ 25 تموز /2019 القت وحدات خاصة القبض على الارهابي (عمار هانو الماتوري) مسؤول استخبارات الحسكة في التنظيم.
بتأريخ 31 أب 2019 القت قوات مكافحة الارهاب القبض على الارهابي (انور عبد الرحمن حدوشي) في الريف الشرقي لمدينة دير الزور , علماً أنه كان يعمل تحت أمرة (عبد الناصر قرداش) لفترة من الفترات وهو بلجيكي الجنسية والمسؤول عن تسهيل عمليات تهريب ما يسمى بالمهاجرين الملتحقين بالتنظيم والقادمين عبر تركيا وكان له دور فعال في تنسيق الهجمات الارهابية في باريس وبروكسل عام 2015 .
6.بتأريخ 3 ايلول 2019 أستطاعت قوات قسد وبمساعدة قوات التحالف الدولي من القاء القبض على الارهابي (احمد محمد أحمد) الملقب (أبورفعة) الذي كان أحد مسؤولي المالية للتنظيم وعمل مع الارهابي (عبد الناصر قرداش).
7. بتأريخ 10 ايلول تمكنت قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف بقتل الارهابي (أبو حارث العراقي) القيادي في التنظيم وأمني الحدود السورية – العراقية والذي عمل فترة في محافظة ديالى ومن ثم التحق بالارهابي (عبد الناصر قرداش) في جنوب الموصل .
8. بتأريخ 26 ايلول 2019 نفذت وحدة مكافحة الارهاب التابعة الى قوات قسد وبالتنسيق مع قوات التحالف عملية نوعية لاعتقال الارهابي (ابو عمر السوري) مسؤول تسليح وأدارة الخلايا الارهابية النائمة في شمال شرق سوريا وذلك في بلدة البصيرة بريف دير الزور.
هذا بالاضافة الى العشرات من العمليات الاستباقية التي نفذت في شرق وشمال شرق سوريا والتي كانت آخرها المعلومات التحليلة التي حصرت أماكن تواجد الارهابي (ابو بكر البغدادي) وتم قتله على أثرها في تشرين الاول من عام 2019 في قرية باريشا ضمن محافظة أدلب .
لا اعتقد بأن تواجد الارهابي (عبد ناصر قرداش) سيكون له أهمية كبيرة كتلك الاهمية أبان اعتقاله في 2019 كما يحاول البعض من تصويره لأغراض سياسية ودعائية وذلك لعدة أسباب نختصرها فيما يلي:
الارهابي عبد الناصر قرداش قد أنقطع عن التنظيم في نهاية آذار 2019 بعد أن سلم نفسه الى قوات سوريا الديمقراطية وقد حُقق معه لشهور عديدة وأدلى بأغلب المعلومات الحساسة والحيوية التي كانت بحوزته في ذلك الوقت وعلى أثرها تحركت قوات التحالف وقوات (قسد) للاستفادة الفورية والآنية من تلك المعلومات في ذلك الوقت ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تقارب وتسلسل تواريخ قتل واعتقال الارهابيين المذكورين أعلاه.
المعلومات التي أدلى بها او سوف يدلي بها عبد الناصر قرداش للاجهزة الامنية العراقية هي معلومات قديمة وغير استخبارية في المقام الاول, لأن هذه المعلومات كانت تخص حقبة تنظيم الخلافة واستهلكت نوعيتها واهميتها بمقتل (أبو بكر البغدادي) في تشرين الاول 2019 .الا انه من الممكن أستفادة من المعلومات المقدمة او التي سوف يكشف عنها هذا الارهابي الى القوات العراقية في بلورة تصورات وتحاليل مستقبلية حول هيكلية تنظيم داعش او التغييرات التي طرأت عليها.
لا يمكن تسخير او توظيف الا الجزء اليسير من تلك المعلومات في وضع تحليلات أستخبارية آنية مثمرة .
تغيَر أستراتيجية التنظيم وتكتيكاته وأساليب عمله وتوزيع قياداته بصورة تدريجية أبتداءاً من فقدانه لما يسمى بأراضي التمكين ومروراً بمقتل البغدادي وانتهاءاً بأعادة هيكليته وجمع شتاته تحت قيادة أميره الجديد الارهابي (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي).
