في البداية لابد وأن نشير الى طبيعة الحوار الناجح الذي اجراه الزميل غزوان خلال برنامجه (حق الرد) في قناة السومرية الفضائية منتصف ليلة الجمعة / على السبت الاول / الثاني من تموز 2016 مع السيد فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي،وهو الشخصية التي كانت تتبع منهج الاعتدال والوسطية، الا ان التمعن في (خفايا) هذا الحوار و(مضامين) طروحاته تبرز جملة (ملاحظات) مهمة يمكن تأشيرها على الوجه التالي:
1. يحاول السيد فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي استخدام (اللغة الدبلوماسية) في التعبير عن مختلف المواقف التي اراد التعبير عنها سواء في موضوع المواجهة خلال معركة الفلوجة وما رافقها من أحداث ، أو في قضايا محل تساؤلات قادة سياسيين من الطوائف والإنتماءات الأخرى ، ولم يعط الرجل (أجوبة شافية) عن كثير مما أراد الزميل القدير غزوان الاجابة عليه من قبل ضيفه طوال فترة الحوار التي استمرت لساعة كاملة، وأراد منه ان يتوصل الى اجابات اكثر تفصيلا، الا ان السيد فالح الفياض ميال الى الاختصار والتقليل من شأن تلك التساؤلات وتجاوز متعلقات الاحداث بشأن ظروف معركة الفلوجة وطبيعة ما اشيع عن (تفاهمات) جرت مع داعش لتسهيل خروجها من الفلوجة، وفيما اذا كان هناك (إتفاق) أو (ترتيب) مع شخصيات من المكون الاخر جرى الاتفاق معها لخروج داعش ومقاتلين محسوبين على شخصية عشائرية من اهالي الفلوجة ، نافيا وجود أي (توجه) من هذا النوع،مركزا على اهمية الانتصار العسكري بغض النظر عما رافقه من تطورات وما نسج بشأنه من أقاويل وتحليلات تداولتها اوساط سياسية واعلامية عراقية وعربية ودولية عن خروج 700 مقاتل من داعش مع عوائلهم وتوجههم آمنين من الفلوجة الى غربي العراق دون ان يتعرض لهم أحد ، طوال مسيرة الطريق الممتد من الفلوجة الى الانبار ومنها الى الحدود السورية ربما، ولم نعرف وجهتهم التي توجهوا اليها، بالرغم من انه أشار الى ان عدد مقالتي داعش ليس بهذه الضخامة، الا انه اشار الى ان الطيران العراقي لاحقهم ووجه لهم ضربات، لكن لا أحد قال كم عدد خسائرهم والى اين وصل بهم المقام!!
2. مثلما ذكرنا ان المعروف عن السيد فالح الفياض انه ينهح منهج الاعتدال والوسطية وهو شخصية هادئة متزنة ، لكن اجاباته بقيت كما ذكرنا ضمن الأطر الدبلوماسية و(المراوغة السياسية) قدر الامكان ، لكنه لم (يخرج) عن اهتمام قيادات التحالف الوطني بالتأكيد ان طائفته لابد وان تبقى تحتل المرتبة الأولى في الدولة العراقية، وكأن (الآخرين) من الطوائف الأخرى هم الان يعاملون كدرجة ثانية، بالرغم من انه أشار الى ان لايقبل أي عراقي ان يعامل كدرجة ثانية، لكن تأكيده على ان تبقى طائفته في المرتبة الأولى يعني انه هناك (مراتب) للطوائف الأخرى ، شاء أم أبى ، ما يعني انه انساق الى توجهات خدمة (الطائفة) اكثر من اهتمامه بكون طائفته عراقية الانتماء ، وانها لم تعامل حتى في النظام السابق على انها من الدرجة الثانية ، لكن نظام الأغلبية السياسية الذي كرسته العملية السياسية الحالية بعد الاحتلال الامريكي ومناصرته لها على طول الخط هو من اعطاها حق ان تكون لها الأولوية في ان تبقى هي في المرتبة الأولى ، أما الآخرون ، فتأتي مراتبهم حسب طبيعة تمثيلهم السياسي ، ما يعني ان الطائفة الثانية التي تلي طائفته تحتل المرتبة الثانية والاكراد ربما المرتبة الثالثة والتركمان وغيرهم وما الى ذلك بقية المراتب من حيث القيمة الاعتبارية، وها (مأخذ) على رجل بقي يتبع نهج (الاعتدال) ولو (ظاهريا) لكن طبيعة مضامين تصريحاته ضمن الحوار لم تكن الا لتبرير إنتماءات طائفته والدفاع عنها بالحق والباطل على طريقة (انصر أخالك ظالما أو مظلوما) بالرغم من ان معنى هذا القول ان تنتصر لأخيك عندما يكون على الحق وان تظهر له انك ليس على حق عندما يسير باتجاه الباطل !!
