23 ديسمبر، 2024 10:22 ص

ملاحظات مهمة عن تطورات الأوضاع في العراق

ملاحظات مهمة عن تطورات الأوضاع في العراق

لو تعمقنا في تتبع مجريات الاوضاع وتطوراتها في العراق بعد اندلاع التظاهرات الاحتجاجية في العراق والاصلاحات السريعة التي أعلن العبادي عن إجرائها لتفادي تطورات الوضع وتصاعد التظاهرات واتساع سقوف المطالب ، يترتب عليه جملة إجراءات خطيرة يمكن تأشير محاورها وفقا للنقاط التالية:
1.    ان شرارة التظاهرات كانت قد أججتها أزمة الكهرباء،وقد خرجت الشعارات أصلا مطالبة بحل أزمة الكهرباء، ولكن الشعارات تجاوزت هذا المطلب بالدعوة الى محاسبة المفسدين ومن أثروا على حساب الشعب العراقي، ووجد كثير من العراقيين وبعض القوى السياسية فرصتهم لركوب موجة التظاهرات الناقمين على تردي اوضاع البلد وعلى السياسيين الفاسدين ومن تآمروا عليه، ليتسع نطاق التظاهرات بشكل أوسع مما كان متوقعا، حتى وصل أخير الى مرحلة الاعتصامات.
2.    كان العبادي يأمل ان التفويض الذي حصل عليه من المرجعية الدينية ومن تظاهرات الشعب ان يكون ( المنقذ ) للبلد من أزماته، فأتجه بسرعة لإتخاذ إجراءات سريعة، وصلت حد الغاء كبرى المناصب القيادية متجاوزا الشركاء السياسيين الذين اختفوا تحت ضغط التظاهرات الاحتجاجية الناقمة على الحكومة، للموافقة على إجراءات كهذه بالرغم من انهم في دواخلهم من أكثر المعارضين لها، كونهما يعدونها تجاوزا على التوافقات السياسية وعلى الدستور.
3.    ان الغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء كان جزءا من حملة للتخلص من شخصيات سياسية رفيعة لم يكن بمقدور العبادي إزاحتها من واجهة السلطة لولا تذرعه بأوضاع البلد المالية المتفاقمة وما تخلفه تلك المكاتب من تكاليف باهضة وكذلك تقليص حماياتهم الى 90 % ، والخطوة برمتها كانت لم تكن مدرجة على مطالب المتظاهرين أصلا، لكن العبادي وجد فيها فرصته للتخلص من بعض الخصوم السياسيين من التحالف الوطني ممن ثارت ثائرة الشارع العراقي ضدهم وبخاصة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ونائب رئيس الوزراء الحالي بهاء الأعرجي ، مرة بسبب نكسة الموصل وتردي الوضع الاقتصادي وفي أخرى للفساد الذي بلغ حدودا مرعبة، وكانت شعارات المتظاهرين قد اتجهت منذ البداية ضد المالكي والأعرجي على وجه الخصوص، ولم تكن بقية المناصب العليا محل أي مطلب من مطالب المتظاهرين.
4.    ان مايؤخذ على العبادي من مقربيه ومن آخرين من كتل سياسية أصابها الضرر بسبب اجراءته الاخيرة هو بطء الاصلاحات وعدم تلبيتها لمطالب المتظاهرين ووصفوها بـ ( الترقيعية ) وفي أخرى بـ ( التقشفية ) أي انها لم تمس جوهر النظام السياسي المتمثل بالوزارات أو مجلس النواب، ولم يتم ازاحة أية شخصية اتهمت بالفساد حتى الان، ولم يحصد الشعب العراقي او لنقل يقطف بعض ثمار العبادي، ان لم تكن رواتب كثير من الموظفين قد تم عرقلتها وحدثت ارتباكات في النظام الاداري للوزارات، وتم الغاء وزارات لادور لها اصلا في حياة العراقيين ولا معروفة لديهم ، كما ان الدمج لم يشمل وزارات تتماثل في مهامها مثل وزارة الزراعة والموارد المائية ووزارات اخرى يمكن ان تدمج في هذه الخطوة.
5.    ان الوضع الاقتصادي للعراق بسبب تردي اسعار النفط يزيد من تفاقم اوضاع البلد، ويشير خبراء المال والاقتصاد وبخاصة البنك المركزي العراقي الى ان اوضاع العراق تسير من سيء الى أسوأ، ولا يجد العراقيون حتى بارقة أمل صغيرة تنتشلهم من وضعهم المزري وتردي الخدمات واستمرار الفساد يستشري في البلد دون ان يتمكن أحد من وضع حد لهذا الغول الغائر في الجسد العراقي.