ملاحظات حول حوار الدكتور هشام الهاشمي مع الارهابي (عبد الناصر قرداش)
لقد بَنيتُ هذه المقالة على الحوار الذي أجراه وحلله الباحث الامني والسياسي هشام الهاشمي مع الارهابي (عبد الناصر قرداش) مؤخراً,غير انني في الجزء الاول من المقالة أحببت أن اعرج على التصريحات الرسمية للاجهزة الامنية العراقية والتوضيف الاعلامي الغير الناضج لأستلام الارهابي المذكور أعلاه من قوات سوريا الديمقراطية.
الدكتور هشام الهاشمي باحث متمكن وله خبرة في مجال تتبع وتحليل سلوكيات الجماعات الارهابية المتطرفة وتسجيلنا لبعض الملاحظات على النتائج التي خرج بها من مقابلته وحواره مع الارهابي (عبد الناصر قرداش) لا يقلل من شأن تحليله العام الا انه ينبه الى ضرورة توخي الدقة والمراجعة وربط الوقائع قبل التوصل الى نتائج خاصة او ملاحظات ذات أهمية تحليلية.
كانت هنالك ترتيب عشوائي وتناقضات في السرد الزمني والاسمي ايضاً لحديث عبد الناصر قرداش من جهة (وقد يكون مقصوداً) وملاحظات الباحث هشام الهاشمي من جهة أخرى, فمثلاً على سبيل المثال لا الحصر ذُكر بأن عبد الناصر قرداش والارهابي ابو محمد العدناني شكلوا النواة الاولى لنشر فكرة القاعدة في الشام عام 2011 ويرجع ليذكر ان الارهابي عبد الناصر قرداش كان ينشر فكر تنظيم داعش عام 2011 في الشرق السوري , وهنا نود ان نذكر ان أعلان ما يسمى ب(جبهة النصرة) بقيادة الارهابي ابو محمد الجولاني كان في أواخر 2011 والاعلان الرسمي لداعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام) كان في نيسان 2013 والذي شكل أفتراقاً علنياً بين تنظيمي داعش وقاعدة.
يذكر الدكتور الهاشمي في صلب ملاحظاته التي بناه على حواره مع الارهابي عبد الناصر قرداش ,(أن التنظيم لم يكن يمتلك فقهاء او كتاباً ولا منظرين وكل ما كان لديه كان خطباء وطلاب علم ). لا اعلم كيف توصل الدكتور الهاشمي الى هذا الاستنتاج الخاطئ , فمثلما نهلت القاعدة أفكارها المتطرفة من عبد الله عزام وأسامة بن لادن فأن داعش أستقى تنظيره الارهابي الاولي من هؤلاء ايضاً , وان كان الدكتور الهاشمي يقصد بكلامه بعدم وجود منظرين وكتاب عاصروا تنظيم الخلافة 2013-2019 فان هذا القصد يفنده الحقائق ايضاً, فداعش كان لديه العديد من الكتاب والمنظرين الذين ساهموا بشكل فعال في بلورة الافكار التوحشية للتنظيم ودعموا فكرة (الخلافة) وبرروا أعلاناها مهاجمين نظرائهم من الجبهات الاخرى , ولعل أبرز هؤلاء الكتاب والمنظرين :
1.أبو عبيدة الشنقيطي : الذي يعتبر واحداً من اهم مفكري داعش والذي رشح الدكتور هاني سنيرة الخبير في الحركات المتطرفة ان يكون هو نفسه( ابو عبيدة المحرزي المراكشي) الذي كان أحد تلامذة الشيخ الالباني, حيث اسس الشنقيطي (مؤسسة الغرباء) الذراع الاعلامية لداعش ونشر عدد من كتاباته في عام 2014 منها كتاب (أبلغ المعاني في نصح ابي حفص الموريتاني) حيث تناول فيه بالنقد التصريحات التي أدلى بها المفتي السابق للقاعدة (محفوظ ولد الوالد) ,وكذلك كتابه (رفع الحسام نصرة لدولة الاسلام) حيث انتقد فيه طائفة واسعة من العلماء المسلمين الذين هاجموا الارهابي (ابا بكر البغدادي)وتنظيم الدولة. سُمي الشنقيطي منظراً للتنظيم ودرعه الواقي.