3. لقد حاول السيد الفياض على غرار كل قادة التحالف الوطني تبرير كل المواقف التي وجهت لها حالات انتقاد من القوى السياسية المشاركة في الحكم وملاحظاتها عن طبيعة مشاركتها غير الفعالة في السلطة والقرار ، وأوصل المشاهدين الى قناعة ان سكان المحافظات الست المحسوبة على مكون معين هم مشردون الان ونازحون في مدن العراق المختلفة ، وليس بمقدورهم الدفاع عن محافظاتهم ، وان التشكيلات المختلفة العسكرية وغيرها الموجودة الان من طائفته لغض النظر عن مسمياتها وانتماءاتها وولاءاتها هي من تقع على عاتقها تحرير تلك المحافظات سواء من سيطرة داعش او من أي ارهاب مستقبلي ، ناسيا او متناسيا ان سكان تلك المحافظات لم يشردوا لولا ان هناك جهات رتبت لهم قضية داعش وهي من احتلت محافظاتهم ومدنهم ، وكان الهدف تمزيق شملهم وجعلهم مشردين في الفيافي والمنافي وخيم لاتتوفر فيها ابسط اشكال السكن الآدمي وتعرض مئات الالاف منهم للقتل والتشريد والابادة وشتى صنوف القهر والاذلال ، ومختلف صنوف التعذيب والسجون والمعتقلات بعذر او بدونه ، وكانت اطراف قيادية التحالف الوطني قد خططت لايصال سكان تلك المحافظات الى المصير الذي لايحسدون عليه الان، وهناك من اشار صراحة الى ان المالكي هو من اوصل محافظات العراق الغربية الى تلك المرحلة من التمزق والتشظي وتحويلهم الى لاجئين لتصبح قضيتهم تشبه الى حد بعيد قضية لاجئي فلسطين المشردين منذ نصف قرن من الزمان، وما خطط لتلك المحافظات لايختلف كثيرا عن هذا المنهج بأي حال من الاحوال حتى لو تم (تجميل) التبريرات أو تغليفها او تم فبركة الاعذار والمسوغات، لكن حتى الطفل العراقي توصل الى قناعة بأن المكون الآخر قد انتهى لعقود مقبلة ، وهو الان يعيش مرحلة (موت سريري) ان صح التعبير!!
4. لا ادري لماذا يستمر التركيز من كل الرموز السياسية من قادة التحالف الوطني على التأكيد ومنهم السيد فالح الفياض وهو يفترض ان يلتزم (المهنية) لا (التوجه المذهبي) او (الانتماء الطائفي كمعيار للدلالة على ان (الفلوجة) تعد من وجهة نظرهم البؤرة الوحيدة للارهاب وان تحريرها ، لايعني التخلص من داعش فحسب، بل من (ولاءات) تلك المدينة للنظام السابق ، بالرغم من ان القاصي والداني يعرف ان سكان الفلوجة اقل انتماء الى تيارات سياسية موالية للنظام السابق وهم في اغلبهم من ذوي ميول دينية لكنها ليست على شاكلة ( الحزب الاسلامي العراقي) كما يتوهم البعض، لكن هذا الحزب كرس نفوذه فيها بعد الاحتلال، بل ان الفلوجة تعرف بـ (مدينة المساجد) وان (ولاءات) اهلها وطنية خالصة بعيدة عن أي توجهات ذات طابع سياسي ان لم يكن أهالي الفلوجة يمقتون أي (انتماء لحزب سياسي) ويعدونه خروجا على قيمهم العشائرية والدينية غير المسيسة ، بل انه حتى النظام السابق كان يتوجس من اهالي الفلوجة ليس تخوفا منهم ، ولكن لان انتماءاتهم وتنشئتهم ذات اصول (دينية) على شاكلة محافظة النجف وهم ينبذون (التطرف) كونهم مواطنين بسطاء لديهم من قيم العروبة والوفاء واكرام الضيف ما يفوق كل القيم الأخرى وهم ليسوا منضوين تحت احزاب سياسية الا فئات قليلة ربما كانوا على عدد اصابع اليد محسوبين على الإخوان المسلمين ، ولم يعرف الحزب الاسلامي في حينها معروفا لديهم الا بعد فترات الاحتلال الاميركي لبلدهم، ولهذا فهم في (حساب الموازين) ليسوا قوة دعم للنظام السابق ، كما كان يقال عن الانبار ، بل ان الموالين للنظام السابق في الناصرية اكثر مما هو موجود منهم في مدينة الفلوجة من حيث النسب العددية وقد يقلون كثيرا حتى عن الديوانية او كربلاء او الموصل او صلاح الدين ..وما أردنا ان نقوله ان تكريس (قضية الولاءات) بهذه الطريقة فيه ظلم كبير لفطاعات عراقية واسعة، ثم ان (الولاء) لايمكن قياسه من الطائفة الواحدة ، والا لما ذكرنا ان محافظة ذي قار تفوق محافظات العراق في الولاء نفسه للنظام السابق ان كان يوجه لها (إتهام) من هذا النوع، ما يعني ان قياس قيمة الانتصار في الفلوجة ليس في القضاء على داعش وانما لأن اهالي الفلوجة هم (مركز الولاءات) للنظام السابق، وهذا (خطأ تاريخي) ينبغي ان يصححه من يتولى مفصل قيادي بهذا الحجم ، والذي يعد اشارات من هذا النوع فيه كثيرمن (التضليل) و(الظلم) لايمكن قبوله!!
