منَ الزاوية الإعلامية المجرّدة يمكن القول بشكلٍ او بغيره , أنّ زيارة الرئيس الفرنسي ” ايمانويل ماكرون ” كانت ناجحة من قبلِ أن تبدأ عملياً او ميدانياً .! , فالزيارة كانت مفاجئة على صعيد الظرف الساخن جرّاء ما حدثَ في المرفأ , ولم يحدث أن زار رئيس دولة لدولةٍ اخرى اثناء حدثٍ كارثيٍ مروّع , ولم تغادرها اعمدة الدخان كلياً ولم تزل اعداد من الجثث لم يجرِ اكتشاف امكنتها بعد , واستطاع ماكرون من خطف اضواء وسائل الإعلام في لبنان وفي فرنسا وعموم والإعلام العالمي , وبمهارةٍ سريعة .
الزيارةُ كانت تحدٍّ علنيّ و face to face لنظام الحكم , مع تأكيدٍ واضح لضرورة تغيير النظام السائد في لبنان , وارفق حديثه بنقاطٍ مفصّلة كالنظام المصرفي القائم ومضاعفات استمراريته وما قد ينجم عنها , مع التأكيد على ضرورة وضع عقد اجتماعي جديد ” لايدخل في تفاصيله لكنه ينحصر بالوحدة الوطنية اولاً , ولعلّ الرئيس ميشيل عون التقط الرسالة مبكراً وما قد يفرزعنها , وقد يكون ذلك أحدى اسباب عدم مرافقته لماكرون في جولته في مرفأ بيروت وفي شوارع المناطق المتضررة , اذا لم يكن هنالك سببٌ آخر او اسباب مزدوجة .!
وإذ قدر الإمكان نحاول تجنّب اعادة ما نقلته القنوات الفضائية العربية واللبنانية عن مجريات الزيارة , إنّما في لقاء الرئيس الفرنسي بالفرقاء السياسيين اللبنانيين وتوجيهه ونصحه لممثلي حزب الله في الحكومة بحصر ارتباطهم بلبنان وليس بدولٍ اخرى .! فهو كلام له ما له من ابعادٍ غير بعيدة .!
من جانبٍ آخر وخارج نطاق التغطيات الإعلامية للزيارة , فقد كان نزول ماكرون من الطائرة بعد نزول اعضاء الوفد المرافق له , هو بخلاف زيارات رؤساء الدول , حيثُ بدا أنّ جهاز المخابرات الفرنسي DGSE قد اتخذ اجراءً وقائياً واستباقياً متشددا لإحتمالاتٍ افتراضيةٍ للغاية لأمكانية اطلاق النار من قنّاصٍ او من طرفٍ معادٍ عند بدء نزول الوفد الفرنسي , ولوحظَ أنّ الأعضاء المرافقين له كانوا يرتدون بدلاتٍ قاتمة اللون تتراوح بين الأزرق الغامق والأسود , وتغطي الكمامات الواسعة الحجم نصف وجوههم , وذلك لمؤدّاه أمنيّاً لعدم تمييز شخص الرئيس بسهولة , لكنّ ربما ماكرون اراد اجتذاب الأضواء والأنظار في طريقة واسلوب هبوطه من الطائرة , وكلّ ذلك يفتقد الى ادوات وآليات الجزم والحسم .! , الى ذلك بدت تفاصيل وتحركات وحركات الرئيس الفرنسي كأنها مبرمجة بعناية , بدءاً من الجرأة البائنة في حديثه ولقائه بالساسة اللبنانيين , ومروراً بخلع سترته اثناء سيره في منطقة ” الجمّيزة ” لا لسبب حرارة الجو فقط ” وإنما كأنه لإضفاء مسحةٍ او اكثر من التفاعل الإجتماعي – الجماهيري مع المواطنين اللبنانيين , وقد حرصَ على البقاء في ذلك بعد ترجّله من مركبته وارتداء سترته أمام بوابة القصر الرئاسي وأمامَ اضواء وعدسات وسائل الإعلام .!
ثُمَّ أنّ الإستقبال الجماهيري الحار لماكرون قد سجّل وحصد اولى ثمار الزيارة , لكنما على الصعيد الإعلامي اولاً , ويليه ما يمكن تفسيره بالقبول الضمني لطروحات الرئيس الضيف والتي تلتقي وتستجيب لتطلعات مجمل الشعب اللبناني وعلى درجةٍ عاليةٍ من التعطّش السياسي والإجتماعي والإقتصادي ” ومن دونِ اولوياتٍ في التسلسل .! ” .
نحوَ ثلاثةِ اسابيعٍ بقِيت على زيارة السيد ايمانويل ماكرون الى لبنان مرّةً ثانية او اخرى , لفحص واختبار ايّة آليّاتٍ عمليةٍ لتنفيذ وتطبيق طروحاته الغزيرة في المغزى والقصيرة في أعداد مفرداته وكلماته ليوم امس , فآنذاك يمكن بشكلٍ او غيره اطلاق اية أحكام ابتدائية على نجاح قدومه العاجل الى بيروت , والذي حظيَ بترحابٍ دافئ ليس في لبنان فحسب , وانما لدى عموم الجماهير العربية .!