2.أبو حسن الازدي : حيث أن فتاويه وآرائه أضحت هي الفتاوي التي تميز داعش عن باقي التنظيمات المتطرفة الاخرى التي كانت تتميز الى الميل لأراقة الدماء وبعض الممارسات الوحشية الاخرى , من أهم مؤلفاته (الاجافة لشبهة خصوم الخلافة) الذي نشرته مؤسسة الغرباء عام 2014 بعد أعلان أقامة دولة الخلافة بأيام قلائل . وكذلك كتابه المعنون (القسطاس العدل في جواز قتل أطفال ونساء الكفار معاقبة بالمثل), وهذا الكتاب يعتبر من أهم كتب تنظيم الدولة وذلك لأنه يُنظر ويؤصل لكثير من الافعال المستنكرة التي يرتكبها عناصره ويعتقد أن البغدادي وابو محمد الفرقان وأبو لقمان الكويتي أستندوا على هذا الكتاب في حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة والكثير من الاعمال الوحشية الاخرى.
3.تركي البنعلي : وهو بحريني الاصل وتركز جهوده في رد شبهة خارجية الدول الاسلامية ,فكتب عدداً من الكتب التي تضفي الشرعية على اقامة الخلافة مثل كتاب (أمتطاء السروج في نقش شبهة موقف الامام أحمد من الخروج) وكذلك كتاب (مد الايادي لبيعة البغدادي), الذي حاول فيه تقديم أسانيد شرعية توجب قيام دولة الخلافة, وقد ذهب الى ابعد من ذلك حيث الف كتاباً ضد شيوخه السابقين أمثال (أبو محمد المقدسي) من خلال كتابه المعنون (شيخي السابق :هذا فراق بيني وبينك) وكذلك رده على ابي قتادة في كتابه (الافادة في الرد على أبي قتادة).
ومن المهم أن نعرف أن الارهابي (عبد الناصر قرداش) قد ذكر أثناء حواره مع الدكتور الهاشمي كيف ان تنظير ومحاضرات (أبو علاء العفري)- وهو احد منظري داعش البارزين- قد شكل مرجعية فكرية خصبة للتنظيم .
من ضمن الملاحظات الاخرى للدكتور الهاشمي هو ضعف خطاب داعش أمام القاعدة والذي يربطه بملاحظته الاولى بعدم وجود كتاب وفقهاء للتنظيم (الذي بَينا خلافه وعدم دقته سابقاً). وهذه الملاحظة غير دقيقة أيضاً حيث أن خطاب داعش العنيف والمتشدد كانت هي الاقوى وقد جذب اليه الآلف من الارهابيين حول عالم وأستطاع بها التمدد في كل من سوريا والعراق وبشكل سريع وملفت وغير متوقع , وضمن لها بيعة الكثير من الجماعات الارهابية في آسيا وأفريقا التي كانت تتبع تنظيم القاعدة في يوم ما , فخطاب وتنظير داعش المبني والداعي الى أحياء الخلافة قد أعطت خارطة طريق جديدة لسلوك ومستقبل وأهداف تلك الجماعات بخلاف خطاب القاعدة الكلاسيكي الذي لا يُنظر لمشروع جهادي (أرهابي) واضح.
التحليل النهائي والتوصيات:
1.لا شك ان الجهد الاعلامي للتنظيم كان سلاحاً قوياً وممنهجاً أفاد التنظيم كثيراً خاصة بعد ان ركز قادته على الشبكة العنكبوتية ووظفوا خدماتها لتشكيل ما يعرف بالجهاد الالكتروني , الا ان هذا الاعلام لم يكن ليكتسب تلك القوة والتأثير الا بعد أستناده واعتماده على التنظير الجهادي الارهابي الذي قدمه منظري التنظيم المذكورين أعلاه.
2.الارهابي (عبد الناصر قرداش) هو أرهابي قيادي ,متمرس وعتيد وخبر أسلوب المحققين السابقين في سوريا (محققين سوريين وغربيين), لذا لا يمكن تصديق كل ما يصدر منه من معلومات عن التنظيم وأخذه على انه مطلق الصحة او كامل المصداقية , فمثل هذا الارهابي الذي له باع طويل في القيادة والادارة والامن والقتل والتنكيل ,يعرف كيفية التمويه والتضليل والرد بأجابات عامة ,فمثلاً يلاحظ من الحوار أن هذا الارهابي قد نأى بنفسه عن الكثير من المجازر الرئيسية التي قام بها التنظيم كمجزرة (سنجار) وهو في نفس الوقت يقوم بالتنكيل بالتنظيم الذي كان يؤمن به ايماناً مطلقاً او انه كان يخالف زعيمه (البغدادي) في العديد من المناسبات الخاصة بعمليات القتل والاعدام.