5. بالرغم من ان مقدم البرنامج الزميل القدير غزوان كان يريد (انتزاع) اعترافات من السيد فالح الفياض بشأن قضايا كثيرة موضع تساؤل ملايين العراقيين عما رافق تحرير الفلوجة من حالات اعتداء وقتل ، وعمليات تحرير الفلوجة بهذه السرعة والاشاعات التي رافقتها عن (اتفاقات) جرت مع داعش لضمان سلامتها ،وموضوع العلاقة بين الحشد الشعبي والحشد الوطني وقضية المشاركة في عملية تحرير الموصل المرتقبة ، الا ان السيد الفياض وعلى شاكلة كل قادة ومسؤولي التحالف الوطني حاول قدر امكانه ان يتوافق معهم في (المبررات) ، ولم يخرج عن دائرة كل (التسويقات) لكثر من الحالات التي بقيت موضع تساؤل الشارع العراقي، وانتهى الحوار معه لساعة كاملة دون ان يتمكن الزميل غزوان على رغم شطارته ان (ينتزع) ملاحظة مهمة يمكن ان يخرج بها المتتبع لشخصية سياسية من هذا النوع ، كان الانطباع عنها انها (متوازنة) و(معتدلة) ولديها معلومات من النوع الثقيل ، واذا بهذا (المنهج) يعكس نوفس التوجهات السابقة عن اطراف قيادية في التحالف الوطني في لغة (التبرير) اذا به لايختلف كثيرا عن أية شخصية سياسية محسوبة على التحالف الوطني، وكان بإمكانه ان يظهر( الحيادية) عند الحديث عن حق الاخرين بأن يكون لهم وجود (متوازن) في الدولة والمجتمع ، لا ان تكون هناك (طوائف) تقاس بدرجات واحدة من الدرجة الأولى والأخرى من الدرجة الثانية حتى ان الزميل غزوان أشار اليه الى ان ( الفياض ) تحدث في تجمع شعبي عن ان (الشيعة) لابد وان يكونوا هم من الدرجة الاولى ، وتساءل الا تعد ( اشارات) من هذا النوع وفي تجمع حاشد من قبل الطرف الاخر فهما خاطئا عندما تعد طائفتك على انها هي تبقى في خانة الطوائف الاولى وكأن الآخرين يعدون ضمن الدرجة الثانية أو الثالثة..وحاول الرجل تفادي الاجابة واتجه نحو الاسلوب (التبرير العمومي) غير المقنع و(تهرب) من كثير من الاجابات بطرق دبلوماسية ووفق مايمليه عليه انتمائه (الطائفي) وليس (المهني)!!
هذه ملاحظات مهمة وددنا اطلاع الكثيرين عليها لتكوين صورة ما عن طبيعة توجهات سياسية مازالت محل (تساؤلات) عن مواقف (غامضة) لقضايا البلد الأساسية،بعضها تزامن مع احداث الفلوجة وبعضها سبقها بكثير ، ولم تظهر علامات (تحول إيجابي) في لغة الخطاب يمكن ان يطمئن اليها العراقيون، في ظرف عصيب، ينبغي ان تنتهي بينهم لغة الغالب والمغلوب، لأن تعرض العراق لأية (خسارة) انما تعني خسارة للجميع وانتصار العراق والمحافظة على كرامة اهله ورفعة رأسهم ينبغي ان تبقى الهدف الأساس في أي توجه يسعى لبناء بلد تحترم فيه كرامات الجميع بلا استثناء.