6.    ان المالكي بما يمتلكه من ثقل سياسي داخلي وفي علاقاته القوية مع ايران يعمل على خلخلة اوضاع البلد لكي يعرقل اصاحات العبادي بأية طريقة وهو يوجه أقسى الانتقادات لخطوات العبادي  تشاركه شخصيات بارزة الرؤية ان خطوات العبادي تعد تجاوزا على الشركاء والدستور، وهو وحده من سيتحمل انهيار العراق لاسمح الله ان سار في اتجاهات ( منفردة ) ربما تخرج عن السيطرة في ظل تفاقم أزمة التظاهرات وتصاعد الاحتجاجات الى درجة الاعتصامات وتصعيد المطالب وارتفاع سقوفها ما يجعلها خارج قدرة العبادي على التحمل وعلى تنفيذ إصلاحلاتها، بل ان المالكي يريد الاستحواذ على قيادة الحشد الشعبي أو أي عنوان داعم لميليشيات مسلحة تحمي ظهره أو تسنده في أية مواجهة مقبلة ، ليتخذ منها القوة الساندة التي بإمكانها ان تطيح بكل الزعامات الشيعية عندما يرى ان مصلحته تتطلب ذلك، وهو الان يتصرف كرجل دولة لم تمسه إجراءاتها وليس بمقدور أحد إزاحته من واجهة السلطة، ويعمل على تسفيه أية خطوة تحاول النيل منه او انتقاد فترة حكمه وبخاصة في قضية تحميله مسؤولية سقوط نينوى لكونه كان القائد العام للقوات المسلحة، وهو سيعمل مع القضاء على تجاوز أي ( محاسبة ) مرة بحجة عدم وجود أدلة تدينه في قضية سقوطها ومرة لأن كل الشركاء إشتركوا في عمليات الفساد والإفساد في البلد ولديه عليهم ملفات فساد واعمال مخلة بالقانون يمكنها من وجهة نظره ان توقعهم هم تحت قبضة العدالة وليس المالكي وحده، على طريقة ( علي وعلى أعدائي ).
7.    ان الميليشات المسلحة الموجودة في الساحة العراقية وقوات الحشد الشعبي انما يراد توظيفها من قبل قادة سياسيين لفرض مطالبهم ورؤيتهم بطريقة مخالفة لتوجهات العبادي بدعم من كتل سياسية ( شيعية ) متضررة وحتى من كتل سياسية كردية ومحسوبة على المكون السني ، وربما يجد العبادي نفسه وهو الوحيد الذي من تلقى عليه ( تبعات ) ما قد يسير الوضع السياسي والمالي للبلد من تطورات ومضاعفات أكثر خطورة.
8.    لقد راح سياسيون مستقلون يركبون موجة السخط باتجاه اقامة ( حكومة طواريء ) ودعوات لحل البرلمان، وترك البلد لثلاث سنوات يحكم بحالة الطواريء دون ان يدعو الى انتخابات مبكرة في غضون أشهر تنهي الوضع الشاذ في العراق، وكانها تريد اعادة نفسها تحت دعاوى (حكومة التكتوقراط) ، ولا احد يحترق قلبه على هذا البلد من اؤلئك السياسيين والبرلمانيين الذين سعوا لركوب موجة التظاهرات ليقدم كل وجهة نظره بما يخدمه هو نفسه ولكي يجد له مكانا أقوى ، كل حسب مطامعه وتوجهاته، والبعض يدعو الى ( نظام رئاسي ) منسجما مع آمال عودته مرة أخرى الى واجهة الحكم، ويميل المالكي ومناصريه الى السير بهذا النظام ( الرئاسي ) والغاء البرلمان على خلاف توجهات المرجعية الداعمة للنظام البرلماني شرط ان يتم محاسبة الفاسدين ومن أساءوا الى السلطات العليا في أي مفصل من مفاصل المسؤولية.
9.    ان المطالبة بتغيير مدحت المحمود وابعاده عن القضاء يرى فيها مجلس القضاء الاعلى محاولة لتحميله تبعات الفساد ، وهو يراد منه ان يكون ربما ( كبش فداء ) لهذا السياسي أو ذاك ليفرض عليه سطوته، ليتخذ اجراءات تتناغم مع توجهاته، ولهذا فأن تمسك مجلس القضاء الأعلى بمدحت المحمود هو لتحميله هو وحده المسؤولية عن تبعات ماسيجري من محاكم، وهو يرى الان البحث عن أية فرصة للخروج من سلطة القضاء بأية طريقة، وان ابعاده عن ساحة القضاء ربما اعفاء لمسؤوليته عنه ومن تبعاته.
10.          وتبعا لهذه التطورات المتسارعة وضغط التظاهرات فأن المطلوب من وجهة نظر سياسيين ذوي رؤية سياسية ثاقبة ومحللين سياسيين إقامة ( نظام سياسي جديد ) يزيل كل الرؤوس الحاكمة من واجهة السلطة كونها أثبتت فشلها التام وأوصلت العراق الى مراحل ترد سياسي ومالي واقتصادي ومجتمعي رافقها انهيارات خطيرة، ان لم يتم تدراكها بخطوات جريئة فأن من الصعب ايجاد معالجات لأزمات البلد اذا مابقيت الخطوات (الترقيعية) تحت واجهات الاصلاح هي السائدة، وان تفاقم الأوضاع أمر متوقع على أكثر من صعيد، ما يتطلب الامر ايجاد معالجات سياسية للنظام السياسي برمته، إن أريد للعراق ان ينهض من جديد ويتخطى أزماته بشكل صحيح، اعتمادا على الخبرات والكفاءات العراقية التي يزخر بها هذا البلد وثروته وهي كثيرة.
هذه المؤشرات هي ما أردنا توضيحه، وهو ما يمكن ان يرسم ملامح المراحل التي سيمر بها العراق، والازمات التي ستعصف به، ورؤية الكثيرين للخروج من نفق تلك الأزمة، بطريقة علاج جذري وليس بطريقة إجراء اصلاحات ( ترقيعية )، لن يجد فيها العراقيون مبتغاهم الى الخلاص من اوضاعهم وازماتهم المتفاقمة.