3.أغلب المعلومات التي قدمها عبد الناصر قرداش هي معلومات عامة يعرفها الاجهزة الامنية العراقية او لها تصور واضح حولها واعتقد أنه ما زال يمارس التمويه والتضليل قدر الامكان مع المحققين الامنيين , فتحليل أولي للمعلومات التي قدمها المومأ اليه يتبين ما يلي:
أ.قام الارهابي (عبد الناصر قرداش) بتصوير التنظيم على أنه تنظيم ضعيف لا يمتلك هيكلية واضحة ولا توجد ترابط أفقي بين قياداته وهنالك تضارب او عدم تنسيق في اتخاذ القرارات المهمة ويغلب عليه نظام التكتلات , وهو كلام لا يقبله المنطق ولا التحليل الصحيح أو المعطيات على ارض الواقع فالتنظيم توسع بشكل سريع وأدار اكثر من 40% من اراضي العراق و50% من اراضي سورية لأعوام عدة .
ب.الكثير من الاسماء الذي ذكره الارهابي (عبد الناصر قرداش) للاجهزة الامنية العراقية هم مقتلوين او غير معروفين.
ج. لم يذكر الارهابي (عبد الناصر قرداش)اي شيء ذو أهمية أستخبارية عن الامور التعبوية والمالية او حتى التكتيكية , فمثلاً لم يذكر شيئاً عن (ديوان الجند) او أعدادهم ,عتادهم او اسلوب تغيير تكتيكاتهم عند تعرض التنظيم للضغوط او خسارته في الميدان , وقد أستبق عدم ذكر تلك الامور بأضفاء السرية على الديوان المذكور أعلاه, او انها كانت تدار بشكل لا مركزي ,وهذا حتماً كان تمويهاً استباقياً من قبله , لأن اللامركزية كانت تمارس من قبل التنظيم عند أشتداد الظروف على مجاميعه وتلقيه ضربات موجعة من قبل الاجهزة الامنية كخسارة معارك مفصلية او اراضي التمكين , فهي كانت تلجىء الى اللامركزية عند فقدها الاتصال بالقيادات الميدانية والامراء والاداريين في المحافظات التي كانت تنشط فيها بغية أعطاء المرونة الكاملة لهم فيما يخص الامور التعبوية والتنفيذية وكذلك لمقتضيات التمويل الذاتي .اما في عهد الخلافة فالامركزية انخفضت الى أدنى مستوى لها في العراق وسورية وبقيت بصورة واضحة في ما يسمى بالولايات البعيدة (مصر , ليبيا, نيجيريا…الخ).
والامر ذاته فيما يخص الامور المالية, حيث ان (عبد الناصر قرداش) لم يذكر معلومات استخبارية او معلومات مفصلية عن مالية التنظيم وطرق التمويل في العراق والاموال الطائلة التي أخفاها التنظيم قبل انهياره الاخير في سورية ,بل ذكر أساليب اعتماد التنظيم (سابقاً) على انواع التمويل في الشرق السوري مثل تهريب النفط والسلاح, الاثار,بيع الجثث والخطف .فمثلاً عند ذكره لديوان المال والزكاة ,يقول(كان هنالك اصرار من ابو سياف التونسي ومن بعده حجي حامد الجبوري على أخفاء مصادر تمويل التنظيم ….) , وعند ذكره ديوان الامن العام (الذي ترأسه هو لفترة من الفترات ) يقول فيه:(أقامة معسكرات سرية ومخابئ المال والسلاح…) دون ان يدلي بمعلومات استخبارية محددة للاجهزة الامنية العراقية حيث أن المومأ اليه قد أفرغ جعبته منذ عام في سوريا عندما سلم نفسه لقوات (قسد) بعد معركة الباغوز وهو يمارس التضليل والمراوغة والتمويه مع الاجهزة الامنية العراقية لاخفاء المعلومات القليلة التي هي بحوزته .
د. من الضرورة بمكان التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية بشكل أكبر للحصول على الاوراق التحقيقية الخاصة بالارهابي (عبد الناصر قرداش) لما لها من أهمية في أدامة التحقيق والوقوف على المعلومات التي قدمها هناك وما قد ينفيها أو ينكرها في المستقبل , علماً ان عملية التسليم جاءت بضغوط من قوات التحالف لدعم الحكومة العراقية الجديدة الا أننا نشك بحصول العراق على كافة محاضر التحقيق السابقة التي أجرتها الاجهزة الاستخبارية لقوات قسد وقوات التحالف مع (عبد الناصر قرداش) .